الأربعاء، 30 أغسطس 2017

نستهدف البناء على تاريخ الأوزبك في الحضارة الإسلامية


طشقند 30/8/2017 أعدها للنشر أ.د. محمد البخاري. تحت عنوان "رئيس أوزبكستان: نستهدف البناء على تاريخ الأوزبك في الحضارة الإسلامية" نشرت "بوابة الأهرام" الإلكترونية يوم 30/7/2017 مقالة كتبها: محمود سعد دياب، وجاء فيها:


يومًا بعد يوم يثبت للمتابعين للأوضاع في جمهورية أوزبكستان بمنطقة أسيا الوسطى؛ أن الرئيس الحالي للبلاد شوكت ميرزاييف (ميرزيوييف) قد اتخذ سياسة جديدة تختلف عن سابقه إسلام كريموف مؤسس الدولة الراحل منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي؛ فقد فطن أن شعبيته يستطيع بناءها من خلال النزول إلى مستوى الرجل البسيط في شعبه لذا قرر بدء خطته التطويرية بالاستثمار في شعبه نفسه، وأبرز سياسته الجديدة خلال لقاء جمعه بعدد من رجال الدين والعلماء والمثقفون .
كان شوكت ميرزاييف قد أصبح رئيسًا لأوزبكستان من خلال انتخابات أجريت ديسمبر 2016، بعد رحيل إسلام كريموف مؤسس الدولة وأول رئيس لها منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، ويعتبر مراقبون أن الشعبية الكاسحة التي كان يحظى بها كريموف أكبر تحدي أمام الرئيس الجديد في إيجاد نفس المساحة التي كان يشغلها سلفه، وهو ما يضعه ميرزاييف في عين الاعتبار ويحاول في فترة وجيزة إنجاز إصلاحات على كافة المستويات تحقق رضا شعبه.
وفي إطار إعلانه عام 2017 "عام الحوار مع الشعب ومصالح الإنسان"؛ دشن منذ فترة مكاتب متنقلة لرئيس الجمهورية في شوارع الولايات الإثنى عشر استقبل من خلالها شباب وموظفين من مؤسسة الرئاسة 890 شكوى، كانت معبرًا لأحلام المواطنين واحتياجاتهم كي تجد سبيلا إلى التحقيق، وقال ميرزاييف إن تلك الشكاوى بعد فحصها من المختصين تبين أنها قضايا تراكمت منذ سنوات بسبب بعد بعض المسئولين عن الشعب، رغم أن ذلك أمر حيوي ومهم للغاية، لذا فإن تلك الخطوة لن تكون مؤقتة ولكنها ستستمر بهدف تأمين مصالح المواطن.
وأوضح أنه قد تم تدشين مؤسسة أخرى اسمها "خدمة مستشار الرئيس لحماية حقوق المواطن"، وهي ترصد نتاج عمل المكاتب المتنقلة بالولايات بشكل منعزل عنها، وترصد وتحلل الشكاوى وترفع تقارير بذلك إلى الرئيس لتضمينها في خطة الدولة، مشيرًا إلى أن المكاتب المتنقلة أنشأت بشكل تجريبي في إقليم قاراقلباقستان (قره قلباقستان) - وهي جمهوريّة أوزبكيّة مستقلّة ذاتيّاً غرب البلاد عاصمتها مدينة نكوص (نوكوس)، اسمها القديم خوارزم وتبلغ مساحتها ثلث مساحة الدولة، ومدينة طشقند العاصمة وعدد من الولايات البعيدة عن مركز الحكم وتقوم بحل المشكلات العاجلة بشكل قانوني مع السلطات المحلية.
وتعتبر أزمات الصراع الطائفي غير موجودة في أوزبكستان التي يعيش على أرضها قرابة 130 قومية مختلفة يدين معظمها بالإسلام على المذهب الحنفي، حيث يعيش الجميع على قيم التسامح التي تميز الدين الحنيف، وهو ما يبرز عند ضريح النبي دانيال –أحد أنبياء اليهود- في مدينة سمرقند التاريخية الذي أنشأه الأمير تيمور أبرز من حكم أوزبكستان، حيث يعتبر قبلة الزوار من الديانات السماوية الثلاثة على مر العصور، ذلك التسامح الذي يعتنقه الشعب ولفظ من يحملون أجندات إسلامية تكفيرية متشددة في أحداث أنديجان عام 2005، وهو ما نص عليه الدستور ومنح الجميع حقوق وحريات متساوية باختلاف قومياتهم ولغتهم، فضلا عن توفير الإمكانيات لهم للمحافظة على ثقافاتهم وتقاليدهم وعاداتهم وتطويرها من كافة الجوانب.
وكشف ميرزاييف في حديثه؛ عن الدور الذي يقوم به 138 مركز ثقافي قومي في إذابة الفروقات العرقية بين القوميات المختلفة وتطوير دورها للقيام بجهود تكرس للوحدة والوئام، مضيفًا أنه قرر إنشاء لجنة للعلاقات بين القوميات وتوطيد أواصر الصداقة مع الدول الأجنبية بدلا من المركز الأممي الجمهوري .
وبخصوص الحريات الدينية؛ قال ميرزاييف إن الأوضاع اختلفت عن سابقتها في الحقبة السوفيتية، حيث أصبح هناك 2024 مسجد بدلا من 80 مسجد فقط في عهد ما أسماه بـ"الاستعمار"، فضلا عن تمكن 7200 أوزبكي من أداء فريضة الحج هذا العام.
وكشف عن أنه زار المناطق الأثرية الدينية خصوصًا منطقة قشقادريا التي عاش فيها العلامة أبو المعين النسفي شيخ الطريقة الماتريدية، الذي درس في مدينتي بخارى وسمرقند وألف حوالي 15 كتاباً في علم الكلام في مسائل نقاء العقيدة الاسلامية حيث أوضح فيها قبل ألف سنة طريق الهداية للضالين في مسائل الدين وقرر إقامة مجمع إسلامي بجوار الضريح وترجمة مؤلفاته وطباعتها، كما قام بتطوير ضريح الإمام المحدث أبو عيسى الترمذي صاحب إحدى الصحاح الستة المعتمدة لدى أهل السنة في منطقة شير آباد بمحافظة سورخانداريا وأسس فيها مركزاً علمياً، فضلا عن تطوير ضريح بهاء الدين نقشبند في مدينة بخارى ومسجد الإمام الترمذي وضريح سوزوك آتا في طشقند.
وأبدى الرئيس الأوزبكي أسفه من أن عمليات إعادة الإعمار تلك لا تتناسب مع طموحاته والشعب الأوزبكي بالاحتفاء بالتراث الإسلامي التاريخي، في تلك الأرض التي تعتبر مهد للثقافة الإسلامية والتي أنجبت الإمام البخاري والترمذي والزمخشري وابن سينا والفارابي والفرغاني والخوارزمي والنقشبندي وغيرهم، حيث أنه شعر بالحزن عندما شاهد مدرسة "مير عرب" التاريخية -هي أضخم وأقدم مدرسة في مدينة بخارى بناها الشيخ عبد الله اليمني الحضرموتي الذي قصد المدينة للدراسة على يد القطب الصوفي الشهير "خوجا أحرار"- خصوصًا وأنها لا تقوم بالدور المنوط بها رغم تخرج عشرات العلماء والأئمة الذين أثروا العالم الإسلامي منها على مر العصور.
ولفت إلى أنه قرر إنشاء مركزًا للثقافة الإسلامية في العاصمة طشقند، بهدف توضيح مضمون الكرامة الحقيقية للإسلام الحنيف تحت شعار "المعرفة ضد الجهل"، مؤكدًا أنه سيتم إنشاء هذا المركز بالقرب من مجمع "حضرت إمام" المشهور وستُجمع فيه المعلومات الثرية حول العلماء والمفكرين المسلمين الذين برزوا من أوزبكستان إلى جانب الشعراء والأدباء والرسامين والخطاطين الذين ساهموا في تطور الحضارة العالمية، كما سيتضمن متحفًا ومكتبة غنية بالمعروضات النادرة، بالإضافة الى أنه ستجرى فيه البحوث والدراسات واسعة النطاق.
وكشف عن أنه سيتم في المركز عرض نماذج من التراث القيم لأجداده الأوزبك من أمثال الأئمة البخاري والترمذي والماتريدي وأبو المعين النسفي ونجم الدين كبرى ومحمود الزمخشري، والعلماء والمفكرين مثل محمد الخوارزمي وأحمد الفرغاني وأبو الريحان البيروني وابن سينا وميرزا أولوغبيك وعلى قوشتشي وعلي شير نوائي وظهير الدين محمد بابور والمصورين مثل كمال الدين بهزاد ومحمود مذهب، بالإضافة إلى صور المدن التاريخية التي ولدوا وترعرعوا فيها، بحيث يخصص لكل منهم قسم خاص يحكي حياته ونشاطه، بالإضافة إلى عرض نماذج من الآثار المعمارية التي بنيت في أوزبكستان على شرفهم والمؤلفات المخطوطة والمطبوعة ونماذج من الفن الخطي وأشياء من الفن التطبيقي لتلك الفترة وغيرها من المعروضات.
وأضاف أن المصحف العثماني الذي أحضره إلى أوزبكستان الأمير تيمور –كان يحكم إمبراطورية تضم معظم الدولة العثمانية القديمة تبدأ من قلب الصين وتنتهي في ستانبول- سيكون في متحف المركز، فضلا عن جهود يبذلها ومعه الحكومة لاستعادة المخطوطات النادرة المسروقة من أوزبكستان والتي تزين متاحف العالم ، وأن يقوم بإعداد مشروع قرار بإنشاء مركز خاص تابع لمجلس الوزراء يضم كوادر متخصصة ذات كفاءة في هذا المجال لجمع ما تم فقده، خصوصًا وأن المنظمات الدولية ذات النفوذ في العالم الإسلامي والشخصيات السياسية البارزة أبدوا عزمهم في التعاون بهذا الشأن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق