السبت، 3 سبتمبر 2016

أوزبكستان 25 عامًا من الاستقلال والتَّماسك الاجتماعي


تحت عنوان "أوزبكستان 25 عامًا من الاستقلال والتَّماسك الاجتماعي" نشر الموقع الإلكتروني "شباب النيل" مقالة كتبها: د. سعد عبد الغفار .. مدرس النقد والبلاغة بآداب الوادي الجديد.. جامعة أسيوط- مصر. وجاء فيها:


في البداية أتقدَّمُ للشعب الأوزبَكي الصَّديق، وقيادتهِ الرَّشيدةِ، ولسعادةِ السَّفير أيبك عارف عثمانوف سفير جمهورية أوزبكستان بالقاهرة، ولسائرِ أعضاء السَّفارةِ الأوزبَكيَّة بالقاهرة، بأجمل التَّهاني بمناسبةِ مرور خمسةٍ وعشرين عامًا على الاستقلال المجيد، كما أتقدم بأحر التعازي لوفاة قائد البلاد إسلام كريموف اول رئيس للجمهورية الأوزبكية.
  وبهذه المناسبةِ العظيمةِ يسعدني أن أتحدَّثَ إليكم عن صورٍ من المجتمع الأوزبَكي بعد الاستقلال تُعبِّر عن تماسكه الاجتماعي.
   فإذا كانَ لكلِّ شَعبٍ عاداتُهُ وتقاليدُهُ وقِيمُهُ التي تُميزُهُ عن غيرهِ من الشعوبِ، وتمنحُهُ خُصوصِيةً يتصفُ من أجلِها بالأصالةِ والعَراقةِ. فإنَّ الشَّعبَ الأوزبكي – ولا ريب- واحدٌ من  أبرزِ الشعوبِ التي تتفرَّدُ بمجموعةٍ من العاداتِ والتَّقاليدِ والقِيمِ الرُّوحيَّةِ والاجتماعيَّةِ المورثةِ التي تجعلُه شعبًا متفرِّدًا سيَّما إذا أخذنا في الاعتبار سَعىَ قيادتِهِ الحكيمةِ وحرصَها من أوَّلِ يومٍ من أيامِ الاستقلال على تحقيقِ آمالهِ وطموحاتِهِ، والمحفاظةِ على عاداتِه وتقاليدِه، ووَحْدَتِهِ، وهُويتهِ القوميَّةِ، وتماسُكِ نسيجهِ الاجتماعي، وتخليدِ ذكرى عُظمَائِهِ. وهو ما عَبَّر عنه فخامةُ الرَّئيس الراحل إسلام كريموف بقوله: “إنَّ مِثلَ هذه الآمالِ والطُّموحات دَفعتْ بنا مِن أولِ يومٍ مِن أيامِ الاستقلال إلى الحِفاظِ على عَاداتِنا وتقالِيدِنا وقِيمِنا الأزلية، كحِفظِ قُرَّةِ العَينِ، وتخليدِ ذِكرى أجدَادِنا العظماء، وتَعمِيرِ أضرِحَتِهم ومَزَاراتِهم المباركة، ونحققُ الآن في هذا المجال نجاحاتٍ كبيرةً، بحيث يُمكننُا القول إنَّها تُثيرُ الإعجاب لدى المجتمعِ الدَّولي. وما قد قُمنا ونقُومُ به الآن من الأعمالِ الجبَّارة تهدُفُ قبلَ كلِّ شيءٍ إلى إدراكِ هُويتِنا القَوميَّةِ وجُذورِنا التَّاريخيَّةِ، والحِفاظِ على دِينِنا ودِيانتِنا… ونحنُ قبلَ الآخرين نستمدُ الآن مَدَدًا رُوحيًّا وقوةً معنويَّةً من أعمال البناء والتَّعمير الواسعة التي قد قُمنا بها في المجموعاتِ المعماريَّةِ التَّاريخيَّةِ المشهورةِ المرتبطةِ بأسماءِ الإمامِ البُخاري والإمام التِّرمذِي و(شَاهي زينده) و(رِيجيستَان) و(بيبي خَانِيم) والإمام الماتُرِيدي وبهاء الدِّين النَّقشبندي، وأحمد الفرغاني، وبُرهان الدِّين المرغيناني، وخوجة أحرار الولي، وحضرة الإمام، وغيرهم من كِبار العلماء والمفكرين والأئمة.”
  كما صرَّح فخامته ـ رحمه الله ـ في كتابه “أوزبكستان على أعتاب القرن الـ 21: تهديدات الأمن، شروط وضمانات التَّقدم”، قائلا: “نحنُ مع أن يستمرَ الدِّينُ في لَعِبِ دورٍ في توجيهِ السُّكانِ نحو القِيمِ الرُّوحيَّةِ العُليا،والمعنويَّةِ والأخلاقيَّة، والتَّاريخيَّةِ والثَّقافيَّةِ”. وقد تجسَّدَ هذا الحرصُ فيما كفله الدُّستورُ الأُوزبَكي من حرية الاعتقاد في مادتهِ (31).
 بكُلِّ الإنجازات على المستوى الاجتماعي، وبكلِّ هذه الضَّمانات الدُّستوريَّةِ والتزامِ القيادةِ السياسيَّةِ بنشرِ روح التَّسامحِ وتعزيز الحياة الروحيَّة وبناء نسيج مجتمعي قوي تَستقبلُ أوزبكستان ذِكرى الاستقلال هذا العام، وقد غَدتْ معروفةً بِديارِ التَّسامحِ الدِّيني، فهي تُمثِّلُ نموذجًا يُحتذى في التَّعايشِ السِّلمي، والاندماجَ الثَّقافي، والاحترامَ المتبادل بين ما يناهزُ مائةً وثلاثين (130) قوميةً مختلفةً، ما بين روسٍ، وتَترٍ، وقَازاق، وكُوريين، وويِغور، وأرمنٍ، وطاجيك…إلخ. يشاركون في كلِّ أوجه النَّشاط السِّياسِي والاقتصادي والعلمي والاجتماعي بالبلاد، ويتقلد بعضُهم المناصبَ الرَّفيعةَ بالدَّولةِ، ويُمنحُ كَثيرٌ منهم جَوائزَ رَسميةً عديدةَ… وهو ما يجعل أوزبكستان نموذجًا يُحتذى به في التماسك الاجتماعي الفريد تحت قيادة حققت في هذا المجال مالم تحققه دول كثيرة.
 إنَّ التسامحَ الديني بين أتباع ستَ عشرَ (16) ديانةً ومذهبًا سَمحتْ لهم الدولةُ بإقامةِ المراكزِ الثَّقافيَّةِ القوميَّةِ، ومزاولةِ أنشطتِها الاجتماعيَّةِ،حتَّى وَصَلَ عددُها في الجمهورية نحو مائةٍ وأربعين (140) مركزًا. في الوقت الذي وصلتْ فيه عددُ المنظمات الدِّينية بالبلاد (2238) منظمة دينية لـ 16 معتقد ديني.على حد قول يوسوبوف رئيس لجنة شؤون الأديان بديوان الوزراء الأوزبكي. يجعلنا ننظر بعين الاحترام والتقدير لهذا البلد العظيم.
 وفي يناير من هذا العام احتفلَ المركزُ الثَّقافي الأُممِي في أوزبكستان ببلوغهِ أربعةً وعشرين (24)عامًا. والذي تأسَّسَ بمبادرةٍ كريمةٍ من القيادة السياسيةِ ؛ ليُسهِمَ في تطويرِ العِلاقاتِ بين أبناءِ هذه القوميَّاتِ، ويلبِّي حاجاتِهم القوميَّةِ والرُّوحيَّة.على حدِّ قول نصر الدين محمدييف مدير المركز الثقافي الأممي بجمهورية أوزبكستان.
  إنَّ هذا التَّفاهمَ والتَّسامحَ الدِّيني بينَ كُلِّ هذه القوميَّات من أهمِ عوامل السَّلام والهدوء التي تسودُ أوزبكستان منذ الاستقلال وحتَّى الآن. ففي ولاية سمرقند وحدها  يعيش أبناء أكثر من مائةِ (100) قَومِيَّةٍ في أسرةٍ واحدةٍ متلاحمةٍ. فحاكِمياتُ الولايةِ، والمنظماتُ الاجتماعيَّةُ والدِّينيَّةُ تنظِّمُ نشاطاتٍ معنويةً وتنويريَّةً موجَّهةً نحو المحفاظةِ على الاستقرارِ الاجتماعي، والمعنوي، والرُّوحي، وتعزيزِ التَّفاهُمِ والتلاحُمِ بينَ مُختلَفِ القوميَّاتِ والهيئآتِ الدِّينيَّة. كما يذكر أ. د/ محمد البخاري.
  ولا شك أنَّ هذا التَّماسَك الاجتماعى والتَّناغُمَ الرُّوحي بين أبناءَ كلِّ هذه القوميَّاتِ ساعدَ بشكلٍ كبيرٍ ومستمرٍّ  في السَّيرِ ببلادهم قُدُمًا نحو مُستقبلٍ مُشرِقٍ بخطىً واثقةٍ وسريعةٍ.
 ولعلَّه من المناسبِ في هذا المقامِ أن نعرِضَ لصورٍ من الحياةِ الاجتماعيَّةِ والرُّوحيَّةِ المتأصلةِ في المجتمع الأُوزبَكي ، ونذكر منها:
1- تقديرُه الواضحُ لأجدادهِ العظماء على مرِّ التَّاريخ في شتى المجالات العلمية والعملية، واحتفاؤه برموزِهِ القوميَّةِ والوطنيةِ، حيثُ تنتشرُ في كلِّ حديقةٍ ومَيدانٍ وجامعةِ ومعهدِ تماثيلُ لأشهرِ علمائِهم وقاداتِهم في مختلف المجالات على مرِّ تاريخهم الطَّويل والعريق، فتماثيلُ الأمير تيمور، وأحفادُه أمثال ميرزا ألوغ بيك وشاه روخ، والشاعر علي شير نوائي، وابن سينا، والفارابي، والبيروني وغيرهم تراها شامخةً أينما ولَّيت وجهَك.
2- الاهتمام بالبيئة على المستوى الرَّسمي والاجتماعي، فأنت عندما تسير في شوارع طشقند في أي وقت من العام تجدْ الشوارعَ والحدائقَ لا تكاد تخلو من عمال البيئة ليلا أو نهارًا؛ إمَّا لتنظيف الشَّوارع من أوراق الأشجار الكثيفة المتساقطة وقت الخريف، وإمَّا لتجهيز جوانب الطُّرق والحدائق لزراعة الورود والزهور والنباتات ذات الألوان المبهجة مع قدوم الربيع، الذي يُريكَ كيف يتعاونُ كلُّ أفرادِ الأسرةِ والجيرانُ في تجميلِ وتنظيفِ بيوتِهم وشوراعهم بالزراعات العطرية والأشجار المثمرة، استعدادًا لاستقبال نيروزٍ جديدٍ، فأنت مع قدوم النيروز تسيرُ في طشقند وكأنَّك تسيرُ في حديقةٍ كبيرةٍ شديدةِ التَّناسقِ والجمال، تضفِي على نفسِك من جمالها الكثيرَ والكثيرَ، وهذا ما يعكسُ حبَّ الأُوزبَك للجمال، ويدلُّ على أنَّه فطرةٌ في نفوسهم وثقافةٌ في سلوكهم .
فالمدارسُ والجامعاتُ والأُسرُ  تحرصُ على تنشئةِ الأطفالِ على حبِّ الجمال، واعتبار النظافة سلوكًا راقيًا لا يجب التَّخلي عنه، ولذلك نجد الطلاب أنفسهم يقومون بتنظيفِ مدارسهم وبيوتهم بحبٍ ونشاطٍ..
هذا فضلًا عما يتمتع به الأوزبك من الكرمٍ، وحسن الضيافة، فهم شعبٌ كريمٌ مِضيافٌ يحبُ الضيوف ويُحسن استقبَالهم، ويقدِّمُ لهم كلَّ وسائلَ العونِ والمساعدة، مَّما يعكس رقيهم وتمدنهم.
 الإضافة إلى تقديرهم للعَلاقات الأُسْرِيَّة والصداقات، وتعزيز الحياة الرُّوحية فيما بينهم والتي تتمثل في حرصه على التزاورِ في الإجازات والأعياد، والخروج إلى المطاعم والمتنزهات، و الحرص الشديد على تناول الأطعمة الشَّعبية مثل (السُّومَالِك) في عيد النيروز ، والبلُوف (الأرز البخاري) أو الأش في حفلات الزواج بصفة خاصة. وهو ممَّا يُشِيع روحَ المحبةِ ، ويقوِّي الأواصر الاجتماعية فيما بينهم.
وبعد، فإنَّنا في هذا المناسبة السَّعيدة لنرجو للشعب الأُوزبَكي الصَّديق مَزيدًا من التَّقدمِ والرَّفاهيةِ والرَّخاء تحت قيادة قائده الحكيم..
 والسَّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.
الكاتب – الدكتور سعد عبد الغفار .. مدرس النقد والبلاغة بآداب الوادي الجديد.. جامعة أسيوط- مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق