السبت، 22 أكتوبر 2016

العلاقة الوثيقة بين سيادة القانون وتقدم الدول


طشقند 22/10/2016 أعدها للنشر أ.د. محمد البخاري. تحت عنوان "العلاقة الوثيقة بين سيادة القانون وتقدم الدول" نشر موقع "أقلام وكتب" الإلكتروني المصري مقالة كتبها: د. أحمد عبده طرابيك، وجاء فيها:


تقوم العدالة علي مبدأ المساواة بين جميع أفراد المجتمع علي اختلاف مناصبهم وانتماءاتهم الدينية والقومية، حيث يشعر كل فرد بالإطمئنان إلي حقوقه مصونة ومحفوظة وفق القانون الذي لا يستثني أحد، ومن ثم تكون سيادة القانون ضمان للشفافية التي توفر البيئة الملائمة للعمل بدأب حتي يتحقق التقدم والازدهار الذي تسعي إليهما الدول والشعوب.
وضعت أوزبكستان في أولوية أهدافها، بناء دولة القانون القوية، والمجتمع المدنى العادل، الذى يكون المواطن عنصره الهام، مع حقوقه ومصالحه، وعند النظر إلى طريق الإستقلال الذي يبلغ عمره خمس وعشرون عاماً من التنمية والاستقرار، يمكن القول بكل ثقة، أن العمل الهائل الذى تم إنجازه فى تحقيق الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، قد مهد السبيل نحو تحقيق الانجازات الطموحة الواسعة فى كافة مجالات الحياة، للدولة والمجتمع.
تسير عملية تحرير النظام القانونى وبناء المجتمع الاقتصادي، وترسيخ الديمقراطية وتحديث مؤسسات الدولة، ويتواصل تنفيذ هذه العمليات مرحليا وبصورة مترابطة، أخذاً فى الاعتبار الخصائص القومية والتجارب الدولية الرائدة، وقد نجحت أوزبكستان عبر سنوات التنمية المتواصلة، فى تحقيق عدد من الإصلاحات، التى تصب نحو تحسين النظام القضائى، وتحويله إلى الضمانة الرئيسة للحماية الفعالة للمواطن، وتحقيق الاستقلال الحقيقى للسلطة القضائية.
ففى القانون الأول "حول القضاء" الصادر فى الثانى من سبتمبر 1993، تم النص على تلك المبادئ العامة المعترف بها عالميا، مثل قرينة البراءة، والحق فى الدفاع، والمنافسة والشفافية فى المحاكمة، وغيرها من المبادئ الأخرى، التى جرى تطويرها لاحقا، والمتمثلة فى الاجراءات الجنائية الجديدة، وقانون الاجراءات المدنية، وغيرها من المواثيق التشريعية للجمهورية. وفى تلك المرحلة من الاصلاحات، تم وضع الأسس التشريعية لاجراءات المحاكمة، والاستقلال الفعلى للنظام القضائى الحر.
وفى الثلاثين من أغسطس 1995، مع الأخذ فى الاعتبار بالتجارب العالمية، تم تأسيس المحكمة الدستورية فى البلاد، تلك المحكمة التى تضمن توافق تشريعات السلطتين التشريعية والتنفيذية مع القانون الرئيسى للبلاد. وفى سياق التطوير المستمر لذلك المجال، جرى إقامة منظومة المحاكم الاقتصادية، والتى فى ظل ظروف الانتقال إلى اقتصاد السوق، صارت تمثل عاملا هاما لضمان سيادة القانون فى العلاقات الاقتصادية، وكذلك المحاكم ذات الاختصاصات العامة، كما جرى التوسع فى القاعدة التشريعية للنظام القضائى.
تمثلت الخطوة الهامة فى تحرير النظام القضائى، فى إقرار الصياغة الجديدة لقانون "المحاكم"، الصادر فى 14 ديسمبر 2000، والذى طُبقت فيه التجربة المتراكمة عبر سنوات الاستقلال حول إصلاح النظام القضائى، وطبقا لتلك التشريعات، تم توفير الآليات اللازمة لتحقيق المبدأ الدستورى فى الفصل بين السلطات واستقلال القضاء باعتباره فرعا مستقلا كاملا من فروع السلطة، وإخراج النظام القضائى تماما من الرقابة والتأثير للأجهزة التنفيذية، إلي جانب ترسيخ وضع المحاكم المتخصصة فى القضايا الجنائية والمدنية والاقتصادية، وتطبيق اجراءات الاستئناف فى القضايا المنظورة، واجراء الإصلاحات فى محاكم النقض، كما تضمن القانون المذكور أيضا مسألة اختيار الكوادر القضائية وأوضاعهم، وقد أظهر التطبيق الفعلى صحة ذلك القرار، حيث أن المحاكم المتخصصة قد ضمنت النهوض بكفاءة النظر فى القضايا وتعزيز ضمانات حقوق وحريات المواطنين.
وبهدف تعزيز استقلال السلطة القضائية ، والأسس الديمقراطية لتشكيل الكوادر، وشفافية الاختيار وتوصيات الترشح لمناصب القضاة، وضمان الاستقرار والفاعلية لعمل الهيكل القضائى، تم تشكيل اللجنة العليا المؤهلة للاختيار والترشيح لمناصب القضاة ، ووضع الآلية البديلة لحل النزاعات باعتبارها "الدائرة القضائية للتحكيم".
إلي جانب كل تلك الإصلاحات علي قوانين القضاة، فقد تم تحديد الحد الأدنى لعمر المُشرع، وذلك للأفراد المُعينين لأول مرة فى منصب القضاة فى محاكم المناطق الواقعة بين الأقاليم، والأقاليم "المدن"، وتعزيز المتطلبات المؤهلة للإعداد الوظيفى الخاص بهم، والضمانات الحقوقية والاجتماعية الضرورية لاستقلال القضاء، وضمان الوضع الاجتماعى للعاملين فى الأجهزة القضائية.
وطبقا للمواد 43، 44، 116، يضمن دستور جمهورية أوزبكستان، لكل مواطن توفير الحماية القضائية للحقوق والحريات، وحق التظلم فى المحاكم من الأعمال غير المشروعة للأجهزة الحكومية، والمسئولين، والاتحادات العامة، والحق فى الحصول على العون القانونى المهنى فى كل مراحل التحريات والتقاضى، فقد صار تعزيز مؤسسة الدفاع، يمثل أحد أولويات التنفيذ المستمر للإصلاحات القضائية، التى تهدف إلي الضمان الشامل للحماية الفعالة لحقوق وحريات الانسان، كما تم إنشاء المؤسسات المدنية والاجتماعية مثل "مفوضية حقوق الانسان، المركز القومى لحقوق الانسان"، وغيرها من المؤسسات، كما أن توافر الكوادر المؤهلة القادرة على تقديم العون القانونى بكفاءة فى الدولة، يمثل الضمانة للتعايش المتناغم للمجتمع ككل ، وتنويره القانونى والديمقراطى.
خلال سنوات الاستقلال، أصبح الاتجاه الأهم فى تطوير الاجراءات الجنائية للتقاضى، يتمثل فى تحرير التشريعات الجنائية وتشريعات الاجراءات الجنائية، الأمر الذي أدي إلي تقليص عدد الجرائم الخطيرة، حيث أسفر هذا عن تحول نحو 75 % من فئة الجرائم الخطيرة إلى فئة الجرائم التى لا تشكل خطرا كبيرا على المجتمع، وإلى فئة الجرائم الأقل خطورة.
واستمرارا للتطوير منظومة القضاء، فقد تم فى 27 أغسطس 2004، التطبيق العملى فى مجال الممارسة القضائية لمبدأ التصالح بصورة فعالة، والذى بمقتضاه لا تقام الدعوى الجنائية على الأشخاص مرتكبى الفعل الجنائى الذى لا يمثل خطورة اجتماعية كبرى، مع دفع التعويض الكامل للأضرار المادية والمعنوية التى لحقت بالضحايا، وقد تجسدت فاعلية هذا المبدأ وتطابقه مع تقاليد الشعب الأوزبكى التى تعود لقرون عديدة، فى القدرة على التسامح والمغفرة، وصارت تمثل القاعدة للتوسع المستمر فى تطبيقه.
كما تجسدت الخطوة الأهم فى تحرير التشريعات الجنائية عبر إلغاء عقوبة الإعدام، وذلك منذ الأول من يناير 2008، ومن ثم أصبحت أعلى عقوبة يمكن تطبيقها هى السجن مدى الحياة، والتى لا تستخدم سوى فى حالتين فقط من أنواع الجرائم، وهما الإرهاب والقتل العمد مع الترصد، وصار من الممكن استبدالها بالعقوبات البديلة الأقل حدة، وهذا النوع من العقوبات لا يجوز تطبيقه فى البلاد على النساء، وعلى مرتكبى الجرائم دون الثامنة عشرة من العمر، والرجال الذين تجاوزا الستين من العمر.
تميزت المرحلة الجديدة فى ضمان الحماية الكاملة لحقوق وحريات الانسان فى أوزبكستان، بالمبدأ الذى وضعه الرئيس إسلام كريموف، والخاص بالتعميق المستمر للإصلاحات الديمقراطية وتشكيل المجتمع المدنى فى البلاد. وتتضمن وثيقة ذلك البرنامج تحديد حزمة من الاجراءات الخاصة بالتوسع فى مجال استخدام مبدأ "هابياس كوربوس"Habeas Corpus ، والتطوير المتواصل لآليات ضمان الاستقلالية، والموضوعية والنزاهة للمحاكم، وتعزيز التنافسية فى العملية القضائية، وتحرير التشريع الجنائى، والنهوض بمستوى الثقافة الحقوقية للمواطنين.
فى سياق تنفيذ المهام التى قررها رئيس أوزبكستان، يجرى تطوير المعايير الحقوقية الدولية فى التشريعات القومية وتحسين تطبيقها على أرض الواقع. كما ساهم فى ذلك الأمر التعاون الدولى مع برنامج التنمية التابع لمنظمة الأمم المتحدة، ومع منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، وغيرهما من المنظمات الدولية الأخرى. كما يتطور بصورة حيوية الحوار القائم مع الاتحاد الأوروبى، وتم تنفيذ عدد من المشروعات المشتركة فى دعم التحولات فى المجال القضائى.
ارتبط تحقيق الاصلاحات فى المجال القضائي، بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية في أوزبكستان، وبالخطوات الملموسة فى سبيل عملية التحول الاقتصادي والملكية الخاصة والاستثمار فى البلاد، حيث كان المرسوم الرئاسي الصادر فى 15 مايو 2015، حول "الإجراءات الخاصة بتوفير الحماية للملكية الخاصة والأعمال الصغيرة والاستثمارات الخاصة، وإزالة الحواجز المعوقة لتطورها السريع"، يهدف إلي تطوير أداء الأجهزة القانونية والرقابية، من أجل حماية الأنشطة الاستثمارية وحقوق الملكية الخاصة.
ويمثل القانون إصلاحاً شاملاً للتشريع الجنائى فى البلاد، وذلك من خلال تطبيقه لعدد من المعايير الحقوقية الدولية، حيث تم الأخذ في الاعتبار معايير اتفاقية الأمم المتحدة ضد الفساد. فتم ترسيم قانون المسؤولية عن جرائم الفساد فى القطاعين الخاص والحكومى.
كما يمثل تطبيق القانون انجازا هاما ضمن التحولات الديمقراطية، حيث تم إصدار قانون "الرقابة البرلمانية"، الصادر فى 11 أبريل 2016. والذي يتضمن دور الرقابة البرلمانية ومجال عمل الأجهزة النيابية، الأمر الذي يسهم بفاعلية فى ضمان سيادة القانون وتطبيقه فى البلاد، وفى حماية حقوق وحريات المواطنين، ومصالح المجتمع والدولة.
لقد عززت الاصلاحات القضائية والحقوقية فى أوزبكستان، القاعدة الخاصة بالدولة المستقلة الفتية، التى تمضى فى طريق التطور نحو الديمقراطية، باعتبارها عضوا كامل الحقوق فى المجتمع الدولى، حيث أصبحت نتائج تلك الاصلاحات تمثل الضمانة الأساسية لتحقيق السلم الأهلي والاجتماعي، والداعم الرئيسي للاستقرار والتقدم والازدهار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق