الثلاثاء، 9 أكتوبر 2018

عشرون عاماً من تطور العلاقات الجزائرية الأوزبكستانية ج 3

ومن هذا المنطلق فإن التعامل المكثف مع الدول العربية يحقق لأوزبكستان مصلحة جوهرية في توسيع البدائل المتاحة أمام السياسة الخارجية الأوزبكستانية، ويخلق مجالاً استراتيجيا جديداً يمكنها من خلال دعم المجموعة العربية من التعامل على قدم المساواة مع القوى الأخرى في العالم. ومن المؤكد أنه كلما زادت البدائل المتاحة أمام أوزبكستان في العلاقات الدولية، كلما زادت قدرتها على الحركة في مجال العلاقات الدولية بشكل يؤمن لها أفضل الشروط في التعامل مع الشركاء الدوليين.
- المصالح الاقتصادية الأوزبكستانية في الدول العربية. لأن الدول العربية كمجموعة تشكل قوة اقتصادية ومالية تستطيع الاستثمار في أوزبكستان لتمكينها من استغلال مواردها بشكل فعال. إضافة لامتلاك بعض الدول العربية خبرات فنية لازمة لأوزبكستان لإتمام عملية بناء الدولة والتحول بالكامل إلى اقتصاد السوق، وما يترتب عنه من بناء نظم اقتصادية ومالية ومصرفية، إضافة لفرص التدريب التي يمكن أن تتيحها بعض الدول العربية لأوزبكستان في مجال إعداد الكوادر في مختلف المجالات.
- الدور الحضاري لأوزبكستان. لأن الدول العربية بالنسبة لجمهورية أوزبكستان، هي الساحة والمدخل المهم للاضطلاع بدور ثقافي وحضاري فعال في العالمين العربي والإسلامي، خاصة وأن أوزبكستان تملك تراثاً ثقافياً ودينياً وحضارياً، أشار إليه بوضوح إعلان الـ (ISESCO) طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2007 وكان لذلك التراث أثراً بالغاً في تطور الحضارة العربية الإسلامية. وهو ما يؤهلها لتضطلع بدور حضاري متميز في العالمين العربي والإسلامي.
وانطلاقاً من المصالح المشتركة والمتشابكة، بدأ العرب والأوزبك بصياغة مجموعة من السياسات التي يمكن أن تكفل تحقيق وحماية مصالحهما المشتركة. ومن المنطقي أن تكون نقطة البداية إنشاء وتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية بين الدول العربية وأوزبكستان. ولهذا الهدف قام الرئيس إسلام كريموف ضمن أولى جولاته بعد الاستقلال بزيارة رسمية شملت كلاً من المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية 1992، وأتبعها بزيارة لفلسطين عام 1998، والكويت عام 2004، وجمهورية مصر العربية للمرة الثانية عام 2007، والإمارات العربية المتحدة عام 2008، وسلطنة عمان عام 2009، ودولة قطر عام 2010، تم خلالها الاتفاق على توطيد العلاقات القائمة والتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الثنائية حول مستقبل تطوير العلاقات الثنائية وتوسيع التعاون التجاري والاقتصادي، والقضايا الإقليمية والدولية التي تهم الجانبين. والتعاون التجاري والاقتصادي الذي يشمل مجالات: النقل الجوي، والنفط والغاز، والصناعات الكيماوية، والبناء، والاستثمارات، وتوسيع التعاون الاستثماري والثقافي ليشمل مجالات: التعليم العالي، والسياحة، والإعلام، والإتصالات.
وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات القائد العربي الوحيد الذي زار أوزبكستان بعد استقلالها حتى قيام أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بزيارته التاريخية لأوزبكستان عام 2008. وكما سبق وأشرنا تعمل في أوزبكستان سفارات لمصر والأردن والجزائر وفلسطين والعربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، معتمدة ومقيمة في طشقند. وللمغرب واليمن سفير معتمد غير مقيم في طشقند. ولأوزبكستان سفارات معتمدة مقيمة في مصر والعربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. وقنصليات مقيمة في جدة بالمملكة العربية السعودية وفلسطين. كما يمثل السفير الأوزبكستاني في القاهرة بلاده كسفير غير مقيم في الأردن، والسفير الأوزبكستاني المقيم في الكويت كسفير لبلاده غير مقيم في قطر والبحرين وعمان.
وفي إطار العلاقات الدولية دعمت الدول العربية المبادرة الأوزبكستانية لإعلان آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وشاركت بعض الدول العربية في أعمال المؤتمر الدولي الذي عقد في أيلول/سبتمبر 1997 بطشقند لإعلان آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وأعلن الوفد المصري خلاله أن إنشاء تلك المنطقة يعتبر حافزاً لإنشاء منطقة مماثلة في الشرق الأوسط.
وبدأت الدول العربية ببناء علاقات اقتصادية مع أوزبكستان إلا أنها لم تزل محدودة رغم أهميتها. ولابد أن الأسباب تعود لتراجع الموارد المالية لدول الخليج العربية جراء الحروب التي تعرضت لها المنطقة خلال العقدين الأخيرين، أو لعدم الإلمام بالفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة في أوزبكستان. وهي نفس الأسباب التي نعتقد أنها وراء إحجام الدول العربية الخليجية عن الدخول بقوة إلى السوق الاستثمارية الأوزبكستانية مكتفية بالأنشطة قصيرة الأجل في التجارة والمقاولات. أما بالنسبة لباقي الدول العربية فالمعضلة الرئيسية هي نقص الموارد بالعملات الأجنبية، ولو أننا لا نعتبره سبباً لأن المشكلة يمكن حلها عن طريق التقاص في التبادل التجاري الذي تحميه الدولة من قبل الجانبين دون الحاجة للقطع الأجنبي. ومن صيغ الصفقات المتكافئة بين الدول العربية وأوزبكستان نذكر الاتفاقية الموقعة بين مصر وأوزبكستان عام 1992 بقيمة 30 مليون دولار أمريكي.
وفي المجالات الثقافية والدينية تنشط الكويت والعربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، من خلال الدور الذي يؤديه كلاً من المركز الثقافي المصري في طشقند، وجامعة الأزهر الشريف في مصر، ورابطة العالم الإسلامي في المملكة العربية السعودية، وهيئة الإغاثة الكويتية الإسلامية التي افتتحت فرعاً لها في طشقند، والهيئات الخيرية الإماراتية التي تقدم الدعم الدائم لجامعة طشقند الإسلامية، وجمعية جمعة الماجد التي تقيم علاقات وطيدة مع معهد أبو ريحان البيروني للاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية. إضافة لقيام أوزبكستان بإنشاء صندوق الإمام البخاري الدولي الذي خطط لإنشاء فروع له في مختلف الدول العربية والإسلامية.
وجاء إعلان منظمة الثقافة والتربية والعلوم الإسلامية (ISESCO) التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007 فرصة جيدة لتمتين عرى الأخوة والصداقة القائمة بين الدول العربية والإسلامية وأوزبكستان وهو ما ظهر من خلال مشاركة وفود عربية بالإضافة لمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمر موسى، وكمال الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي في الاحتفالات التي أقامتها أوزبكستان بهذه المناسبة.

العلاقات الثنائية العربية الأوزبكستانية

عند الحديث عن تطور العلاقات الثنائية الأوزبكستانية العربية يتحتم علينا الإشارة إلى عام 1962 عندما شهدت الأوساط الاجتماعية في أوزبكستان مولد جمعية الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول العربية، ومنذ ذلك العام بدأت تلك العلاقات عبر مركز الاتحاد السوفييتي السابق موسكو. وكانت الإطلالة الأولى التي أخذت تعزز العلاقات المشتركة بين أوزبكستان والدول العربية عبر الدبلوماسية الشعبية تدريجياً. وبدأت بالعلاقات الثنائية بين أوزبكستان ومصر في عام 1963 واستمرت بنجاح حتى برودها في عام 1977 وكان أهمها تآخي مدينة تشرتشك الأوزبكستانية مع مدينة أسوان المصرية في غمار بناء السد العالي في مصر وتبادلت المدينتين المتآخيتين الوفود الرسمية خلال أعوام 1965 و1972 و1975.
واستمرت العلاقات بالتطور مع البلدان العربية الأخرى وخاصة سورية وفلسطين والأردن واليمن والكويت وعمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والمغرب وتونس والعراق، إلى أن عادت علاقات الدبلوماسية الشعبية مع مصر للدفء بعد الزيارة التي قام بها أ.أ. يوسوبوف مدير عام مصانع "زينيت" الأوزبكستانية لمصر ضمن وفد جمعية الصداقة مع الدول العربية في عام 1990 للمشاركة في أعمال مؤتمر "السوق الاقتصادية الدولية والتأثير الاقتصادي المتبادل". وفي نفس العام وعلى عتبة استقلال جمهورية أوزبكستان قام نبيل عمر السفير الفلسطيني في موسكو والمنصف الماي (من تونس) سفير جامعة الدول العربية في موسكو بزيارة لأوزبكستان. وبعد استقلال جمهورية أوزبكستان ومع اعتراف الدول العربية باستقلالها، وتبادل بعض الدول العربية للتمثيل الدبلوماسي معها فتحت أفاقاً جديدة لتعزيز التعاون الثنائي المباشر، شمل العلاقات الدبلوماسية والثقافية التي عززت علاقات الصداقة ودور الدبلوماسية الشعبية فيها.
وتعزيزاً لعلاقات الصداقة من خلال الدبلوماسية الشعبية تم إدماج جمعية الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول الأجنبية مع جمعية وطن للعلاقات الثقافية مع المهاجرين الأوزبك المقيمين في الخارج وشكلتا معاً الرابطة الأوزبكستانية للعلاقات الثقافية والتربوية مع الدول الأجنبية، وفي عام 1997 تحولت هذه الرابطة إلى المجلس الأوزبكستاني لجمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول الأجنبية. واستبدل المجلس رابطة الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول العربية التي ترأسها آنذاك الدبلوماسي الأوزبكي بهادر عباسوفيتش عبد الرزاقوف بجمعيات للصداقة مع الدول العربية. وبالفعل تم تأسيس جمعيتين للصداقة الأولى مع مصر، والثانية مع الأردن، واستمرت التحضيرات لتأسيس جمعيات للصداقة مع الدول العربية الأخرى. وبالإضافة لذلك يحافظ المجلس على علاقات ودية مع المواطنين من أصل أوزبكي في المملكة العربية السعودية وسورية وفلسطين والأردن ومصر، منذ أواسط سبعينات القرن الماضي وبرزت تلك العلاقات من خلال مشاركة ممثلين عنهم في المؤتمر الشبابي الأول للمهاجرين الأوزبك من مختلف دول العالم الذي انعقد في طشقند عام 1992.
وللوقوف على صورة واقعية عن العلاقات الثنائية بين الجزائر وأوزبكستان رأينا استعراضها في عرض سريع معتمدين على المتابعات الشخصية وبعض المصادر وما تناولته وسائل الإعلام والإتصال الجماهيرية الأوزبكستانية والعربية وفق التسلسل التاريخي للأحداث.

العلاقات الثنائية الجزائرية الأوزبكستانية

اعترفت الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية باستقلال جمهورية أوزبكستان بتاريخ 26/12/1991.
وجرى التوقيع على بروتوكول لتبادل العلاقات الدبلوماسية بتاريخ 30/6/1992.
وقامت أوزبكستان منذ أواسط القرن الماضي بتدريب كوادر جزائرية في مؤسساتها العلمية، إضافة للعلاقات القائمة بين معهد البحوث المائية بأكاديمية العلوم الأوزبكستانية، والمعهد العالي للري بمدينة بليدة الجزائرية.
وقدم عامر عقلي أوراق اعتماده للرئيس كريموف كأول سفير مفوض فوق العادة لبلاده مقيم في أوزبكستان عام 1993.
وقدم حسان العسكري أوراق اعتماده للرئيس كريموف كثاني سفير مفوض فوق العادة لبلاده مقيم في أوزبكستان في 21/6/2001.
وقدم محمد براح أوراق اعتماده للرئيس إسلام كريموف كثالث سفير مفوض فوق العادة لبلاده مقيم في أوزبكستان بتاريخ 28/6/2006. وأعلن براح أثناء تقديم أوراق اعتماده أنه سيركز اهتمامه أثناء عمله على تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية وتفعيل المشاورات السياسية. وقال أن بلدينا بعيدتين عن بعضهما البعض جغرافياً ولكن يشرفني أن أسهم بتطوير العلاقات القائمة بينهما.[1]
اشترت الجزائر طائرتي نقل طراز IL 76 من إنتاج مصانع أوزبكستان في عام 1996، كما جرى بحث مجال قيام أوزبكستان بصيانة طائرات الخطوط الجوية الجزائرية.
وبدعوة من المجلس الأوزبكستاني لجمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية والتربوية مع الدول الأجنبية ووزارة الشؤون الثقافية الأوزبكستانية شارك الفنان الشعبي الجزائري محمد الفرغاني وفرقته الفنية في مهرجان سمرقند الدولي للموسيقى الشرقية في أب/أغسطس 2001، وحصل على الجائزة التقديرية للمهرجان.
كما شارك مندوبون عن الجزائر بأعمال المؤتمر الدولي "إسهام أوزبكستان في تطوير الحضارة الإسلامية"، الذي جرى في طشقند وسمرقند بمناسبة إعلان طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2007.
وتتمسك أوزبكستان والجزائر بمواقف متشابهة في الكثير من المسائل الإقليمية والعالمية في إطار منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وتتوافق مواقف البلدين من القضايا السياسية الإقليمية والعالمية، وتوفر مثل هذه المواقف إمكانية دفع عملية المحادثات الجارية بينهما وتفعيل تبادل الوفود.[2]
وزار أوزبكستان وفد من الجمهورية الجزائرية الشعبية الديمقراطية برئاسة عضو مجلس الشعب القومي عبد القادر بونيكراف في عام 2008. وخلال الزيارة أجرى الوفد الضيف لقاءات في مجلس الشيوخ والمجلس التشريعي بالمجلس الأعلى، ووزارة العلاقات الاقتصادية الخارجية والاستثمار والتجارة ووزارة الخارجية وغرفة التجارة والصناعة بجمهورية أوزبكستان.
وأشارت وسائل الإعلام المحلية إلى أنه بذلت جهود منذ أقامة العلاقات الدبلوماسية بين أوزبكستان والجزائر وحتى اليوم من أجل تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات ومن ضمنها المجالات الحكومية رغم البعد الجغرافي الفاصل بينهما. وأن هذه الزيارة جاءت لفتح آفاقاً جديدة لتوسيع العلاقات في هذا المجال وتوفير الظروف المستقبلية لتعزيز الصلات السياسية والاقتصادية والإنسانية والثقافية بين البلدين. وعبر رئيس الوفد عن أمله إقامة علاقات مفيدة للجانبين في مجالات النفط والغاز انطلاقاً من المقدرات والخبرات المتوفرة في البلدين والتي يمكن أن تكون عاملاً هاماً من عوامل التعاون التجاري والاقتصادي.[3]
وفي واحدة من صالات المعارض في العاصمة الأوزبكستانية نظمت السفارة الجزائرية في فبراير/شباط 2009 معرضاً بعنوان "نظرة إلى الجزائر". وجذب المعرض اهتمام الكثير من محبي الفنون والعلماء والمتخصصين الذين تعرفوا فيه على نماذج أصلية للملابس الشعبية ومختلف الحلي وأدوات الزينة وإصدارات ملونة عن تاريخ البلاد وملامحها المعاصرة في مجموعة دول المغرب العربي.
وصرح السفير الجزائري بهذه المناسبة بأن بلاده مهتمة بتطور العلاقات في جميع المجالات مع أوزبكستان مشيراً إلى فاعلية التطور في جميع مجالات الحياة فيها.[4]



[1] تسلم أوراق اعتماد. // طشقند: صحيفة نارودنويه صلوفا، 29/6/2006.
[2] ظفار عبد الغفاروف: أسس الصلات الهادفة طويلة المدى بين أوزبكستان والجزائر. // طشقند: وكالة أنباء JAHON، 26/11/2008.
[3] ظفار عبد الغفاروف: أسس الصلات الهادفة طويلة المدى بين أوزبكستان والجزائر. // طشقند: وكالة أنباء JAHON، 26/11/2008.
[4] بوريس باباييف: نظرة إلى الجزائر. طشقند: صحيفة نوفوستي أوزبكستانا، 6/2/2009.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق