الثلاثاء، 12 سبتمبر 2017

أوزبكستان تحارب الإرهاب بنظام "المراجعات" مع المتشددين .. وتنشئ مركز الإمام البخاري للبحوث


طشقند 13/9/2017 أعدها للنشر أ.د. محمد البخاري. تحت عنوان "أوزبكستان تحارب الإرهاب بنظام "المراجعات" مع المتشددين .. وتنشئ مركز الإمام البخاري للبحوث" نشرت بوابة "الأهرام" الإلكترونية يوم 13/9/2017 مقالة كتبها: محمود سعد دياب، وجاء فيها:


انتهت أوزبكستان من ترتيبات إنشاء مركز الإمام البخاري للبحوث والدراسات بجوار ضريحه في مدينة سمرقند التاريخية، وذلك بعدما حصلت على موافقة منظمة التعاون الإسلامي في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية الذي عقد في طشقند العاصمة أكتوبر 2016، واستكملت الخطوات بالحصول على موافقة البنك الإسلامي للتنمية برئاسة بندر حجار، وتوقيع مذكرة تعاون مع البنك خلال زيارة الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف إلى السعودية.

وبات واضحًا أن البنك قد وافق نهائيًا على تمويل المشروع لكي يضاف إلى زمرة المنشآت الدينية الإسلامية التي تزخر بها أوزبكستان لعلماء ورجال أثروا الدين الإسلامي بخلاف الإمام البخاري صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله عند عموم أهل السنة والجماعة، وهو الاتجاه الذي أكدت عليه القمة الإسلامية الأمريكية بالرياض مؤخرًا بضرورة مكافحة الجهل بالمعرفة وتعزيز التعليم والتربية.
وتعتبر القيادة السياسية في بلد الإمام البخاري وأحفاده؛ أن العلم والمعرفة وإنشاء مراكز بحثية متخصصة هي أول طرق مكافحة الإرهاب والأفكار المتطرفة، والتي تأتي متوافقة مع توجهات القوى العظمى خصوصًا الولايات المتحدة الحالية بضرورة مكافحة الإرهاب، الذي ينتشر في المجتمعات الفقيرة غير المثقفة والتي تعتبر معبرًا لتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية، خصوصًا وأن أوزبكستان تواجه تحديًا كبيرًا بوجود عدد من مواطنيها ضمن مقاتلي التنظيمات الإرهابية داعش وجبهة النصرة، رغم أن عموم الشعب الأوزبكي متسامح يرفض التشدد والانخراط في التنظيمات التكفيرية من واقع اعتناقه المذهب الحنفي أحد المذاهب الأربعة المعتمدة عند أهل السنة .
وقد قررت الدولة الأوزبكية التعامل مع مثل هؤلاء من منطلق مقولة الشاعر الأوزبكي الشهير ظهير الدين محمد بابور: "من يعطي الوفاء يلقى الوفاء ومن يعطي الجفاء يلقى الجزاء"، مؤكدة الاستمرار على نهج الراحل إسلام كريموف بضرورة مواجهة التطرف بمطرقة من حديد، وعدم اللجوء إلى غمس الرؤوس في الرمال مثل النعام، وتجاهل تلك البؤر الخطيرة كي لا تنمو وتتوحش وتدمر كل ما حولها مثلما حدث في سوريا والعراق .
وفي الوقت نفسه فتحت الباب أمام من يراجع نفسه ويتراجع عن تلك الأفكار، حيث قرر رئيس الدولة إزالة أسماء 16 ألف شخص من أصل 17 ألف من القائمة السوداء التي كانت قد أعدت في وقت سابق لمواطنين أوزبك تم اتهامهم بأنهم متطرفين محتملين، وذلك بعدما تبين بالحديث معهم إجراءهم مراجعات فكرية على غرار المراجعات التي قام بها قيادات الجماعة الإسلامية في مصر نهاية التسعينات من القرن الماضي، وتعهد شوكت ميرضيائيف في حديث مع مواطنيه بمناسبة عيد الأضحى المبارك بإدماجهم في المجتمع وتعليمهم حرف ومهن يستطيعون العيش منها، بخلاف تواصل رجال الدين معهم بشكل مستمر للتأكد من عدم عودتهم إلى أفكارهم السابقة وإظهار سماحة الإسلام لهم، فضلا عن إعلانه فعليًا توفير وظائف لحوالي 9500 شخص منهم.
وقد أكد ميرضيائيف في تصريحاته على مقولة رمز الثقافة والأدب الأوزبكي عبد الله أولاني قائلا: "إن الشخص النبيل يقبل العذر وشعبنا شعب شجاع ونبيل يسامح من يعتذر ويتوب من أعماق قلبه، ولذا نسامح اليوم كثير من شبابنا الضائعين ونعيدهم إلى الدراسة والعمل والمهن، وقرر استحداث منصب نائب الحاكم لشؤون الشباب ونائب مدير الداخلية لشؤون الشباب في كل منطقة، وكلف صندوقي "نوراني" و"محلة"، واللجنة النسائية، وحركة "كمالات" الاجتماعية للشبيبة، وأجهزة وزارة الداخلية، وغيرها من المنظمات المعنية بتحمل مسؤولية تسوية تلك المراجعات، وإجراء مسح شامل وبحث عن أسباب التطرف والتعصب في كل منطقة من مناطق الجمهورية بهدف القضاء عليها.
وطالب حكومته بتنظيم دورات تدريبية للأئمة والخطباء والعاملين في حقوق الإنسان، ومسئولي المحليات في قضايا التثقيف الديني والتربية المعنوية الأخلاقية، بهدف قطع الطريق على قوى الظلام داخل الدولة وخارجها الراغبة في تخريبها، فضلا عن قيام نواب الحكام في الأقاليم لشؤون الشباب والنساء والمنظمات الاجتماعية والدينية بزيارة من اتبعوا الباطل والضلال في بيوتهم ومقار إقامتهم للحوار معهم والاطلاع عن كثب على قضاياهم وهمومهم ومشاكلهم، بحيث يكون ذلك ضمن جدول أعمالهم اليومي.
وقد أكدت الزيارات التي قام بها شوكت ميرضيائيف رئيس أوزبكستان، لعدة دول منها روسيا وتركمانستان وكازاخستان والصين والسعودية، سعيه لإيجاد علاقات تعاون مع دول الجوار بهدف حل المشاكل العامة بشكل مشترك؛ خصوصًا وأن زيارته إلى الدب الروسي تم التوصل خلالها إلى اتفاقية مهمة في مجال هجرة العمالة بضرورة مراعاة الأوزبك وأسرهم في حالة هجرتهم للعمل في جمهوريات روسيا الاتحادية والتعامل معهم بطريقة تتفق مع الشريعة الإسلامية على أن تتحمل أوزبكستان مسئولية توفير أية ظروف لذلك.
تلك الزيارات التي أكد خلالها على مساعي بلاده المستمرة للتعاون من أجل القضاء على الإرهاب، ووضع نهج موحد للتصدي لذلك الوباء المتفشي، حيث سبق وأن تقدمت أوزبكستان عام 1999 بمبادرة لتأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب تابع لمنظمة الأمم المتحدة، ورغم ذلك لم يستجب المجتمع الدولي إلا بعد أن اكتوى بناره بعد عامين من ذلك في أحداث 11 سبتمبر 2001، وذلك بهدف تحقيق الاستقرار في منطقة آسيا الوسطى، ولا ينسى أحد مشاركتها في الجهود الدولية لاقتلاع الإرهاب من أفغانستان ومساعدة الأخيرة على إعادة بناء اقتصادها وتحقيق الازدهار، كما لعبت دورًا في تسوية الحرب الأهلية في جارتها طاجيكستان بشكل سلمي ضمن اتفاقية الكريملين الشهيرة عام 1997، فضلا عن تهدئة الصراعات العرقية في الجارة الأخرى قيرغيزستان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق