الفصل الأول العلاقات العربية الأوزبكستانية
الجذور التاريخية المشتركة للعرب والأوزبك: معروف أن التاريخ العربي الأوزبكي المشترك بدأ مع بدايات الفتح الإسلامي في منتصف القرن السابع الميلادي، حيث جرى وقتها ضم منطقة ما وراء النهر إلى الخلافة العربية الإسلامية في العهد الأموي. وهذا لا ينفي أبداً أن العلاقات التجارية والسياسية والثقافية بين العرب وشعوب ما وراء النهر آنذاك كانت قائمة قبل الإسلام بوقت طويل، وخاصة مع بلاد الشام والرافدين. ولكن الذي حدث مع مطلع القرن الثامن الميلادي أنهم أصبحوا معاً داخل دولة واحدة امتدت في وقت ما من أسوار الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.
ويقدم التاريخ حقائق كثيرة عن توجه جيوش الفتح الإسلامي العربية شرقاً عام 633م، حيث سيطرت على الدولة الساسانية في فارس، وبعدها انطلقت لنشر الدعوة الإسلامية فيما وراء النهر. ومن عام 674م انتشرت جيوش الفتح الإسلامي بقيادة عبيد الله بن زياد داخل المنطقة. وبعد تعيين قتيبة بن مسلم الباهلي والياً على خراسان عام 705م دخل بخارى فاتحاً عام 709م، وخوارزم وسمرقند عام 712م، وما أن حل عام 715م حتى خضعت المنطقة الممتدة حتى وادي فرغانة (شرق أوزبكستان اليوم) للخلافة العربية الإسلامية.
ويفسر الباحثان الأوزبكيان المعاصران بوري باي أحميدوف، وزاهد الله منواروف، أسباب سرعة انتشار الفتح الإسلامي في المنطقة، بالخلافات التي كانت قائمة آنذاك بين الحكام المحليين، والاهتمام الكبير الذي أبداه القادة العرب المسلمون بالمنطقة بعد أن استقرت الأمور لصالحهم في خراسان. ويشيران إلى أن العرب "لعبوا دوراً تقدمياً في المنطقة، وغالباً ما كانوا يلجأون إلى السبل السلمية، ويعفون معتنقي الدين الإسلامي من الخراج والجزية". ويضيفان حقيقة هامة، وهي أنه لا مجال لمقارنة الفتح العربي الإسلامي، بالغزو المغولي أو الروسي أو البلشفي. لأن الإسلام لعب دوراً إيجابياً أدى إلى توحيد المدن والدول والقبائل والشعوب المختلفة، وإلى تطوير العلاقات بين تلك الشعوب، إضافة للأثر الإيجابي الكبير في عادات وأخلاق وتقاليد الناس، والذي بفضله تم القضاء على العيوب الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك. وأشارا إلى الدور الهام الذي لعبته اللغة العربية قي تعريف شعوب آسيا المركزية وإطلاعهم على مؤلفات علماء اليونان القدامى، والمخترعات الصينية.
ولا أحد ينكر الدور الكبير الذي لعبته شعوب آسيا المركزية، وخاصة الشعب الأوزبكي في الثقافة العربية الإسلامية وتطوير الحضارة الإنسانية وظهرت جلية مرة أخرى أثناء الاحتفالات التي جرت في أوزبكستان بمناسبة إعلان المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ISESCO) طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007، وأعادت للأذهان أسماء أعلام إسلامية معروفة من أبناء شعوب وسط آسيا أمثال: عالم الفلك أحمد الفرغاني (توفي عام 850م)، وعالم الرياضيات محمد بن موسى الفرغاني (783م-850م)، والفيلسوف الكبير أبو نصر الفارابي (873م-950م)، والطبيب الموسوعي أبو علي حسين بن سينا (980م-1037م)، والعالم الموسوعي أبو ريحان البيروني (973م-1048م)، والموسوعي فخر الدين الرازي، والنحوي والمحدث الكبير الزمخشري (1075م-1144م)، وشيخ المحدثين الإمام البخاري، والكثيرين غيرهم.
وأشارت الاحتفالات إلى استمرار إسهام العلماء الأوزبك في الحضارة العربية الإسلامية والعالمية لقرون عدة، والذي لم تزل أثاره ماثلة للعيون حتى اليوم. وهم الذين ارتحلوا من أجل طلب العلم إلى دمشق، وبغداد، والبصرة، والقاهرة. وخير مثال على ذلك التراث الذي خلفه إمام المحدثين أبو عبد الله إسماعيل البخاري (809م-869م)، الذي يضم أكثر من عشرين مؤلفاً في علوم الحديث أشهرها الجامع الصحيح الذي يضم 7250 حديثاً نبوياً شريفاً. وغيره من علماء الحديث الشريف أمثال: السمرقندي (785م-868م)، والهمذاني 1048م-1140م).
وعبر مئات السنين استقرت بعض الهجرات العربية في ما وراء النهر وأدى التفاعل والاندماج الكامل بينهم وبين شعوب ما وراء النهر، إلى قيام تجمعات سكانية محلية من أصول عربية وخاصة في ولايات بخارى، وسمرقند، وقشقاداريا، وسورخان داريا، وغيرها لم تزل تحتفظ بطابع حياتها المتميزة حتى اليوم.
وقد أخذت العلاقات العربية بشعوب المنطقة تضعف بالتدريج منذ الاجتياح المغولي خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وما نتج عن قيام الدولة المغولية من تأثير على اللغة والثقافة العربية فيما وراء النهر. دون أن يتمكنوا من المساس بالثقافة الإسلامية بسبب اعتناق المغول أنفسهم للدين الإسلامي الحنيف. وقيام الدولة التيمورية التي أسسها الأمير تيمور "تيمور لانك" (1336م-1405م) والتي امتدت من ما وراء النهر إلى إيران وأفغانستان والقوقاز وبلاد الرافدين وأجزاء من بلاد الشام وشمال الهند، تلك الدولة التي اتخذت أيام ازدهارها من سمرقند عاصمة لها. وقامت جمهورية أوزبكستان على القسم المركزي منها في تركستان.
وأدى تفكك الدولة التيمورية في تركستان إلى قيام دويلات مستقلة في المنطقة منها: بخارى، وخيوة، وقوقند، وهو ما سهل الطريق أمام الأطماع الروسية للتوسع في المنطقة منذ بدايات القرن السابع عشر. وقام الاحتلال الروسي بعد احتلاله للمنطقة بقطع كل الصلات التي كانت قائمة بين تركستان الروسية كما كانت تعرف في ذلك الوقت والعالمين العربي والإسلامي، سواء أثناء الحكم القيصري الروسي، أو خلال الحكم الشيوعي الروسي. واقتصرت العلاقات العربية مع دول المنطقة على العلاقات الرسمية التي كانت تمر عبر موسكو فقط. وكان من النادر جداً كما أشار الباحث الأوزبكي زاهد الله منواروف أن تتصل طشقند مباشرة بالعواصم العربية، وأن الاحتلال الروسي والبلشفي قضى على أية إمكانية تسمح بإقامة علاقات مباشرة بين أوزبكستان والدول العربية. وتابع أنه رغم ذلك فإن الروابط الثقافية والحضارية التي جمعت العرب والأوزبك استمرت، وعلى أساسها قامت العلاقات العربية الأوزبكستانية بعد الاستقلال.
ولذلك لم يكن غريباً أن قيل بأن العرب قد فوجئوا باستقلال جمهورية أوزبكستان وغيرها من جمهوريات آسيا المركزية عام 1991. لأنهم أمام الهيمنة السوفييتية على جمهورية أوزبكستان، وضعف علاقاتهم معها، لم يكونوا ليتوقعوا أبداً استقلالها، ولهذا كان تقارب الدول العربية معها بطيئاً جداً في البداية. لأن الدول العربية كانت حريصة على استكشاف الطريق إلى أوزبكستان دون أن تؤثر علاقاتها المحتملة معها على العلاقات مع الاتحاد السوفييتي قبل الاستقلال، ومن ثم العلاقات مع الفيدرالية الروسية بعد الاستقلال. خاصة وأنها رافقت فترة صعبة من التاريخ كان العرب فيها منشغلين بتداعيات حرب الخليج الثانية، والحلول الدولية المنتظرة لقضية الشرق الأوسط والتمهيد لانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط. ومع ذلك شهدت كماً هائلاً من المؤتمرات والندوات قد انعقدت في العديد من الدول العربية لبحث أفضل السبل لإقامة علاقات مع جمهوريات وسط آسيا ومن بينها أوزبكستان.
ورغم سرعة الدول العربية بالاعتراف الدبلوماسي باستقلال جمهورية أوزبكستان، تلبية لقرار مجلس جامعة الدول العربية الصادر في آذار/مارس 1992، والذي حث الدول العربية على تنشيط الاتصالات بدول آسيا المركزية وفتح سفارات فيها، وإقامة تعاون في كل الميادين، وإقامة مراكز ثقافية عربية فيها، فإننا نرى أن مصر، والأردن، وفلسطين، والجزائر، والسعودية، والكويت، فقط افتتحت سفارات لها، وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً بفتح قنصلية لها في العاصمة طشقند، وكانت مصر الدولة العربية الوحيدة التي أقامت مركزاً ثقافياً عربياً في أوزبكستان. ورغم التقدم الملحوظ في العلاقات الثنائية إلا أن العلاقات الاقتصادية والسياسية لم تزل بطيئة ولا تتجاوب مع المقدرات التي يملكها الجانبين، ولا تلبي مصالح العلاقات التاريخية بين الجانبين حتى الآن.
المصالح الأوزبكستانية العربية المشتركة
ونتيجة لعمليات البحث والمراجعة التي أجرتها مؤسسات البحث العلمي، ومراكز صنع القرار العربية والأوزبكستانية للموقف الجديد الذي تكون في آسيا المركزية بعد استقلال جمهوريات: أوزبكستان، وقازاقستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجكستان، ظهر جلياً أنه هناك شبكة من المصالح المشتركة تجمع بين أوزبكستان والدول العربية. وأن هذه الشبكة تحتم بناء مجموعة من السياسات التي تضمن حماية تلك المصالح. تعتمد على:
التطور الاقتصادي والسياسي المستقل لجمهورية أوزبكستان: لأنه بدا واضحاً بعد استقلال جمهوريات آسيا المركزية، أنه هناك تنافس شديد بين القوى الإقليمية والعالمية المختلفة، للتأثير على نمط التطور الاقتصادي والسياسي المستقل لجمهوريات آسيا المركزية. وهو ما أطلق عليه بعض المراقبين "بالمباراة الكبرى الجديدة"، تمييزاً لها عن المباراة الكبرى التي كانت قائمة في تركستان بين قوتي الاحتلال الرئيسية في المنطقة بريطانيا العظمى والإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وما سيترتب عن النتيجة النهائية لتلك المباراة الكبرى الجديدة من تأثير مباشر على دول آسيا المركزية والدول العربية. سيما وأن أوزبكستان تقع في قلب المنطقة التي تربط آسيا بأوروبا، وأن ما يحدث فيها لابد وأن يؤثر بشكل ما على الأحداث الجارية في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بشكل كامل.
وتنبأ الباحث المصري إبراهيم عرفات بأن نشوء نزاعات إقليمية في آسيا المركزية، أو نشوء سباق للتسلح فيها، أو إنشاء منطقة منزوعة السلاح النووي فيها لابد وأن يكون له انعكاسات مباشرة على الدول العربية، ومن ثم توقع أن يكون من مصلحة العرب أن تتبع دول وسط آسيا وفي مقدمتها أوزبكستان منهجاً مستقلاً للتطور يعتمد على رؤية الشعب والنخبة الحاكمة للمصالح الوطنية، وألا تهيمن قوة إقليمية أو عالمية معينة على دول وسط آسيا.
المصالح الاقتصادية: وهنا لابد من التنويه إلى أهمية الموقع الإستراتيجي المتميز لأوزبكستان وامتلاكها لكميات مهمة من الموارد الطبيعية والخبرات البشرية والتكنولوجية المتطورة يمكنها على ضوئها أن تكون الشريك المحتمل والمهم للاستثمارات المالية العربية وتنويع البدائل الاقتصادية التقليدية، من خلال الاستفادة من الخبرات والمقدرات العربية والأوزبكستانية.
وأشار الباحث العربي ناصيف حتى في هذا المجال، إلى أن الكتلة الجديدة تمثل عمقاً حضارياً واستراتيجياً، وهي ذات قدرات علمية وإستراتيجية أيضاً، وعند بعضها قدرات تسليحية كبيرة. والمنحى الذي سيتخذه التنافس بين قوى الجوار الإقليمي حولها، لابد وأن ينعكس على موازين القوى في آسيا المركزية وفي الشرق الأوسط.
المصالح الإستراتيجية: وأوزبكستان تكاملت مع المجتمع الدولي منذ استقلالها، وبدأت تلعب دوراً بارزاً في منطقة آسيا المركزية، وأخذت تسهم بقسطها في تسوية النزاعات الإقليمية، وخاصة الصراع على الأرض الأفغانية. حيث بادر رئيسها إسلام كريموف للسعي لإعلان آسيا المركزية منطقة منزوعة السلاح النووي الأمر الذي تم في عام 2009. ليصبح من الواضح أن أوزبكستان هي قوة أساسية في وسط آسيا. وأن أية علاقات مع دول المنطقة لابد وأن تمر عبر أوزبكستان بحكم دورها التاريخي والحضاري في العلاقات العربية مع دول المنطقة.
دور أوزبكستان في إبراز الوجه المعتدل للإسلام في مواجهة حركات التطرف الديني: وبعد استقلال جمهوريات آسيا المركزية ظهرت حركات دينية متطرفة، تهدف الصدام مع النظم السياسية الدستورية، ومحاولة تغييرها بغير الطرق الديمقراطية السلمية مستخدمة القوة والعنف المسلح لبلوغ الهدف. وقد أشار إليها الرئيس إسلام كريموف عندما حدد مصادر تهديد الأمن والاستقرار في أوزبكستان. وكانت بعض تلك التيارات مدعومة من قبل بعض القوى على الساحة الأفغانية، ومن بينهم عناصر عربية عرفت باسم "الأفغان العرب"، وانتشر تلك التيارات إلى دول الجوار بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، واستقلال جمهوريات آسيا المركزية، لتهدد السلام في آسيا المركزية وأمن وسلامة الدول العربية. ومن هذا المنطلق كان من مصلحة العرب الحقيقية توضيح الوجه الحقيقي للإسلام أمام شعوب وسط آسيا، عن طريق نشر الثقافة الإسلامية بوجهها المتسامح والمعتدل من خلال العلاقات والروابط الثقافية العربية الأوزبكستانية. وهو ما سعت إليه أوزبكستان نفسها.
ويرى المحللون أن لأوزبكستان مصالح مع الدول العربية لا تقل عن مصالح الدول العربية مع أوزبكستان. ومن نظرة متعمقة في السياسية الخارجية الأوزبكستانية فإننا نرى أن القيادة الأوزبكستانية قد توصلت لجملة من المصالح المهمة التي تجعلها تلتقي مع الدول العربية منها أن:
الدول العربية تعتبر ميدان لتنويع بدائل السياسة الخارجية الأوزبكستانية: فعلى ضوء التنافس الدولي حول آسيا المركزية، ظهر ما للدول العربية من أهمية كامتداد جغرافي قريب ووثيق الصلة بأوزبكستان حضارياً وثقافياً، وهي التي تتمتع بإمكانيات اقتصادية هائلة وتعتبر مصدراً للاستثمارات وللبضائع الاستهلاكية، وسوقاً لليد العاملة والتكنولوجيا والمنتجات الأوزبكستانية. فضلاً عن أنه لا توجد للعرب أية تطلعات إقليمية أو سياسية في أوزبكستان. ومن هذا المنطلق فإن التعامل المكثف مع الدول العربية يحقق لأوزبكستان مصلحة جوهرية في توسيع البدائل المتاحة أمام السياسة الخارجية الأوزبكستانية، وتخلق مجالاً استراتيجيا جديداً يمكنها من خلال دعم المجموعة العربية من التعامل على قدم المساواة مع القوى الأخرى في العالم. ومن المؤكد أنه كلما زادت البدائل المتاحة أمام أوزبكستان في العلاقات الدولية، كلما زادت قدرتها على الحركة في مجال العلاقات الدولية، بشكل يؤمن لها أفضل الشروط في التعامل مع الشركاء الدوليين.
المصالح الاقتصادية الأوزبكستانية في الدول العربية: والدول العربية كمجموعة تشكل قوة اقتصادية ومالية تستطيع الاستثمار في أوزبكستان، لتمكينها من استغلال مواردها بشكل فعال. إضافة لامتلاك بعض الدول العربية خبرات فنية لازمة لأوزبكستان لإتمام عملية بناء الدولة، والتحول بالكامل إلى اقتصاد السوق، وما يترتب عنها من بناء نظم اقتصادية ومصرفية، إضافة لفرص التدريب التي يمكن أن تتيحها بعض الدول العربية لأوزبكستان في مجال إعداد الكوادر في مختلف المجالات.
الدور الحضاري لأوزبكستان: والدول العربية بالنسبة لجمهورية أوزبكستان هي الساحة والمدخل المهم للاضطلاع بدور ثقافي وحضاري فعال في العالمين العربي والإسلامي. خاصة وأن أوزبكستان تملك تراثاً ثقافياً ودينياً وحضارياً، أشار إليه بوضوح إعلان الـ (ISESCO) طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007، وكان لذلك التراث أثراً بالغاً في تطور الحضارة العربية الإسلامية. وهو ما يؤهلها لتضطلع بدور حضاري متميز في العالمين العربي والإسلامي.
وانطلاقاً من المصالح المشتركة والمتشابكة بدأ العرب والأوزبك بصياغة مجموعة من السياسات التي يمكن أن تكفل تحقيق وحماية مصالحهما المشتركة. ومن المنطقي أن تكون نقطة البداية إنشاء وتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية بين الدول العربية وأوزبكستان. ولهذا الهدف قام الرئيس إسلام كريموف ضمن أولى جولاته بعد الاستقلال بزيارة رسمية شملت كلاً من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية 1992، وأتبعها بزيارة لفلسطين عام 1998، والكويت عام 2004، وجمهورية مصر العربية للمرة الثانية عام 2007، والإمارات العربية المتحدة عام 2008، تم خلالها الاتفاق على توطيد العلاقات القائمة، والتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الثنائية. وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات القائد العربي الوحيد الذي زار أوزبكستان بعد استقلالها، إلى أن قام أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بزيارته التاريخية لأوزبكستان عام 2008. وأتبعها الرئيس إسلام كريموف بزيارة تاريخية لسلطنة عمان في عام 2009 تم خلالها تبادل الآراء حول مسائل مستقبل تطوير العلاقات الثنائية، وتوسيع التعاون التجاري والاقتصادي، والقضايا الإقليمية والدولية التي تهم الجانبين. وعبر إسلام كريموف عن أن أوزبكستان تقيم عالياً التعاون مع سلطنة عمان. وأشار الرئيس إلى أن اللقاء الحالي يوفر إمكانيات جيدة لبحث المسائل التي تهم الجانبين. وأشار قابوس بن سعيد خاصة إلى أن زيارة الدولة للقائد الأوزبكستاني لعمان تعتبر حدثاً تاريخياً في العلاقات الثنائية بين البلدين. وفي ختام الزيارة صدر بيان مشترك. واتفق الجانبان على افتتاح سفارات للبلدين في طشقند ومسقط. ونتيجة للمحادثات جرى التوقيع على اتفاقيات بين الحكومتين لأسس التعاون والعلاقات بين البلدين، والتعاون التجاري والاقتصادي، والنقل الجوي، وأكثر من عشر وثائق تتعلق بالنفط والغاز، والقطاعات الكيماوية والبناء، وفي مجالات التعليم العالي، والسياحة، والاستثمارات. وفي إطار الزيارة جرى لقاء تجاري بين رجال الأعمال من البلدين، بحثت خلاله مسائل تطوير العلاقات الثنائية التجارية والاقتصادية، وتوسيع التعاون الاستثماري، وجرى تقديم المجالات التي تتمتع بالأفضلية في اقتصاد أوزبكستان.
وكما سبق وأشرنا تعمل في أوزبكستان سفارات: لمصر، والأردن، والجزائر، وفلسطين، والسعودية، والكويت. وللإمارات العربية المتحدة قنصلية عامة معتمدة ومقيمة في طشقند، وللمغرب، واليمن، سفير معتمد غير مقيم في طشقند، ولسلطنة عمان سفير مقيم في إسلام آباد. ولأوزبكستان سفارات معتمدة مقيمة في مصر، والسعودية، وفلسطين، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وقنصلية مقيمة في جدة بالمملكة العربية السعودية. كما ويمثل السفير الأوزبكستاني في القاهرة بلاده كسفير غير مقيم في الأردن، والسفير الأوزبكستاني المقيم في الكويت كسفير لبلاده غير مقيم في قطر، والبحرين.
وفي إطار العلاقات الدولية دعمت الدول العربية المبادرة الأوزبكستانية لإعلان آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وقد شاركت بعض الدول العربية في أعمال المؤتمر الدولي الذي عقد في أيلول/سبتمبر 1997 بطشقند لإعلان آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وأعلن فيه الوفد المصري عن أن إنشاء تلك المنطقة يعتبر حافزاً لإنشاء منطقة مماثلة في الشرق الأوسط.
كما وبدأت الدول العربية ببناء علاقات اقتصادية مع أوزبكستان، إلا أنها لم تزل محدودة رغم أهميتها. ولابد أن الأسباب تعود لتراجع الموارد المالية لدول الخليج العربية جراء الحروب التي تعرضت لها المنطقة خلال العقدين الأخيرين، أو لعدم الإلمام بالفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة في أوزبكستان. وهي نفس الأسباب التي نعتقد أنها وراء إحجام الدول العربية الخليجية عن الدخول بقوة في السوق الاستثمارية الأوزبكستانية، مكتفية بالأنشطة قصيرة الأجل في التجارة والمقاولات. أما بالنسبة لباقي الدول العربية فالمعضلة الرئيسية هي في نقص مواردها بالعملات الأجنبية، ولو أننا لا نعتبرها سبباً لأن المشكلة يمكن حلها عن طريق التبادل التجاري بالتقاص، الذي تحميه الدولة من قبل الجانبين ودون الحاجة للقطع الأجنبي. ومن صيغ الصفقات المتكافئة بين الدول العربية وأوزبكستان نورد ذكر الاتفاقية الموقعة عام 1992 بين مصر وأوزبكستان بقيمة 30 مليون دولار أمريكي.
وفي المجال الثقافي والديني نشطت الكويت، والسعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة من خلال الدور الذي يؤديه كلاً من المركز الثقافي المصري في طشقند، جامعة الأزهر الشريف في مصر، ورابطة العالم الإسلامي في السعودية، وهيئة الإغاثة الكويتية الإسلامية التي افتتحت فرعاً لها في طشقند، والهيئات الخيرية الإماراتية التي تقدم الدعم الدائم لجامعة طشقند الإسلامية، وجمعية جمعة الماجد التي تقيم علاقات وطيدة مع معهد أبو ريحان البيروني للاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية. إضافة لقيام أوزبكستان بإنشاء صندوق الإمام البخاري الدولي، الذي خطط لإنشاء فروع له في مختلف الدول العربية والإسلامية.
وجاء إعلان منظمة الثقافة والتربية والعلوم الإسلامية (ISESCO) التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007 فرصة جيدة لتمتين عرى الأخوة والصداقة القائمة بين الدول العربية وأوزبكستان وهو ما ظهر من خلال مشاركة وفود عربية ومشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية في الاحتفالات التي أقامتها أوزبكستان بهذه المناسبة.
الجذور التاريخية المشتركة للعرب والأوزبك: معروف أن التاريخ العربي الأوزبكي المشترك بدأ مع بدايات الفتح الإسلامي في منتصف القرن السابع الميلادي، حيث جرى وقتها ضم منطقة ما وراء النهر إلى الخلافة العربية الإسلامية في العهد الأموي. وهذا لا ينفي أبداً أن العلاقات التجارية والسياسية والثقافية بين العرب وشعوب ما وراء النهر آنذاك كانت قائمة قبل الإسلام بوقت طويل، وخاصة مع بلاد الشام والرافدين. ولكن الذي حدث مع مطلع القرن الثامن الميلادي أنهم أصبحوا معاً داخل دولة واحدة امتدت في وقت ما من أسوار الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.
ويقدم التاريخ حقائق كثيرة عن توجه جيوش الفتح الإسلامي العربية شرقاً عام 633م، حيث سيطرت على الدولة الساسانية في فارس، وبعدها انطلقت لنشر الدعوة الإسلامية فيما وراء النهر. ومن عام 674م انتشرت جيوش الفتح الإسلامي بقيادة عبيد الله بن زياد داخل المنطقة. وبعد تعيين قتيبة بن مسلم الباهلي والياً على خراسان عام 705م دخل بخارى فاتحاً عام 709م، وخوارزم وسمرقند عام 712م، وما أن حل عام 715م حتى خضعت المنطقة الممتدة حتى وادي فرغانة (شرق أوزبكستان اليوم) للخلافة العربية الإسلامية.
ويفسر الباحثان الأوزبكيان المعاصران بوري باي أحميدوف، وزاهد الله منواروف، أسباب سرعة انتشار الفتح الإسلامي في المنطقة، بالخلافات التي كانت قائمة آنذاك بين الحكام المحليين، والاهتمام الكبير الذي أبداه القادة العرب المسلمون بالمنطقة بعد أن استقرت الأمور لصالحهم في خراسان. ويشيران إلى أن العرب "لعبوا دوراً تقدمياً في المنطقة، وغالباً ما كانوا يلجأون إلى السبل السلمية، ويعفون معتنقي الدين الإسلامي من الخراج والجزية". ويضيفان حقيقة هامة، وهي أنه لا مجال لمقارنة الفتح العربي الإسلامي، بالغزو المغولي أو الروسي أو البلشفي. لأن الإسلام لعب دوراً إيجابياً أدى إلى توحيد المدن والدول والقبائل والشعوب المختلفة، وإلى تطوير العلاقات بين تلك الشعوب، إضافة للأثر الإيجابي الكبير في عادات وأخلاق وتقاليد الناس، والذي بفضله تم القضاء على العيوب الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك. وأشارا إلى الدور الهام الذي لعبته اللغة العربية قي تعريف شعوب آسيا المركزية وإطلاعهم على مؤلفات علماء اليونان القدامى، والمخترعات الصينية.
ولا أحد ينكر الدور الكبير الذي لعبته شعوب آسيا المركزية، وخاصة الشعب الأوزبكي في الثقافة العربية الإسلامية وتطوير الحضارة الإنسانية وظهرت جلية مرة أخرى أثناء الاحتفالات التي جرت في أوزبكستان بمناسبة إعلان المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ISESCO) طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007، وأعادت للأذهان أسماء أعلام إسلامية معروفة من أبناء شعوب وسط آسيا أمثال: عالم الفلك أحمد الفرغاني (توفي عام 850م)، وعالم الرياضيات محمد بن موسى الفرغاني (783م-850م)، والفيلسوف الكبير أبو نصر الفارابي (873م-950م)، والطبيب الموسوعي أبو علي حسين بن سينا (980م-1037م)، والعالم الموسوعي أبو ريحان البيروني (973م-1048م)، والموسوعي فخر الدين الرازي، والنحوي والمحدث الكبير الزمخشري (1075م-1144م)، وشيخ المحدثين الإمام البخاري، والكثيرين غيرهم.
وأشارت الاحتفالات إلى استمرار إسهام العلماء الأوزبك في الحضارة العربية الإسلامية والعالمية لقرون عدة، والذي لم تزل أثاره ماثلة للعيون حتى اليوم. وهم الذين ارتحلوا من أجل طلب العلم إلى دمشق، وبغداد، والبصرة، والقاهرة. وخير مثال على ذلك التراث الذي خلفه إمام المحدثين أبو عبد الله إسماعيل البخاري (809م-869م)، الذي يضم أكثر من عشرين مؤلفاً في علوم الحديث أشهرها الجامع الصحيح الذي يضم 7250 حديثاً نبوياً شريفاً. وغيره من علماء الحديث الشريف أمثال: السمرقندي (785م-868م)، والهمذاني 1048م-1140م).
وعبر مئات السنين استقرت بعض الهجرات العربية في ما وراء النهر وأدى التفاعل والاندماج الكامل بينهم وبين شعوب ما وراء النهر، إلى قيام تجمعات سكانية محلية من أصول عربية وخاصة في ولايات بخارى، وسمرقند، وقشقاداريا، وسورخان داريا، وغيرها لم تزل تحتفظ بطابع حياتها المتميزة حتى اليوم.
وقد أخذت العلاقات العربية بشعوب المنطقة تضعف بالتدريج منذ الاجتياح المغولي خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وما نتج عن قيام الدولة المغولية من تأثير على اللغة والثقافة العربية فيما وراء النهر. دون أن يتمكنوا من المساس بالثقافة الإسلامية بسبب اعتناق المغول أنفسهم للدين الإسلامي الحنيف. وقيام الدولة التيمورية التي أسسها الأمير تيمور "تيمور لانك" (1336م-1405م) والتي امتدت من ما وراء النهر إلى إيران وأفغانستان والقوقاز وبلاد الرافدين وأجزاء من بلاد الشام وشمال الهند، تلك الدولة التي اتخذت أيام ازدهارها من سمرقند عاصمة لها. وقامت جمهورية أوزبكستان على القسم المركزي منها في تركستان.
وأدى تفكك الدولة التيمورية في تركستان إلى قيام دويلات مستقلة في المنطقة منها: بخارى، وخيوة، وقوقند، وهو ما سهل الطريق أمام الأطماع الروسية للتوسع في المنطقة منذ بدايات القرن السابع عشر. وقام الاحتلال الروسي بعد احتلاله للمنطقة بقطع كل الصلات التي كانت قائمة بين تركستان الروسية كما كانت تعرف في ذلك الوقت والعالمين العربي والإسلامي، سواء أثناء الحكم القيصري الروسي، أو خلال الحكم الشيوعي الروسي. واقتصرت العلاقات العربية مع دول المنطقة على العلاقات الرسمية التي كانت تمر عبر موسكو فقط. وكان من النادر جداً كما أشار الباحث الأوزبكي زاهد الله منواروف أن تتصل طشقند مباشرة بالعواصم العربية، وأن الاحتلال الروسي والبلشفي قضى على أية إمكانية تسمح بإقامة علاقات مباشرة بين أوزبكستان والدول العربية. وتابع أنه رغم ذلك فإن الروابط الثقافية والحضارية التي جمعت العرب والأوزبك استمرت، وعلى أساسها قامت العلاقات العربية الأوزبكستانية بعد الاستقلال.
ولذلك لم يكن غريباً أن قيل بأن العرب قد فوجئوا باستقلال جمهورية أوزبكستان وغيرها من جمهوريات آسيا المركزية عام 1991. لأنهم أمام الهيمنة السوفييتية على جمهورية أوزبكستان، وضعف علاقاتهم معها، لم يكونوا ليتوقعوا أبداً استقلالها، ولهذا كان تقارب الدول العربية معها بطيئاً جداً في البداية. لأن الدول العربية كانت حريصة على استكشاف الطريق إلى أوزبكستان دون أن تؤثر علاقاتها المحتملة معها على العلاقات مع الاتحاد السوفييتي قبل الاستقلال، ومن ثم العلاقات مع الفيدرالية الروسية بعد الاستقلال. خاصة وأنها رافقت فترة صعبة من التاريخ كان العرب فيها منشغلين بتداعيات حرب الخليج الثانية، والحلول الدولية المنتظرة لقضية الشرق الأوسط والتمهيد لانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط. ومع ذلك شهدت كماً هائلاً من المؤتمرات والندوات قد انعقدت في العديد من الدول العربية لبحث أفضل السبل لإقامة علاقات مع جمهوريات وسط آسيا ومن بينها أوزبكستان.
ورغم سرعة الدول العربية بالاعتراف الدبلوماسي باستقلال جمهورية أوزبكستان، تلبية لقرار مجلس جامعة الدول العربية الصادر في آذار/مارس 1992، والذي حث الدول العربية على تنشيط الاتصالات بدول آسيا المركزية وفتح سفارات فيها، وإقامة تعاون في كل الميادين، وإقامة مراكز ثقافية عربية فيها، فإننا نرى أن مصر، والأردن، وفلسطين، والجزائر، والسعودية، والكويت، فقط افتتحت سفارات لها، وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً بفتح قنصلية لها في العاصمة طشقند، وكانت مصر الدولة العربية الوحيدة التي أقامت مركزاً ثقافياً عربياً في أوزبكستان. ورغم التقدم الملحوظ في العلاقات الثنائية إلا أن العلاقات الاقتصادية والسياسية لم تزل بطيئة ولا تتجاوب مع المقدرات التي يملكها الجانبين، ولا تلبي مصالح العلاقات التاريخية بين الجانبين حتى الآن.
المصالح الأوزبكستانية العربية المشتركة
ونتيجة لعمليات البحث والمراجعة التي أجرتها مؤسسات البحث العلمي، ومراكز صنع القرار العربية والأوزبكستانية للموقف الجديد الذي تكون في آسيا المركزية بعد استقلال جمهوريات: أوزبكستان، وقازاقستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجكستان، ظهر جلياً أنه هناك شبكة من المصالح المشتركة تجمع بين أوزبكستان والدول العربية. وأن هذه الشبكة تحتم بناء مجموعة من السياسات التي تضمن حماية تلك المصالح. تعتمد على:
التطور الاقتصادي والسياسي المستقل لجمهورية أوزبكستان: لأنه بدا واضحاً بعد استقلال جمهوريات آسيا المركزية، أنه هناك تنافس شديد بين القوى الإقليمية والعالمية المختلفة، للتأثير على نمط التطور الاقتصادي والسياسي المستقل لجمهوريات آسيا المركزية. وهو ما أطلق عليه بعض المراقبين "بالمباراة الكبرى الجديدة"، تمييزاً لها عن المباراة الكبرى التي كانت قائمة في تركستان بين قوتي الاحتلال الرئيسية في المنطقة بريطانيا العظمى والإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وما سيترتب عن النتيجة النهائية لتلك المباراة الكبرى الجديدة من تأثير مباشر على دول آسيا المركزية والدول العربية. سيما وأن أوزبكستان تقع في قلب المنطقة التي تربط آسيا بأوروبا، وأن ما يحدث فيها لابد وأن يؤثر بشكل ما على الأحداث الجارية في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بشكل كامل.
وتنبأ الباحث المصري إبراهيم عرفات بأن نشوء نزاعات إقليمية في آسيا المركزية، أو نشوء سباق للتسلح فيها، أو إنشاء منطقة منزوعة السلاح النووي فيها لابد وأن يكون له انعكاسات مباشرة على الدول العربية، ومن ثم توقع أن يكون من مصلحة العرب أن تتبع دول وسط آسيا وفي مقدمتها أوزبكستان منهجاً مستقلاً للتطور يعتمد على رؤية الشعب والنخبة الحاكمة للمصالح الوطنية، وألا تهيمن قوة إقليمية أو عالمية معينة على دول وسط آسيا.
المصالح الاقتصادية: وهنا لابد من التنويه إلى أهمية الموقع الإستراتيجي المتميز لأوزبكستان وامتلاكها لكميات مهمة من الموارد الطبيعية والخبرات البشرية والتكنولوجية المتطورة يمكنها على ضوئها أن تكون الشريك المحتمل والمهم للاستثمارات المالية العربية وتنويع البدائل الاقتصادية التقليدية، من خلال الاستفادة من الخبرات والمقدرات العربية والأوزبكستانية.
وأشار الباحث العربي ناصيف حتى في هذا المجال، إلى أن الكتلة الجديدة تمثل عمقاً حضارياً واستراتيجياً، وهي ذات قدرات علمية وإستراتيجية أيضاً، وعند بعضها قدرات تسليحية كبيرة. والمنحى الذي سيتخذه التنافس بين قوى الجوار الإقليمي حولها، لابد وأن ينعكس على موازين القوى في آسيا المركزية وفي الشرق الأوسط.
المصالح الإستراتيجية: وأوزبكستان تكاملت مع المجتمع الدولي منذ استقلالها، وبدأت تلعب دوراً بارزاً في منطقة آسيا المركزية، وأخذت تسهم بقسطها في تسوية النزاعات الإقليمية، وخاصة الصراع على الأرض الأفغانية. حيث بادر رئيسها إسلام كريموف للسعي لإعلان آسيا المركزية منطقة منزوعة السلاح النووي الأمر الذي تم في عام 2009. ليصبح من الواضح أن أوزبكستان هي قوة أساسية في وسط آسيا. وأن أية علاقات مع دول المنطقة لابد وأن تمر عبر أوزبكستان بحكم دورها التاريخي والحضاري في العلاقات العربية مع دول المنطقة.
دور أوزبكستان في إبراز الوجه المعتدل للإسلام في مواجهة حركات التطرف الديني: وبعد استقلال جمهوريات آسيا المركزية ظهرت حركات دينية متطرفة، تهدف الصدام مع النظم السياسية الدستورية، ومحاولة تغييرها بغير الطرق الديمقراطية السلمية مستخدمة القوة والعنف المسلح لبلوغ الهدف. وقد أشار إليها الرئيس إسلام كريموف عندما حدد مصادر تهديد الأمن والاستقرار في أوزبكستان. وكانت بعض تلك التيارات مدعومة من قبل بعض القوى على الساحة الأفغانية، ومن بينهم عناصر عربية عرفت باسم "الأفغان العرب"، وانتشر تلك التيارات إلى دول الجوار بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، واستقلال جمهوريات آسيا المركزية، لتهدد السلام في آسيا المركزية وأمن وسلامة الدول العربية. ومن هذا المنطلق كان من مصلحة العرب الحقيقية توضيح الوجه الحقيقي للإسلام أمام شعوب وسط آسيا، عن طريق نشر الثقافة الإسلامية بوجهها المتسامح والمعتدل من خلال العلاقات والروابط الثقافية العربية الأوزبكستانية. وهو ما سعت إليه أوزبكستان نفسها.
ويرى المحللون أن لأوزبكستان مصالح مع الدول العربية لا تقل عن مصالح الدول العربية مع أوزبكستان. ومن نظرة متعمقة في السياسية الخارجية الأوزبكستانية فإننا نرى أن القيادة الأوزبكستانية قد توصلت لجملة من المصالح المهمة التي تجعلها تلتقي مع الدول العربية منها أن:
الدول العربية تعتبر ميدان لتنويع بدائل السياسة الخارجية الأوزبكستانية: فعلى ضوء التنافس الدولي حول آسيا المركزية، ظهر ما للدول العربية من أهمية كامتداد جغرافي قريب ووثيق الصلة بأوزبكستان حضارياً وثقافياً، وهي التي تتمتع بإمكانيات اقتصادية هائلة وتعتبر مصدراً للاستثمارات وللبضائع الاستهلاكية، وسوقاً لليد العاملة والتكنولوجيا والمنتجات الأوزبكستانية. فضلاً عن أنه لا توجد للعرب أية تطلعات إقليمية أو سياسية في أوزبكستان. ومن هذا المنطلق فإن التعامل المكثف مع الدول العربية يحقق لأوزبكستان مصلحة جوهرية في توسيع البدائل المتاحة أمام السياسة الخارجية الأوزبكستانية، وتخلق مجالاً استراتيجيا جديداً يمكنها من خلال دعم المجموعة العربية من التعامل على قدم المساواة مع القوى الأخرى في العالم. ومن المؤكد أنه كلما زادت البدائل المتاحة أمام أوزبكستان في العلاقات الدولية، كلما زادت قدرتها على الحركة في مجال العلاقات الدولية، بشكل يؤمن لها أفضل الشروط في التعامل مع الشركاء الدوليين.
المصالح الاقتصادية الأوزبكستانية في الدول العربية: والدول العربية كمجموعة تشكل قوة اقتصادية ومالية تستطيع الاستثمار في أوزبكستان، لتمكينها من استغلال مواردها بشكل فعال. إضافة لامتلاك بعض الدول العربية خبرات فنية لازمة لأوزبكستان لإتمام عملية بناء الدولة، والتحول بالكامل إلى اقتصاد السوق، وما يترتب عنها من بناء نظم اقتصادية ومصرفية، إضافة لفرص التدريب التي يمكن أن تتيحها بعض الدول العربية لأوزبكستان في مجال إعداد الكوادر في مختلف المجالات.
الدور الحضاري لأوزبكستان: والدول العربية بالنسبة لجمهورية أوزبكستان هي الساحة والمدخل المهم للاضطلاع بدور ثقافي وحضاري فعال في العالمين العربي والإسلامي. خاصة وأن أوزبكستان تملك تراثاً ثقافياً ودينياً وحضارياً، أشار إليه بوضوح إعلان الـ (ISESCO) طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007، وكان لذلك التراث أثراً بالغاً في تطور الحضارة العربية الإسلامية. وهو ما يؤهلها لتضطلع بدور حضاري متميز في العالمين العربي والإسلامي.
وانطلاقاً من المصالح المشتركة والمتشابكة بدأ العرب والأوزبك بصياغة مجموعة من السياسات التي يمكن أن تكفل تحقيق وحماية مصالحهما المشتركة. ومن المنطقي أن تكون نقطة البداية إنشاء وتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية بين الدول العربية وأوزبكستان. ولهذا الهدف قام الرئيس إسلام كريموف ضمن أولى جولاته بعد الاستقلال بزيارة رسمية شملت كلاً من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية 1992، وأتبعها بزيارة لفلسطين عام 1998، والكويت عام 2004، وجمهورية مصر العربية للمرة الثانية عام 2007، والإمارات العربية المتحدة عام 2008، تم خلالها الاتفاق على توطيد العلاقات القائمة، والتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الثنائية. وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات القائد العربي الوحيد الذي زار أوزبكستان بعد استقلالها، إلى أن قام أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بزيارته التاريخية لأوزبكستان عام 2008. وأتبعها الرئيس إسلام كريموف بزيارة تاريخية لسلطنة عمان في عام 2009 تم خلالها تبادل الآراء حول مسائل مستقبل تطوير العلاقات الثنائية، وتوسيع التعاون التجاري والاقتصادي، والقضايا الإقليمية والدولية التي تهم الجانبين. وعبر إسلام كريموف عن أن أوزبكستان تقيم عالياً التعاون مع سلطنة عمان. وأشار الرئيس إلى أن اللقاء الحالي يوفر إمكانيات جيدة لبحث المسائل التي تهم الجانبين. وأشار قابوس بن سعيد خاصة إلى أن زيارة الدولة للقائد الأوزبكستاني لعمان تعتبر حدثاً تاريخياً في العلاقات الثنائية بين البلدين. وفي ختام الزيارة صدر بيان مشترك. واتفق الجانبان على افتتاح سفارات للبلدين في طشقند ومسقط. ونتيجة للمحادثات جرى التوقيع على اتفاقيات بين الحكومتين لأسس التعاون والعلاقات بين البلدين، والتعاون التجاري والاقتصادي، والنقل الجوي، وأكثر من عشر وثائق تتعلق بالنفط والغاز، والقطاعات الكيماوية والبناء، وفي مجالات التعليم العالي، والسياحة، والاستثمارات. وفي إطار الزيارة جرى لقاء تجاري بين رجال الأعمال من البلدين، بحثت خلاله مسائل تطوير العلاقات الثنائية التجارية والاقتصادية، وتوسيع التعاون الاستثماري، وجرى تقديم المجالات التي تتمتع بالأفضلية في اقتصاد أوزبكستان.
وكما سبق وأشرنا تعمل في أوزبكستان سفارات: لمصر، والأردن، والجزائر، وفلسطين، والسعودية، والكويت. وللإمارات العربية المتحدة قنصلية عامة معتمدة ومقيمة في طشقند، وللمغرب، واليمن، سفير معتمد غير مقيم في طشقند، ولسلطنة عمان سفير مقيم في إسلام آباد. ولأوزبكستان سفارات معتمدة مقيمة في مصر، والسعودية، وفلسطين، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وقنصلية مقيمة في جدة بالمملكة العربية السعودية. كما ويمثل السفير الأوزبكستاني في القاهرة بلاده كسفير غير مقيم في الأردن، والسفير الأوزبكستاني المقيم في الكويت كسفير لبلاده غير مقيم في قطر، والبحرين.
وفي إطار العلاقات الدولية دعمت الدول العربية المبادرة الأوزبكستانية لإعلان آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وقد شاركت بعض الدول العربية في أعمال المؤتمر الدولي الذي عقد في أيلول/سبتمبر 1997 بطشقند لإعلان آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وأعلن فيه الوفد المصري عن أن إنشاء تلك المنطقة يعتبر حافزاً لإنشاء منطقة مماثلة في الشرق الأوسط.
كما وبدأت الدول العربية ببناء علاقات اقتصادية مع أوزبكستان، إلا أنها لم تزل محدودة رغم أهميتها. ولابد أن الأسباب تعود لتراجع الموارد المالية لدول الخليج العربية جراء الحروب التي تعرضت لها المنطقة خلال العقدين الأخيرين، أو لعدم الإلمام بالفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة في أوزبكستان. وهي نفس الأسباب التي نعتقد أنها وراء إحجام الدول العربية الخليجية عن الدخول بقوة في السوق الاستثمارية الأوزبكستانية، مكتفية بالأنشطة قصيرة الأجل في التجارة والمقاولات. أما بالنسبة لباقي الدول العربية فالمعضلة الرئيسية هي في نقص مواردها بالعملات الأجنبية، ولو أننا لا نعتبرها سبباً لأن المشكلة يمكن حلها عن طريق التبادل التجاري بالتقاص، الذي تحميه الدولة من قبل الجانبين ودون الحاجة للقطع الأجنبي. ومن صيغ الصفقات المتكافئة بين الدول العربية وأوزبكستان نورد ذكر الاتفاقية الموقعة عام 1992 بين مصر وأوزبكستان بقيمة 30 مليون دولار أمريكي.
وفي المجال الثقافي والديني نشطت الكويت، والسعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة من خلال الدور الذي يؤديه كلاً من المركز الثقافي المصري في طشقند، جامعة الأزهر الشريف في مصر، ورابطة العالم الإسلامي في السعودية، وهيئة الإغاثة الكويتية الإسلامية التي افتتحت فرعاً لها في طشقند، والهيئات الخيرية الإماراتية التي تقدم الدعم الدائم لجامعة طشقند الإسلامية، وجمعية جمعة الماجد التي تقيم علاقات وطيدة مع معهد أبو ريحان البيروني للاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية. إضافة لقيام أوزبكستان بإنشاء صندوق الإمام البخاري الدولي، الذي خطط لإنشاء فروع له في مختلف الدول العربية والإسلامية.
وجاء إعلان منظمة الثقافة والتربية والعلوم الإسلامية (ISESCO) التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007 فرصة جيدة لتمتين عرى الأخوة والصداقة القائمة بين الدول العربية وأوزبكستان وهو ما ظهر من خلال مشاركة وفود عربية ومشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية في الاحتفالات التي أقامتها أوزبكستان بهذه المناسبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق