الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

أوزبكستان بعد 26 عاماً على الاستقلال


طشقند 13/9/2017 أعدها للنشر أ.د. محمد البخاري. تحت عنون "أوزبكستان بعد 26 عاماً على الاستقلال" نشر موقع "أقلام وكتب" يوم 13/9/2017 مقالة كتبها: أحمد عبده طرابيك، وجاء فيها:

تعد أوزبكستان من الدول التي حققت معدلات متسارعة من التنمية منذ استقلالها في 31 أغسطس 1991، حيث أعطي ذلك الاستقلال فرصة للبلاد لدخول مرحلة جديدة فى تاريخها وبدأت تخطو فى طريقها باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة، حيث تم إقرار الدستور الجديد للبلاد في عام 1992، والذى صار بمثابة خطوة هامة على طريق الإصلاح وبناء الدولة الجديدة ذات النظام الديمقراطى الذى يضمن كافة الحقوق.
لقد منح الاستقلال العالم فرصة اكتشاف أوزبكستان، حيث أعلن فى عام 1992 الرئيس الأول للبلاد إسلام كريموف خمسة أسس للإستراتيجية طويلة الأمد لتطور جمهورية أوزبكستان فى كافة المجالات. وحققت البلاد نجاحا هائلا فى تطورها الاقتصادى، حيث قامت تلك الاستراتيجية علي مراعاة القدرات الاجتماعية والاقتصادية لأوزبكستان وتاريخها والقيم، مرتكزة علي خمسة مبادئ جوهرية للانتقال إلى اقتصاد السوق الحر ذات التوجه الإجتماعي.
المبدأ الأول: أولوية الاقتصاد عن السياسة، والتى تعنى أن الاصلاحات الاقتصادية ينبغى أن تتحرر من كافة المسلمات الجامدة والاستراتيجيات التى عفا عليها الزمن، ولا ينبغى أن تخضع لأى من الأيديولوجيات.
المبدأ الثانى: الدولة هى القائم الرئيسى على الاصلاح، وعليها تحديد الأولويات الحيوية، واتجاهات الاصلاح ومراحله، ووضع البرامج الحكومية للتنمية وتجسيدها على أرض الواقع.
المبدأ الثالث: سيادة القانون فى كافة مجالات الحياة فى المجتمع. حيث ينبغى على الجميع دون استثناء، الالتزام بالدستور والقوانين التى يتم تطبيقها بالوسائل الديمقراطية.
المبدأ الرابع: انتهاج السياسة الاجتماعية القوية مع تطبيق علاقات السوق فى الوقت نفسه، واتخاذ التدابير المؤثرة فى ضمان الحماية الاجتماعية للسكان.
المبدأ الخامس: يتحقق التحول إلى علاقات السوق من مرحلة لأخرى عبر الطريق الارتقائى التدريجى المدروس، مع الأخذ فى الاعتبار الأوضاع الاقتصادية علي أرض الواقع.
وبفضل تحقيق أوزبكستان لنموذجها الخاص فى التحديث والنهضة للمجتمع، والذى عرف باسم "النموذج الأوزبكى" للتنمية، فقد تم التغيير الجذرى لهيكل الاقتصاد، وايجاد القاعدة الواعدة لتحقيق النمو الاقتصادى المستدام، وخلال فترة قصيرة من الزمن، ارتفع النمو الاقتصادى فى البلاد 5,5 مرة. وارتفع لأربع مرات حجم الناتج القومى المحلى للفرد الواحد من السكان عبر تلك الفترة، وكذلك ارتفعت القدرة الشرائية حوالى سبعة آلاف دولار، وذلك فى ظل ارتفاع عدد السكان فى البلاد وتضاعفه لأكثر من مرتين. وبدءا من عام 2005، تحقق الموازنة الحكومية فائضا يسمح لها بالمساهمة فى تعزيز استقرار الاقتصاد الكلى .
نجحت أوزبكستان عبر سنوات الاستقلال فى تحقيق إنجازات مؤثرة فى شتى المجالات. فقد أولت البلاد اهتماما كبيرا بالصناعة وتحديث الإنتاج وتطوير البنية التحتية، وتمهيد الطريق لتوفير استقرار النمو الاقتصادى، واليوم، أصبحت أوزبكستان دولة ذات اقتصاد متنوع، وذلك بفضل التعليم الراقى، والتطور الواسع لصناعة السيارات والنسيج والإنتاج الزراعي وتقنية المعلومات وغيرها.
كما أن القدرة السياحية الثرية والتراث الثقافى النادر لأوزبكستان يمهدان الطريق نحو تطوير قطاع السياحة. فعلى أراضى أوزبكستان يوجد أكثر من سبعة آلاف من الآثار التاريخية المعمارية حيث تتركز أشهرها فى مدن "سمرقند، بخارى، خيوه، شهريسبز، طشقند، خوقند" وغيرها، وفى سبيل تجسيد القدرات السياحية الثرية لأوزبكستان جرى وضع البنية الأساسية القوية، وتمضى الدولة فى تنفيذ المشروعات الخاصة ببناء وترميم الطرق وتحديث السكك الحديدية وكذلك تطوير الخدمات على طول الطرق الدولية الأوزبكية.
وفى قطاع القطاع الزراعى نجحت أوزبكستان فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الحبوب حيث وصل حجم إنتاج الحبوب فى عام 2016 إلى ما يزيد عن ثمانية ملايين و 26 ألف طن، كما تم الإهتمام بصورة خاصة ببناء المنازل السكنية فى الأماكن الريفية، بما يعد استمرارا منطقيا في العمل الواسع الجارى و الهادف إلى النهوض برفاهية السكان في المناطق الريفية، الأمر الذي جعل نحو 60 % من السكان يعيشون في المناطق الريفية من اجمالي عدد السكان البالغ عددهم 32 مليون نسمة، فلقد ساهم "النموذج الأوزبكي" للتنمية في تجاوز صعاب المرحلة الانتقالية دون التعرض إلى الهزات الإجتماعية الخطيرة والصمود فى ظل ظروف الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وتوفير النمو الراسخ للرفاهية.
لقد حُققت أوزبكستان خلال سنوات الإستقلال خطوات ملموسة لبناء دولة المؤسسات والقانون الديموقراطية والمجتمع المدني القوي وتنمية الإقتصاد القائم على علاقات السوق الحرة والملكية الخاصة وتوفير الظروف الملائمة للحياة الكريمة للسكان وإحتلال أوزبكستان مكانة جديرة بها في الساحة الدولية.
بعد وفاة الرئيس الأول لأوزبكستان إسلام كريموف، تستكمل أوزبكستان مسيرتها نحو المستقبل بعد انتخاب الرئيس شوكت ميرأمانوفيتش ميرزياييف رئيسا للبلاد في 4 ديسمبر 2016، وكان المرسوم "حول إستراتيجية العمل لمزيد من التنمية في جمهورية أوزبكستان" واحدا من المراسيم الأولى التي صدرت عن الرئيس شوكت ميرزياييف.
أصدر الرئيس ميرزياييف مرسوماً بشأن إستراتيجية العمل الخاصة بتطوير جمهورية أوزبكستان، والذي تضمن المصادقة علي استراتيجية العمل الخاصة بالاتجاهات الخمسة لتطوير جمهورية أوزبكستان خلال الفترة من عام 2017 إلي عام 2021، حيث يشمل البرنامج تحقيق إستراتيجية العمل في عام 2017، الذي يحمل عنوان "عام الحوار مع الشعب ومصالح الإنسان"، والذي يشمل وضع استراتيجية العمل لتنمية البلاد إجتماعيا وسياسيا وإقتصاديا وثقافيا، وفقا لما أعلنه الرئيس شوكت ميرزياييف في حملته الإنتخابية، وتهدف إستراتيجية العمل إلى رفع فعالية الإصلاحات الجاري تحقيقها بصورة جذرية وتوفير الظروف الملائمة لعملية تطوير المجتمع وتحرير جميع مجالات الحياة بوتائر سريعة.
وتتضمن تلك الخطة خمس أولويات للتنمية كالتالي:
إستكمال عملية بناء الدولة والمجتمع.
تأمين أولوية القانون وإصلاح النظام القضائي القانوني.
تطوير وتحرير الإقتصاد.
تنمية المجال الإجتماعي.
ترسيخ الأمن والوفاق بين القوميات والتسامح الديني وممارسة السياسة الخارجية المتزنة والبناءة القائمة علي المصالح المتبادلة.
ويقتضي تحقيق إستراتيجية العمل على خمس مراحل، وفي إطار كل منها ستتم المصادقة على برنامج الدولة السنوي الخاص لتحقيقه وفقا لشعار العام المعلن، وقد تقرر في إطار الإتجاه الأول لبرنامج الدولة وهو إستكمال عملية بناء الدولة والمجتمع وتعزيزُ دور البرلمان "المجلس العالى" في نظام سلطة الدولة وتحسين النشاط التشريعي وزيادة دور الأحزاب السياسية، كما يتم التخطيط لتحقيق تدابير خاصة بإستكمال إدارة الدولة وتقليص إدارة الإقتصاد من قبل الدولة وتطوير الأشكال الحديثة للتعاون بين قطاعات الدولة والقطاع الخاص ونظام "الحكومة الإلكترونية". كذلك فقد أصبح إجراء الحوار الفعال مع الشعب واحدا من الأمور الأكثر أهمية وحيوية لبرنامج الدولة، حيث تقرر إستكمال المراقبة الإجتماعية وتطوير المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام العام وكذلك تعزيز دور محليات السكان في حياة المجتمع لاحقا.
الإتجاه الثاني: ويتضمن برنامج الدولة في هذا الشأن إتخاذ تدابير خاصة بتأمين أولوية القانون وإستقلالية القضاء الحقيقية، ومن خلاله يتم إنشاء مجلس القضاء الأعلى بهدف تأمين إستقلالية القضاء لدي إتخاذ القرارات وتشكيل نخبة من القضاة المحترفين وتحقيق تدابير لحماية حقوق ومصالح القضاة المشروعة، واستكمال القوانين الإجرائية والتشريعية بهدف الحيلولة دون التأخير غير المبرر للنظر في القضايا من قبل المحاكم، وتوسيع صلاحيات الجهات القضائية العليا لكي تتمكن من إزالة النواقص الموجودة في عمل المحاكم الجزئية بصورة مستقلة.
الإتجاه الثالث: ويقوم علي تطوير وتحرير الإقتصاد وتأمين إستقرار العملة الوطنية والأسعار وتطبيق آليات السوق على مراحل لتداول العملة وتوسيع العلاقات الإقتصادية الخارجية وتطبيق التقنيات المعاصرة لإنتاج منتجات ومواد صالحة للتصدير وتطوير البنية التحتية للنقل واللوجيستيات ورفع الجاذبية الإستثمارية لزيادة الإستثمارات الأجنبية وتحسين إدارة الضرائب وتطبيق المبادئ والآليات المعاصرة لتنظيم النشاط المصرفي وتطوير المزارع المتعددة الفروع وكذلك الإسراع في تطوير السياحة.
ويشمل هذا الإتجاه إتخاذ تدابير لحماية القطاع الخاص وسوق الأوراق المالية وتجديد الزراعة وتطوير مجال صناعة المجوهرات، ويتم التخطيط خلال السنوات ما بين 2017 إلي 2021 لتحقيق برامج في مجالات تهدف الى توظيف إستثمارات في 649 مشروعا بمبلغ قدره 40 مليار دولار، وهذا من شأنه تحقيق زيادة في إنتاج المنتجات الصناعية خلال السنوات الخمس القادمة بنحو 1,5 مرة ورفع حصته في الناتج المحلي الإجمالي من 33,6 % إلى 36 % ، وحصة الصناعات التحويلية من 80 % إلى 85 %.
الإتجاه الرابع: ويشمل تطوير المجال الإجتماعي، من خلال إجراءات تقضي باستكمال نظام الرعاية الإجتماعية والصحية، وتطوير البنية التحتية للنقل وهندسة المواصلات وتزويد المواطنين بالطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي ورفع مستوي المرأة في الحياة الإجتماعية والسياسية وإصلاح نظام الرعاية الصحية ورفع مستوى التعليم.
الإتجاه الخامس: ويهدف إلي ترسيخ الأمن والوفاق بين القوميات والتسامح الديني وممارسة السياسة الخارجية المتزنة والبناءة القائمة علي المصالح المتبادلة، واتخاذ كافة التدابير لحماية النظام الدستوري والسيادة ووحدة أراضي الجمهورية وإستكمال نظام القواعد المعلوماتية والحقوقية في مجال الأمن، وتخفيف آثار كارثة إضمحلال بحر آرال وكذلك وضع نظرية الإتجاهات الأولوية للسياسة في مجال العلاقات بين القوميات ونظرية سياسة الدولة في المجال الديني، وإعداد "خريطة الطريق" لتطوير التعاون السياسي الدبلوماسي والتجاري والإقتصادي والإستثمارات بين أوزبكستان والشركاء الآخرين في العالم.
ومن شأن تحقيق هذه الإستراتيجية أن تصبح حافزا قويا لتقدم جمهورية أوزبكستان على طريق الإصلاحات والتحديث في جميع المجالات وبناء دولة المؤسسات والقانون مع إقتصاد السوق المتطور والمجتمع المدني القوي وتأمين أولوية القانون والأمن وحماية حدود الدولة والوفاق بين القوميات والتسامح الديني في المجتمع، بما يحقق البيئة المناسبة لتطور المجتمع والمساهمة في الاستقرار والتقدم والازدهار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق