الثلاثاء، 25 سبتمبر 2018

عشرون عاماً من تطور العلاقات الإماراتية الأوزبكستانية ج-1

أ.د. محمد البخاري






عشرون عاماً من تطور العلاقات الإماراتية الأوزبكستانية


طشقند 2012

عشرون عاماً من تطور العلاقات الإماراتية الأوزبكستانية

بمناسبة مرور عشرين عاماً على العلاقات الثنائية الإماراتية الأوزبكستانية، أعددنا هذه الدراسة التي تتضمن متابعات صحفية لبعض ما نشرته المصادر الإعلامية ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية عن العلاقات الإماراتية الأوزبكستانية منذ أن اعتراف دولة الإمارات العربية المتحدة باستقلال جمهورية أوزبكستان بتاريخ 26/12/1991، وتوقيع بروتوكول إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بتاريخ 25/10/1992، وحتى عام 2011، في محاولة لوضع رؤية المؤلف عن مستقبل هذه العلاقات ليستفيد منها المتخصصين والمهتمين بالعلاقات الدولية والعامة والقانونية والعلوم الإقتصادية والسياسية والإعلامية.

المؤلف:
أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة. بروفيسور، قسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الصحافة. جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.

مراجعة:
أ.د. شهرت يفقاتشوف: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC. رئيس قسم السياسة العالمية، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية (مستعرب).
أ.د. قدرت إيرنازروف: دكتوراه علوم في العلوم التاريخية DC. رئيس قسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.

(c) حقوق النشر محفوظة للمؤلف.
تمهيد
خلال العقد الأخير من القرن العشرين بلغ التنافس الدولي في العلاقات الدولية المعاصرة بين القوى الكبرى المهيمنة على الساحة الدولية ذروته، وأجمع الباحثون على أن التنافس الدولي وفر في السابق قدراً لا بأس به من الموارد المالية والتكنولوجية لدول العالم الثالث، لم تكن لتتوفر لها لولا ذلك التنافس الذي ساد خلال فترة الحرب الباردة التي كانت قائمة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق والغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
لأن التنافس على النفوذ في العالم الثالث كان محتدماً بينهما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. واستفادت دول العالم الثالث من ذلك التنافس لتحصل على موارد مالية وتكنولوجية من القطبين الأعظمين وخاصة تلك الدول التي فضلت إتباع سياسة عدم الإنحياز والحياد الإيجابي في التعامل مع المعسكرين المتصارعين على النفوذ في العالم الثالث.
وبعد إنهيار المنظومة الإشتراكية التي كان يقودها الاتحاد السوفييتي السابق سعى التنافس الدولي الجديد لتوفير بديل للنفوذ الروسي في دول آسيا المركزية (أوزبكستان وقازاقستان وتركمانستان وقرغيزستان وطاجكستان) التي استقلت عن الإتحاد السوفييتي السابق.[1] ولكن إستقلال تلك الدول لم يضعف من النفوذ الروسي بشكل جوهري، بل وفر لدول المنطقة بدائل استفادت منها لصياغة سياساتها الخارجية ووظفتها للحصول على أفضل الشروط في التعامل مع الفيدرالية الروسية.
وأثبتت الوقائع بجلاء ووضوح، أن دول آسيا المركزية لن تعود مرة أخرى إلى أي نوع من أنواع العلاقات التي كانت تربطها بروسيا القيصرية أو الاتحاد السوفييتي أو المركز السابق موسكو. بل على العكس اتجهت دول المنطقة التي حصلت على إستقلالها وسيادتها ومن بينها أوزبكستان نحو بناء علاقات جديدة من المنفعة المتبادلة والمتساوية مع الفيدرالية الروسية رغم عدم تطابق وجهات النظر حيال بعض المواقف والقضايا الهامة والحساسة في المصالح الوطنية للجانبين. وبعبارة أخرى أن استعمار المنطقة راح بلا رجعة، وأن استقلال جمهوريات آسيا المركزية الإسلامية أصبح أمراً واقعياً ومهماً تدعمه مراكز القوى العالمية بثبات. وما يثبت ذلك حصول الجمهوريات المستقلة على العضوية الكاملة في المنظمات الدولية والإقليمية كمنظمة الأمم المتحدة وهيآتها المتخصصة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة الدول المستقلة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة أوروآسيا للتعاون الاقتصادي، وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية.
ولا يستطيع أحد إنكار حقيقة أن التنافس الدولي أدى لتعطيل مؤقت لقدرات دول آسيا المركزية على اختيار النموذج الملائم لها للتطور الاقتصادي والسياسي المستقل. ولكن أوزبكستان نجحت فعلاً في اختيار طريقها الخاص للتجديد والتقدم، ونموذجها الخاص للانتقال إلى اقتصاد السوق.[2] ساعدها على ذلك استقرار مؤسساتها الدستورية والسلطة السياسية بعد فوز الرئيس إسلام كريموف ولعدة مرات متتالية بمنصب رئيس جمهورية أوزبكستان عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر.
ولم يتوقف التطور الاقتصادي والسياسي المستقل في أوزبكستان رغم دخول التطرف الديني والعنف المسلح وما رافقه من ازدهار لتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة إلى المنطقة، كصدى للصراعات الدائرة على الساحة الأفغانية، والصراع الذي كان دائراً في طاجكستان كطرف في المعادلة السياسية بالمنطقة، ومن المعروف أن تلك الصراعات كانت تشجعها وتستغلها وتدعمها جهات خارجية. وجاءت الأحداث الدامية التي جرت في طشقند وجنوب قرغيزستان عام 1999، وأحداث جنوب أوزبكستان وقرغيزستان صيف 2000، وأحداث أنديجان عام 2005، لتضاعف من حدة الموقف في المنطقة، وجاءت مطابقة ومؤيدة لتوقعات القيادة الأوزبكستانية وتنبيهاتها المستمرة من خطر انتقال وانتشار التطرف والعنف المسلح من أفغانستان إلى المناطق الأخرى المجاورة في آسيا المركزية بل وإلى أنحاء أخرى من العالم وهو ما أثبتته أحداث 11/9/2001 في الولايات المتحدة الأمريكية وما تبعها من أحداث تهدد مصير الإستقرار العالمي وأمن وسلامة الكثير من شعوب العالم.
وجاءت المبادرة الأوزبكستانية على لسان رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف أثناء مشاركته في قمة الناتو ومجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية التي جرت في بوخارست بتاريخ 3/4/2008 بأن "التعاون الدولي يعتبر من أهم عوامل توفير الأمن والتطور. وأن المبادرة الأوزبكستانية الأخيرة لحل القضية الأفغانستانية بمشاركة حلف الناتو تهدف إلى تطوير مجموعة "6+2" التي عملت حتى عام 2001 إلى مجموعة اتصال "6+3" للتوصل إلى السلام والاستقرار في أفغانستان. وأن المبادرة جاءت من أجل التوصل إلى السلام والاستقرار في أفغانستان. ولهذا يجب أن تضم جماعة الاتصال الدول الست المجاورة لأفغانستان وهي: إيران والصين وطاجكستان وتركمانستان وأوزبكستان، بالإضافة لروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، لتتحول إلى آلية هامة ومسرحاً للمناقشات وإعداد مبادئ ومناهج مشتركة للبحث عن طرق لتسوية القضية الأفغانية، والتوصل لفهم واهتمام مشترك للتوصل إلى السلام والوئام الوطني في أفغانستان. وإعداد مقترحات للتوسع بالمساعدات الاقتصادية والإنسانية المقدمة لأفغانستان في إطار مختلف البرامج الدولية وفي مقدمتها برامج منظمة الأمم المتحدة، مع ضرورة احترام العادات والتقاليد والقيم الدينية والقومية والثقافية للشعب الأفغاني متعدد القوميات واحترام مصالح الأقليات القومية وعدم السماح بالهجمات والافتراءات والأكاذيب على الدين الإسلامي.[3]
وعلى ما نعتقد أن التغييرات في موقف الولايات المتحدة الأمريكية جاءت موافقة للموقف الأوزبكستاني، وهو ما عبرت عنه الأوساط الاجتماعية الأوزبكستانية بأنها تتابع باهتمام بالغ المبادرات الجديدة التي تقدمت بها الإدارة الأمريكية منذ تولي الرئيس باراك أوباما الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يكن خطاب باراك أوباما في جامعة القاهرة عام 2009 استثناء، لأن الخطاب قبل كل شيء كان إثباتاً لتغليب الواقعية في مواقف السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والدعوة لكسر الحلقة المفرغة من حالة عدم الثقة والمجابهة مع العالم الإسلامي، والمناشدة لوضع حد لقوالب التفكير السلبي حول الإسلام أينما كان، وبدء عصر جديد لتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع العالم الإسلامي.
واعتبر البلاغ الذي صدر عن الخارجية الأوزبكستانية أن الخطاب كان بمثابة سعي للبحث عن اتجاهات جديدة للتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والمسلمين في العالم كله لصالح السلام والعدل والتقدم. وأن براغماتية نهج السياسة الخارجية لإدارة باراك أوباما بشأن المواقف من مسألة ما يسمى بسياسة إشاعة الديمقراطية تسترعي الانتباه، وأن جوهر الموقف الجديدة المعلن ينحصر في أن أي محاولة لفرض قيم خاصة على البلاد الأخرى التي لها تاريخها وثقافاتها المتميزة تعطي نتائج معكوسة. وأنه من المهم أن تكون هناك قدوة يمكن أن يحتذى بها من خلال الحفاظ على الديمقراطية وأولوية القوانين وحرية التعبير والدين باعتبارها قيماً بشرية مهمة للجميع. ومما لا شك فيه أن مثل هذه المواقف الواقعية من تسوية أهم القضايا الراهنة سيلقى صدى إيجابيا لدي أوساط الرأي العام العالمي.[4]
وكان تأثير مختلف العوامل في البداية على السياسة الخارجية الأوزبكستانية، مما أبطأ من اندفاع أوزبكستان الشديد نحو تقوية العلاقات الثنائية مع الدول العربية بعد استقلالها، وواجهته معظم الدول العربية بتجاهل أوزبكستان في سياساتها الخارجية وأفضلياتها. ونعتقد أن ذلك لم يكن مقصوداً وتمثل بتجاهل أهمية إقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات واعتماد السفراء المقيمين، الأمر الذي نعتبره المدخل الرسمي الوحيد لخلق قنوات مباشرة للحوار البناء وتبادل المعلومات والمصالح وخلق البدائل في السياسات الخارجية للجانبين. ولكن سرعان ماتبدل الواقع وحدث تبدل واقعي مبشر في العلاقات العربية الأوزبكستانية.
ولا يجهل أحد أن تقوية العلاقات العربية الأوزبكستانية قد يتعارض مع مصالح بعض القوى العالمية التي تسعى دائماً إلى تسميم العلاقات العربية مع العالم الخارجي بشتى الطرق، وتوظفها بذكاء بهدف إضافتها لقوتها الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية والدبلوماسية، وأجهزة الإعلام القوية والمجربة التي تسيطر عليها والمنتشرة في العالم، وتخلق من خلالها بشكل دائم رأي عام دولي مساند ومتعاطف مع تلك القوى العالمية، ورأي عام دولي جاهل إن لم نقل معاد للمصالح الوطنية العربية.
والغريب أن هذا جرى ويجري على ساحة آسيا المركزية بشكل عام وفي أوزبكستان بشكل خاص في ظروف كانت تشهد ضعف أو غياب شبه تام للجانب العربي في معادلة المساعي الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والسياسية والإعلامية والثقافية الدائرة لتحقيق أقصى الفوائد للمصالح الحيوية في العلاقات الثنائية بين الدول العربية وأوزبكستان حتى ولو استثنينا تلك الدول العربية التي لها علاقات دبلوماسية واقتصادية جيدة معها أو لها سفارات مقيمة فيها.
وهو ما سنحاول إلقاء الضوء عليه في هذه الدراسة من خلال متابعاتنا لما نشرته وسائل الإعلام والإتصال الجماهيرية الأوزبكستانية والعربية خلال عقدين من الزمن خدمة للباحثين والدارسين في مجالات العلاقات الدولية والعامة والقانونية والعلوم السياسية والاقتصادية والإعلامية.
طشقند في 25/11/2011
المؤلف
أ.د. محمد البخاري



[1] عرفت المنطقة في المراجع التاريخية لمرحلة الفتوحات الإسلامية باسم ما وراء النهر، وذكرت باسم تركستان في المراجع التاريخية لما قبل الاحتلال الروسي، وبعد الاحتلال باسم تركستان الروسية، ومن ثم آسيا الوسطى وقازاقستان السوفييتية في العهد السوفييتي، إلى أن أطلق عليها قادة الدول الخمس بعد الإستقلال عن الاتحاد السوفييتي السابق اسم آسيا المركزية في الاجتماع الذي ضمهم في آلما آتا عاصمة قازاقستان.
[2] للمزيد أنظر: إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق المستقبل العظيم. ترجمة: أ.د. محمد البخاري. جدة: مجموعة دار السلام، 1999؛ إسلام كريموف: أوزبكستان على عتبة القرن الحادي والعشرين. بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1997؛ إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1996).
[3] الصحف المحلية الصادرة في طشقند يوم 1/5/2008.
[4] بلاغ عن خطاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما في جامعة القاهرة // وكالة أنباء Jahon بوزارة الخارجية الأوزبكستانية، 8/6/2009.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق