الأحد، 28 أغسطس 2016

كريموف جراح ماهر ومهندس عملية خروج أوزبكستان من القمقم السوفيتي


تحت عنوان "كريموف .. جراح ماهر ومهندس عملية خروج أوزبكستان من “القمقم” السوفيتي" نشرت جريدة "شباب النيل" الإلكترونية المصرية يوم 27/8/2016 مقالة كتبها:  محمود سعد دياب، وجاء فيها:

قبل 25 عامًا؛ نجحت جمهورية أوزبكستان إحدى دول وسط أسيا المسلمة في الخروج من “القمقم” السوفيتي المكبل للحريات والمقيد لانطلاق العلاقات الاقتصادية الخارجية، فما لبثت أن انفصلت الجمهورية المسلمة عن السوفيت مطلع التسعينات بالقرن الماضي، وتخلصت من الوضع شبه الاستعماري، حتى انطلقت بعلاقاتها الاقتصادية إلى أفاق رحبة وأجرت تحول شديد الحرفية والخطورة من الاقتصاد الشمولي إلى اقتصاد السوق الحر، فقد كان إسلام كريموف قائد تلك النهضة ورئيس الدولة الحالي، كمن يمسك بجمرة من النار في يده، وكان مثل الجراح الماهر الذي أدار العملية بمهارة فائقة وشجاعة يحسد عليها، فهو لا يريد أن يستفز الروس ويدفعهم إلى الهجوم على بلاده، وذلك بأن يتخلص من رموز وعلامات الحقبة السوفيتية والارتماء في أحضان الغرب ولا يريد في الوقت نفسه الجنوح إلى الغرب بشكل كامل فأقام علاقات متوازنة بين الشرق والغرب ورفض استخدام أراضي بلاده لكي تكون قواعد عسكرية أمريكية مثل معظم دول المنطقة، حيث استضافت بلاده قاعدة عسكرية واحدة وقت الحرب الغربية على تنظيم القاعدة في جارته أفغانستان مطلع الألفية الحالية سرعان ما أخرجها من البلاد بعد انتهاء الحرب.

ولقد عاني الأوزبك عقود طويلة تحت نير الاستعمار السوفيتي من الاستيلاء على مجهودات الفلاحين حيث كانت قيادة الحزب الشيوعي في موسكو تحتكر زراعة القطن ويتم توريد المحصول بشكل سنوي إلى العاصمة في شكله الخام ولا يملك أية معلومات حول قيمته الفعلية، لأنه كان مبتورا عن المجتمع الدولي فى تلك الحقبة، في حين كانت تحصل موسكو على خيرات البلاد مع باقي الجمهوريات بالاتحاد السوفيتي وتعيد توزيعها بشكل رأي الكثيرون انه تم بشكل غير عادل.
ولقد كانت هناك عدة حقائق مفزعة وتحديات خطيرة أمام الشعب الأوزبكي عشية نيل الاستقلال، حيث كان مخزون الدقيق والحبوب لأكثر من عشرين مليونا من السكان فى الجمهورية، يكفى لأسبوع واحد – أو أسبوعين فقط، وفى مثل هذه الظروف الصعبة، تم إعداد ووضع “النموذج الأوزبكي” للتنمية، القائم على أساس المبادئ الخمسة الشهيرة واستنادا إلى تجسيد تنفيذ استراتيجية الإصلاحات الرامية نحو تحديث البلاد.
وقد اختبر الزمن بنجاح وثيقة هذا البرنامج، وأثبتت سياستها أن أي “علاج بالصدمات” يمثل فكرة لا جدوى منها، وأن الحدود اللازمة يمكن أن تتحقق فقط بصورة تدريجية وبشكل مرحلي، وقد تم وضع الأسس القانونية اللازمة من أجل تحسين مستوى معيشة الشعب، وبناء الدولة الحقوقية الديمقراطية ذات التوجه الاجتماعى نحو اقتصاد السوق.
وتعيش شعوب أوزبكستان من قوميات مختلفة فى رخاء ورفاهية، متحدين معا فى حميمية مثل أعضاء الأسرة الواحدة، فالنجاحات التي حققتها الجمهورية جديرة عن حق بالحصول على الاعتراف بها فى أرجاء العالم.
ومنذ حصولها على الاستقلال، بدأت أوزبكستان فى إقامة روابط التعاون الاقتصادي المستقل مع الدول الأجنبية، وقد تم تحديد تلك الشراكة باعتبار الأولوية فيها المضى فى اتجاه التنمية، والذي يمثل الجانب الهام فى سياسة الدولة، ونتيجة لذلك، فقد ارتفعت إلى مستوى جديد، سمعة دولتنا المستقلة التى تتمتع بالإمكانات الطبيعية والعلمية الكبيرة، والقدرات القوية لتصدير منتجاتها.
واليوم، فقد صارت أوزبكستان عضوا فى تلك الهيئات المرموقة مثل منظمة الأمم المتحدة، والبنك الدولى، وصندوق النقد الدولى، ومؤسسة التمويل الدولية، والوكالة الدولية متعددة الجوانب لضمانات الاستثمار، ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، ومنظمة التعليم والعلوم والثقافة، ومنظمة العمل الدولية، والمنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية، ورابطة الدول المستقلة، ومنظمة شنغهاى للتعاون، ومنظمة التعاون الإسلامى، وبنك التنمية الآسيوى، والبنك الإسلامى للتنمية، وغيرها من الهيئات والمنظمات الدولية الأخرى.
وفى الثانى من مارس لعام 1992، أصبحت جمهورية أوزبكستان عضوا كامل العضوية في منظمة الأمم المتحدة، ومنذ ذلك اليوم، يرفرف علم البلاد بكل الفخر أمام مقر المنظمة في نيويورك، وعاما بعد الآخر، يمضى تعزيز علاقات المنفعة المتبادلة مع منظمة الأمم المتحدة، والمنظمات المدرجة فى هيكلها، المتخصصة فى مختلف المجالات، بما فى ذلك الاقتصادية.
وخلال هذه الفترة المنصرمة، وبالشراكة مع الأمم المتحدة تم تنفيذ عدد من المشاريع لدعم الإصلاحات الجارية فى الاقتصاد، وفى الإدارة الحكومية، والصحة، والتعليم، وحماية البيئة، وفى سبيل تحقيق هذا الغرض، تم تقديم المساعدات التقنية التى تجاوزت قيمتها 430 مليون دولار.
وتجدر الإشارة إلى تفعيل عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، في أوزبكستان منذ عام 1993، ويعمل بالتزامن في إطار الشراكة على مواصلة الدعم القائم منذ عام 1999 للمؤسسات الوطنية فى تنفيذ المشاريع بتلك المجالات الاستراتيجية، مثل مواصلة تطوير المشروعات الصغيرة والمشروعات الخاصة، وإدخال التقنيات الحديثة في مجال الإدارة والتسويق والتنمية الزراعية، والقطاع الخاص، وحماية البيئة، والاستخدام الرشيد للطاقة. ويتمثل التأكيد على هذه الحقيقة فى تنفيذ أكثر من 250 مشروعا بقيمة إجمالية تبلغ أكثر من 200 مليون دولار منذ إقامة تلك الروابط
وقد جرى الاعتراف في عام 1992 بالقدرات المالية العالية لأوزبكستان، وذلك عندما انضمت إلى أعضاء البنك الدولي، وفى طشقند، تم افتتاح مكتبها، وفى الوقت الراهن أقيم مع هذه المؤسسة التى تقوم بالعمل على المستوى العالمى، التعاون الوثيق في مجالات مثل الصحة والتعليم وتحديث وإعادة تأهيل منظومة الطاقة، وترميم وإصلاح شبكات الرى والصرف، وتحسين البنية التحتية للمرافق العامة. ويمنح هذا الأمر بدوره، الفرصة للاندماج السريع لبلادنا في السوق الاقتصادى- المالي، وتعريف المجتمع العالمى بفاعالية “النموذج الأوزبكي” للتنمية.
ويمكن ملاحظة هذه النتائج الإيجابية نفسها، عبر الروابط القائمة مع الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، فقد أصبح التعاون مع هذا الهيكل التنظيمى، يمثل أولوية من أولويات السياسة الخارجية منذ السنوات الأولى للاستقلال، كما تتطور العلاقات الاقتصادية مع دول القارة في إطار اتفاق الشراكة والتعاون بين أوزبكستان والمجتمعات الأوروبية، وعلى وجه الخصوص، فخلال أعوام 1992-2015 ، تم تنفيذ مشاريع بقيمة 721.4 مليون يورو… وحتى عام 2020، وفى إطار المساعدة المالية والتقنية لتحقيق التنمية الزراعية يخطط الاتحاد الأوروبى لتنفيذ عدد من المبادرات في تصنيع المنتجات الغذائية ومشروعات إمدادات المياه والرى والمزارع، والطاقة. وللقيام بذلك الأمر، فسوف يتم في البداية تخصيص 168 مليون يورو
في إطار بلدان رابطة الدول المستقلة، فقد جرى أيضا إقامة القواعد والآليات القانونية اللازمة لتطوير العديد من المجالات الهامة، بما فيها العلاقات التجارية والاقتصادية، وشبكات النقل والاتصالات، والصلات فى المجالات الإنسانية. وهكذا، فمنذ تشكيل رابطة الدول المستقلة، تحتل أوزبكستان بصورة راسخة مكانتها بين الدول المناصرة لعدم اضفاء الطابع السياسى على عمليات تعميق التكامل الاقتصادى والحفاظ على العلاقات الاقتصادية فى مستواها الجديد. أى أنه، وضمن إطار المنظمة المذكورة، تدعم البلاد إنشاء منطقة للتجارة الحرة، على أساس مبدأ عدم تدهور النظام التجارى بين البلدان، الذى يمثل شرطا هاما للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة فى بلدان رابطة الدول المستقلة.
وفى 31 مايو لعام 2013، تم التوقيع فى سان بطرسبرج على معاهدة جديدة بشأن منطقة التجارة الحرة في بلدان رابطة الدول المستقلة، وفى الوقت الحالى، صدقت على الوثيقة أوزبكستان، وروسيا، وبيلاروسيا، وكازاخستان، ومولدافيا، وأوكرانيا، وأرمينيا.
ودون أدنى شك، يمثل خطوة هامة في مجال العلاقات الاقتصادية الخارجية، التوقيع على إعلان إنشاء منظمة شنغهاى للتعاون (SCO) والذى تم فى 15 يونيو لعام 2001، وذلك من قبل قادة أوزبكستان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان والصين، وعبر الفترة الماضية، فقد جسدت هذه المنظمة نفسها، بوصفها آلية للتعاون متعدد الجوانب لتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، وكذلك لتطوير العلاقات الاقتصادية، وباعتبارها منصة للحوار المكشوف والبناء، وأداة فعالة لتطوير الشراكة فى مختلف الاتجاهات، ومما يثير الفخر الخاص لدى كل مواطن أوزبكي، أنه بفضل المبادرات التى تقدمت بها أوزبكستان، فقد ارتفعت تلك المجالات إلى مستوى نوعى جديد، ويمثل البرهان الساطع على هذا الأمر، ذلك التقدير العالى لإنجازات أوزبكستان فى الاتجاه المذكور، والذى منحه المشاركون في القمة الخامسة عشر لمنظمة شنغهاى للتعاون، والتى جرى عقدها في طشقند (24-25 يونيو، لعام 2016.).
وفي إطار منظمة شنغهاى للتعاون، يتم تعزيز الحفاظ على العلاقات المثمرة في المجال الاقتصادي، وفى هذا الاتجاه، يجرى عمل عدد من الآليات: مجلس رؤساء حكومات الدول الأعضاء في منظمة شنغهاى للتعاون، ومجلس الأعمال، واتحاد البنوك، وتعد أوزبكستان واحدة من مؤسسى منظمة شنغهاى للتعاون، وجنبا إلى جنب مع الدول الأعضاء الأخرى، تقوم بتحديد استراتيجية التعاون داخل المنظمة، وترى أنه من المهم توحيد الجهود الرامية إلى دعم الاستقرار الإقليمى وتنمية التعاون الاقتصادى والاستثمارى.
وبالتأكيد فسوف يفتح آفاقا جديدة لهذه المساعى، إعلان طشقند الذى جرى توقيعه فى 24 يونيو من العام الحالى، فى قمة منظمة شنغهاي للتعاون المنعقدة فى طشقند، والتي تناولت آفاق التعاون فى المجالات التجارية- الاقتصادية، والاستثمارية، والنقل والاتصالات.
كما أن إقامة الروابط الوطيدة مع المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الآسيوى للتنمية (ADB) والبنك الإسلامى للتنمية (IDB)، يلعب دورا متميزا فى النهوض بالقدرات الاستثمارية لبلادنا، وتحديث السوق المالية، وتعد جمهورية أوزبكستان عضو فى بنك التنمية الآسيوى منذ أغسطس 1995، والذى افتتح مكتبا تمثيليا له فى أوزبكستان فى عام 1997، وجدير بالذكر أن أوزبكستان هي المساهم الخامس عشر الأكبر بين الأعضاء الإقليميين لبنك التنمية الآسيوي، وعبر هذه الفترة المنصرمة، جرى تنفيذ أكثر من 50  مشروعا، بقيمة إجمالية قدرها 12.5 مليار دولار، وقد تم تنفيذ هذه المشاريع فى مجالات التعليم والصحة والرى وإمدادات المياه والصرف الصحي، وبناء المساكن في المناطق الريفية، والطاقة، والطرق والمواصلات، والبنية التحتية، والقطاع المالى.
ويمثل تطوير الطاقة البديلة اتجاها جديدا هاما في العلاقات الدولية، ففى الفترة من 20-23 نوفمبر لعام 2013، عقدت فى عاصمة البلاد بالاشتراك مع البنك الآسيوى للتنمية الجلسة السادسة للمنتدى الآسيوى للطاقة الشمسية تحت عنوان “اتجاهات وآفاق تكنولوجيا استغلال الطاقة الشمسية”، ومما منح دفعة جديدة لهذه الإجراءات، القرض الذى منحه البنك الآسيوي للتنمية بقيمة 300 مليون دولار منذ عامين، لدعم تطوير فاعلية الطاقة فى إمدادات الكهرباء، وذلك لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية في أوزبكستان.
ويجرى التعاون مع البنك الإسلامى للتنمية منذ عام 2003، فى تمويل المشروعات الاجتماعية في القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد. وحتى يومنا الآن، فقد تم إنجاز 14 مشروعا بقيمة 429 مليون دولار، ومن المنتظر تنفيذ المزيد من المشاريع الأخرى بقيمة تبلغ قيمتها نحو مليار دولار.
وإجمالا، فإن التوسع اللاحق فى التعاون مع المنظمات الاقتصادية الدولية، سوف يسهم في تعزيز صيت أوزبكستان فى المجتمع الدولى وتبوأ المكانة اللائقة لها بين الدول الديمقراطية المتقدمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق