الأربعاء، 18 مارس 2015

على مشارف حرب باردة


تحت عنوان "على مشارف حرب باردة" كتب الأديب العربي السوري المعروف علي عقلة عرسان مقالة في صحيفة الوطن العمانية الصادرة يوم 18/3/2015 جاء فيها.
نحن لا نريد حركة اتحاد كتاب آسيا وإفريقية، المستعادة بعزمنا جميعاً، حركة أيديولوجية تسير في فلك حزب أو منظومة، ولكن نريدها حركة مستقلة تضم المبدعين على أهداف إنسانية كبيرة، حركة تقف ضد الظلم والعدوان والقهر والاستلاب والتمييز العنصري، وترفض استخدام الأدب والأدباء أدوات في الحروب الثقافية الباردة، وترفض جعل الأدب جزءاً من الإملاء السياسي..”
ـــــــــــــــــــــــــــــ


علي عقلة عرسان
إن الحديث عن نقض سيطرة قطب وحيد الطرف على الاقتصاد والسياسة والقرار الدولي، والتصدي للتدخل المباشر في شؤون البلدان والشعوب، ومحاولات التأثير في مقومات الهوية والخصوصيات الثقافية، والعمل على برامج من شأنها تغيير مفاهيم صحيحة راسخة أو ترسيخ مفاهيم مغاييرة في الدين، وفرض الأمركة بأساليب ووسائل وأدوات مختلفة، بعد فشل العولمة في صنع ذلك بنجاح.. وعودة شبح الحرب الباردة بين روسيا وحلفائها ومحيطها الجغرافي – الجيوسياسي من جهة والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين وغيرهم من جهة أخرى .. وكل ما يجري على وقع قرع نواقيس الخطر من جراء الحروب الساخنة في بلدان عربية وفي أوكرانيا، والاصطفافات الدولية الواضحة في محافل دولية ومنها مجلس الأمن الدولي، والصراعات الدائرة بصمت بأشكال عدة في مناطق من العالم.. كل ذلك يستدعي التفكير في حماية الحضارة الإنسانية التي تغتني بالتنوع، والمحافظة على حيوية التواصل الثقافي وجدواه، وعلى دور الإبداع في ترسيخ قيم وخصوصيات قومية ودينية ذات أفق إنساني. وهذا يجعلنا نحن شعوب البلدان والقارات التي تستهدف تلك الصراعات، ”ساخنة وباردة”، استقلالها وثرواتها وخصوصيتها وهوياتها وثقافتها ومستقبلها.. نعمل على حماية ذواتنا وثقافاتنا وندافع عن هوياتنا وإبداعنا المتنوع، بالوقوف في وجه من يشوه الأمم بالتبعية والثقافات بتحويلها إلى سلع وأدوات دعاية، ويضعها في خدمة سياسات استعمارية ذات ألوان عنصرية وممارسات عدوانية واستلابية بغيضة. وهذا يجعلنا نفكر جدياً بتكوين كتلة قوية تضم الكتاب والأدباء والمبدعين الذين يعنيهم الشأن الثقافي والحضاري على الصعيدين الخاص والعام، القومي والأممي، الوطني والعالمي.. الذي تهدده تلك الصراعات والعولمة المادية المتدنية الأهداف، وتستخدمه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها والاحتكارات المختلفة على الخصوص، استخداماً غير إنساني، وتوظفه لخدمة سياساتها واستراتيجياتها ومصالحها وطموحاتها في السيطرة على بلدان وشعوب وثقافات وعقائد.
لقد بدأ الغرب وحلفاؤه كما بدأت روسيا الاتحادية وحلفاؤها باتخاذ خطوات عملية على طريق تأسيس وتكوين تنظيمات ومؤسسات ووسائل إعلام ومراكز بحوث وعملية استقطاب لطاقات وكفاءات.. تعمل تحت شعارات ومسميات عدة، ولكنها تصب في مجرى ما عرف منذ خمسينات القرن العشرين وحتى منتصف تسعيناته بالحرب الثقافية التي كانت جزءاً مهماً جداً مما يتم في إطار الحرب الباردة، ولخدمة أهداف سياسية – اقتصادية – أيديولوجية.. إلخ، وتم بالفعل القيام بعمل في هذا الاتجاه، ومنه التفكير بإعادة أو استعادة تكوين تجمعات ثقافية ”فكرية وأدبية وإبداعية” للعمل على أهداف في هذا الاتجاه. ومن ذلك ما وضعته الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من برامج وما وظفته من وسائل إعلام وأسسته من مراكز بحوث ودراسات وما استقطبته وتستقطبه من كفاءات للعمل في مشروع سماه أحد الباحثين ”الإسلام الاوروبي وليس الإسلام في أوروبا، بعد إطلاق الرئيس أوباما لهذا المشروع تحت مسمى محاربة الإرهاب.. وقامت روسيا الاتحادية بتعزيز وسائل إعلامها، وتوجيه بث فاعل يحمل معلومات وتوجهات للرأي العام الأميركي تم الاعتراف غربياً بفاعليته ورغبته في المنافسة.. كما قامت روسيا الاتحادية بخطوات لاستعادة تنظيم اتحاد كتاب آسيا وإفريقية برؤية جديدة، وهو الذي كان ملاصقاً أو مكملاً من حيث المهام بمنظمة التضامن الأفرو – أسيوي.
وفي هذا الوقت الذي يفكر فيه معسكران كبيران لهما تاريخ وقدرات وأهداف وتجارب في هذا المجال، ولهما مصالح في التوجهات ”الثقافية – الإعلامية” الجديدة، فإن علينا أن نفكر في ذواتنا وثقافتنا وديننا وبكل ما يستهدفنا وما قد يصيبنا في هذا الصراع بين فرقاء لهم طاقات وخبرات هائلة في هذا المجال؛ وأن نبحث عن موقع ووجود فاعل لكيان عربي – إسلامي متماسك، يحصن ما يخصه من قيم ومقومات ثقافية وحضارية ودينية، ويتعاون باستقلالية وثقة واقتدار مع من يحمي الثقافة الإنسانية وقيمها وحرية التعبير بمفاهيمها السليمة، من تزاحم أضداد في صراع يؤثر سلبياً عليها، حيث كل من أطراف الصراع الذي يطل عيلنا مزود بقدرات وقوة شاملة ”تقنية ومالية” وبخبرات واسعة، وكل يرمي إلى تحقيق انتصارات، ولو كان ذلك على حساب الكثير من الهويات القومية والخصوصيات والمكونات الثقافية الأصيلة السليمة التي تتمتع بها أمم وشعوب، وهي من دون شك تغني الحضارة الإنسانية وتحفظ التنوع الخلاق في مجالاتها كافة.
ونحن إذ نقف أمام احتمالات كبيرة لاندلاع صراع من هذا النوع، ولمواجهة بدأت فعلاً تستهدف تقديم ما سمي ”إسلاماً جديداً” إسلام أوروبي ليس هو الإسلام في أوروبا كما أشار باحث أميركي مسؤول في البرامج المعدة لذلك.. علينا أن نفكر بشيء من الجدية في كل ما قد نتعرض له وفيما يمكن أن نساهم فيه.. فليس الانزواء بنافع ولا هو بممكن، ولا التبعية مقبولة بأي حال، ولا يمكن أن يكون غيرنا أعرف منا بما في بيتنا فيعيد ترتيبه لنا على هواه.. وفضلاً عن ذلك فنحن قدرات ثقافية وطاقات ينبغي أن تكون فاعلة وفق رؤية، ولا يمكنها أن تكون كذلك دون وجهة نظر ولو في أطر واسعة. وعلينا في هذا الصدد أن نستفيد مما كان في السابق إذ كنا بشكل ما في معسكري الحرب الباردة في القرن العشرين، ،نحن اليوم موزعين على فريقي التحالفات شئنا أن نعرف بذلك أم لم نشأ، فمنا من هو في ”الطرف، المعسكر” الأميركي – الأوروبي، ومنا من هو في ”الطرف، المعسكر ”الروسي الأوراسي”.. بهذه المناسبة، وللاستفادة من دروس الماضي، ربما كان مفيداً أن نستذكر بعض الماضي القريب، ماضي حركة متميزة للكتاب في آسيا وإفريقيا، كان بعضنا منضوياً فيها.. وكانت ذات رؤية وحضور وموقف ونشاط متميز.. وتتطلع إلى أن تضم الكتاب في أميركا اللاتينية إليها ضمن إطار حركة عالمية ذات أهداف ثقافية سامية، تمثل أكثر من 80% من شعوب المعمورة. ومن المفيد بتقديري تذكر ذلك الإطار والتوقف عند بعض إنجازاته، لا لكي نستعيده كما هو، ولا لكي نمشي في ”زفّة من يعملون على استعادته من دون معرفة حقيقية به، ولا لكي ننأى بأنفسنا كل النأي عنه وعن الصيغ الجديدة التي قد يكون عليها.. بل لكي نشارك بفاعليه فيما يجري في عالمنا ومن حولنا على أرضية من المعرفة والوعي، ونساهم في تطويره لنخرجه من انعكاسات الحرب الباردة الثقافية ومن علل السياسة التي التي فرضت نفسها عليه بأشكال مختلفة، أو فرضت عليها لوناً معيناً.
وحين نفكر باستعادته فلكي يقف إلى جانب الإبداع والحرية والهوية والاستقلال والسلام العادل، ومن أجل تعزيز انتماء الأدب للشعب ووقوفه إلى جانب القضايا العادلة، بعيداً عن أسواق الكلام التي أفسدت ضمائر وشوهت إبداعاً وأقلاماً، وأضنت شعوباً وأساءت لمعتقدات وتطاولت حتى على مقدسات مليارات من البشر في أرض البشر.. فإنما نفعل ذلك ليقف الإبداع بفعاليته العظيمة ضد العنصرية والإمبريالية والاستعمار الجديد وأشكال الهيمنة وتهديد أسلحة الدمار الشامل الموجودة بين أيدي بعض من يملكون أفكاراً ذات قوة تدميرية شريرة وشاملة، ويهددون أمن العالم واستقرار الشعوب والدول.. ولنقف ضد الاحتلال والهمجية والإرهاب بأشكاله: إرهاب الدول وإرهاب التنظيمات، وضد التعصب والتطرف بأشكالهما، وضد النظرات والمواقف المسبقة التي بنيت على جهل وتعصب ورسيس حروب دينية وطائفية ومذهبية منذ قرون.. ونحن نغرق اليوم في شيء من ذلك لا سيما في فلسطين والعراق وسوريا وفي أفغانستان واليمن وبلدان أخرى.. ومن أجل تحقيق هذا وعلى طريقه لا بد من التفكير بإعادة نظر في الهيكلية والأهداف وبعض أساليب العمل، لكي نكون أكثر حيوية وقدرة وحرية وتنوعاً وغنى وجرأة، أكثر ديمقراطية وحرية وقوة، لنحمي حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وعلى رأسها حرية التعبير، من التشويه والاستئجار والاستخدام البشع والتوظيف في خدمة سياسات مدمرة وغير إنسانية، ولكي نكون أكثر تأثيراً وصلابة وفعالية مما كنا عليه في ذلك الإطار المهم ”اتحاد كتاب آسيا وإفريقية.
لا يمكن القفز فوق عقود من الزمن كان فيها الشعب الروسي ومثقفوه يقودون شعوب الاتحاد السوفييتي السابق ويشكلون العمود الفقري في علاقاته مع المثقفين والكتاب والمبدعين في العالم، ومنهم مثقفون وكتاب ومبدعون من البلدان العربية، بصرف النظر عما في تلك الحقبة من أخطاء وممارسات وما عليها من مآخذ كثيرة.
وكان أوسع إطار لتلك العلاقات وأغناه اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا الذي أسس عام 1956 ”الفكرة، المبادرة” وعام 1958 الإعلان الرسمي، وكان من المشاركين في تأسيسه الكتاب العرب الذين أسسوا اتحادهم العام سنة 1954 ”الفكرة، المبادرة”ـ وسنة 1956 التأسيس الرسمي. وإلى جانب هذا الإطار وبحوافز منه كانت تقوم علاقات ثنائية بين اتحاد الكتاب السوفييت الذي كان يقوده عملياً الكتاب الروس واتحادات الكتاب في البلدان العربية. وكانت هناك علاقات بين كتَّاب في إطار تنظيمي والكتاب السوفييت ومن ثم الروس، منهم من أقام زمناً في روسيا واستقر هناك وما زال، ومنهم من بقيت له علاقاته الوطيدة بعد أن عاد إلى الوطن العربي بعد إقامة واستقرار ودراسة هناك، ومنهم من كانت علاقاته في إطار تنظيم أو صداقة أو روابط ثقافية.
بدأت فكرة تأسيس اتحاد لكتاب القارتين العظيمتين آسيا وأفريقيا عام 1956 في الهند، على هامش ندوة أقيمت هناك لكتاب آسيا حضرها ممثلون من سبعة عشر بلداً آسيوياً، وكان رئيس الوفد السوفييتي في ذلك اللقاء نيقولاي تيخينوف وقد التقى ذلك الوفد جواهر لال نهرو، وكان عام 1956 عام أحداث مؤثرة منها العدوان الثلاثي على مصر التي شارك رئيسها جمال عبد الناصر في مؤتمر باندونغ وفي اجتماع جزيرة بريوني مما كان له تأثير في ولادة حركة عدم الانحياز، وتعزز فيه التضامن الآسيوي الأفريقي، ومن الأعوام النشطة في الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
كان من المشاركين في لقاء الهند: أناتولي سوفرونوف من روسيا، وميرزا إبراهيموف من أذربيجان، والشاعرة الأوزبكية زولفيا التي قدمت باسم الوفد السوفييتي اقتراحاً باستضافة مؤتمر تأسيسي لكتاب القارتين يعقد في طشقند عام 1958. وفي المدة من 7 إلى 13 أكتوبر من ذلك العام عقد المؤتمر العام التأسيسي الذي حضره 204 كتاب من 37 بلداً آسيوياً وأفريقياً، إضافة إلى ضيوف من قارتي أوروبا وأميركا بلغ عددهم 22 كاتبا. وألقى كلمة الافتتاح الكاتب شرف رشيدوف من أوزبكستان، وتلا بيان التأسيس الشاعر الباكستاني فيض أحمد فيض المعروف بفايز أحمد فايز. وشاركت بلدان عربية في ذلك اللقاء منها مصر وسوريا ولبنان، واتخذ المؤتمر من كولومبو عاصمة سيريلانكا مقراً له، واستمرت كولومبو مقراً حتى عام 1964 حيث أصبحت القاهرة مقراً للاتحاد. وبعد كامب ديفيد ومقتل يوسف السباعي الأمين العام للاتحاد في نيقوسيا 18 نيسان/ابريل 1978 لم تعد القاهرة مقراً، ولم يتخذ الاتحاد قراراً باختيار مقر له، وبقيت المناقشات متصلة بين أعضاء الأمانة العامة حول العواصم المرشحة ومنها: دمشق وأديس إبابا حتى انهيار الاتحاد السوفييتي وتوقف الاتحاد عن العمل، حيث أصبح بحكم المنتهي منذ انتخاب لطفي الخولي أميناً عاماً للاتحاد في تونس ١٩٨٥ وقبل وفاته، حيث كان الأمين العام الأخير له. وقد عقد الاتحاد ثمانية مؤتمرات عامة إضافة إلى ندوات متخصصة منها ندوة للكتاب الشباب في طشقند، وندوة عن المسرح في آسيا وأفريقية عقدت في دمشق.. وكانت تلك مناسبات كبيرة للقاء الكتاب من القارتين، وللكتاب العرب والسوفييت بصورة خاصة، لا سيما وأن ثلاثة مؤتمرات من ثمانية عقدت في الوطن العربي وثلاثة عقدت في الاتحاد السوفييتي.
وقد عقدت ندوات ولقاءات ضمن نشاط ذلك الاتحاد نذكر منها: ندوة لشعراء آسيا وإفريقية في يريفان، وفي بيروت ديسمبر 1974 عقد لقاء لمحرري المجلات الأدبية في آسيا وإفريقيا، وفي فبراير 1975 عقدت ندوة في مانيلا حول موضوع الأدب والجيل النامي، وفي أكتوبر 1976 عقد لقاء في طشقند للأدباء الشباب.. كما عقدت لقاءات في كلكتا ”دور الكاتب من أجل النضال في سبيل السلام”، وفي كافاساكي ”أهمية الأدب في تكوين الوعي الاجتماعي وتطويره”، وفي دمشق “حول المسرح الآسيوي الإفريقي”، وفي فرونزه ”تفاعل ثقافات القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية”. وفي الجزائر. وكانت هناك نشاطات خاصة للكتاب السوفييت شارك فيها عدد كبير من الكتاب الآسيويين والأفارقة، و”..غدا الفن والأدب عنصراً من عناصر النضال في سبيل التحرر الوطني، وتكريس الأصالة القومية للشعوب المضطهدة سابقاً وفي سبيل الحل الإيجابي لمشكل التناسب بين التقاليد والتقدم في مجال العلم والتكنيك ووسائل الإعلام. ”وكان للاتحاد رؤية تكاد تكون صورة حية عن هذه الأيام التي تستمر فيها معاناة الفقراء وتراجع حركات التحرر في العالم من جراء ممارسات الاستبداد والاستعمار الجديد،”وتكاد صورة اليوم تنطبق على ما كان يجري في النصف الثاني من القرن العشرين حيث ”اقترنت مكائد الاستعمار الجديد السياسية في بلدان العالم الثالث وعمليات نهب مواردها الاقتصادية بهجمة شرسة على القيم الثقافية لهذه البلدان، استهدفت نسف الأصالة القومية لشعوبها”. وفي النتيجة شغف الكثير من الشباب بالأفكار والنظريات الرجعية التي طرحها المفكرون الغربيون، في محاولة لانتزاع الأدب من الواقع الحي ونكران دوره التربوي الإنساني، وإعفاء الكاتب تماماً من المسؤولية أمام المجتمع. ولذا ينبغي العمل بحزم على محاربة هذا النوع من الانحرافات.”
وكان شرف رشيدوف الكاتب الأوزبكي الذي كان من مضيفي الكتاب في المؤتمر التأسيس ” الأول” يطالبنا اليوم بما قاله في افتتاح المؤتمر اليوبيلي في طشقند عام 1984 حيث قال: ”نحن نتصدى لمحاولة الإمبرياليين والمستعمرين بذر الشقاق فيما بيننا وتفريق صفوفنا، ونحن نؤكد وحدتنا ومثلنا وتطلعاتنا المشتركة”. لقد كان هناك جهد ينصب على “النضال من أجل السلام والديمقراطية وحرية الشعوب”. ربما كانت نوايا السياسيين مختلفة، وبدا إفلاسهم صاعقاً.. ولكن الكتاب كانوا مخلصين في دعواتهم.. ولا نريد لمؤسسة نحييها أن تكون أداة تتلاعب بها السياسات، بل قوة تضع حداً لعبث الساسة بالناس والحقوق والحريات وقضايا الشعوب ومصالحها. لقد كان من أهداف الاتحاد ومن مقومات تكوينه أنه بيت للجميع يستشعرون فيه المسؤولية حيال الشعوب والقيم والثقافة، وكما قال الكاتب الروسي غيورغي ماركوف في طشقند: “لقد صاغ مؤتمر طشقند الأول المبدأ الرئيسي لوحدة أدباء آسيا وإفريقية وهو: ”تضامن الكتاب الأممي في النضال ضد الإمبريالية وفي سبيل التقدم الاجتماعي.”، ويمكننا اليوم أن نقول بكل ارتياح إن هذا المبدأ ظل راسخاً طوال تاريخ حركتنا.”
وكان هناك تركيز على دور الأدب والكتابة والإبداع ومن ذلك نذكر توجهات أكدنا عليها نحن الأدباء والكتاب في مؤتمراتنا ولقاءاتنا التي أقمناها في إطار ذلك الاتحاد، كنا نريد تدعيم مواقع الإبداع والمبدعين، وحضور الموقف الثقافي للكتاب والمبدعين في ساحة القرار السياسي، وأن نقف في وجه التدخل الاستعماري في الشؤون الداخلية لبلدان آسيا وإفريقية وشعوبها، ونريد لتلك البلدان والشعوب التحرر والتقدم، ونرى أن الأدب ينغمس في صلب حياة الشعوب ونضالها، ويقوم بهندسة النفوس وبنائها.
أذكر قولاً لزميل وصديق شاعر كالميكي هو دافيد كوغلتينوف قال: ”لا توجد آداب على هامش الحياة، إنها مترابطة بكل خيوطها وأشعتها وطاقاتها بحياة الشعوب.. للكلمة .. كلمة الحب .. كلمة الصداقة قوة جبارة“. وأنا أوافقه في هذا، بالقدر الذي أوافق فيه رأي صديقي دجوبان مولدا علييف الذي قال: “إن الحياة هي تجسيد لخلود الروح البشرية ومآثرها، وقد انطلقنا في نشاطنا الاجتماعي والإبداعي من هذا الإقرار الرائع.
نحن لا نريد حركة اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، المستعادة بعزمنا جميعاً، حركة أيديولوجية تسير في فلك حزب أو منظومة، ولكن نريدها حركة مستقلة تضم المبدعين على أهداف إنسانية كبيرة، حركة تقف ضد الظلم والعدوان والقهر والاستلاب والتمييز العنصري، وترفض استخدام الأدب والأدباء أدوات في الحروب الثقافية الباردة، وترفض جعل الأدب جزءاً من الإملاء السياسي.. حركة تحمي هويات الشعوب والشخصية الثقافية لكل أمة ومقومات خصوصيتها، وتحافظ على مناخ الإبداع السليم وعلى القيم الأخلاقية والإنسانية والجمالية، وعلى مناخ صحي للحوار والمثاقفة والتعاون ونشر الوعي والثقة المتبادلة والاعتماد المتبادل بين الأمم والدول.
لا نريد أن نتنكر لنضال شعوبنا عبر التاريخ، ولا لانتمائنا الوطني والقومي، ولا لعقائدنا الدينية، فالإيمان والهوية والانتماء القومي من مكونات الهوية ومن خصائص الشخصية الثقافية التي تُستهدَف من الإمبريالية وهذا مما لا يمكن محوه أو إذابته أو القفز فوق حقيقة رسوخه. وتجربة الاتحاد السوفييتي ودوله اليوم، بعد سبعين سنة من محاولات إذابة الدين والقومية، خير دليل قريب على ذلك.. فالدين لم يذب والقومية حية بل وتسبب صراعات ملحوظة.
ومما نرغب في التركيز عليه وحمله بشجاعة: تاريخنا وتراثنا اللذين نعزز بهما مواقف شعوبنا ونضالها من أجل الحرية، وانتماءها وهويتها وثقافتها. وربما من هذا المنطلق لا أتفق مع صديقي الكبير الشاعر المرحوم رسول حمزاتوف الذي ظن أنه كان ضحية تربية وجهل جعلاه يرى الشيخ شامل بطلاً قومياً أشاد به في قصائد، فوصف نفسه ووصف بطله بما أراد الآخرون أن يصفاهما به، ولكن.. هل شعب داغستان وشعوب القفقاس تنظر للشيخ شامل هذه النظرة، وتراه عميلاً للانجليز، وهو الذي دافع عن بلده وقوميته ودينه في وجه العسف القيصري.؟! قال حمزاتوف: ”على الشاعر ألا يكون ظلاً لزمنه، حدث معي الأمر التالي: كان ذلك عندما قالوا لي أن بطلي شامل عميل انجليزي تركي، وأعلنوا أنه لم يحارب من أجل حرية شعوب داغستان وإنما أشعل الكراهية بين الشعوب، فكتبت القصائد التي تفضح شامل، لم أعرف التاريخ ولم أفهم جوهر ما حدث، كنت أشبه في ذلك الجبلي الذي يتصفح القرآن وهو يجهل أي حرف من حروف الأبجدية العربية، ومع ذلك فهو يشعر بتجربة الفرح. فالشاعر لا يمكن أن يكون ظلاً لأن كلمة الشعر هي المنار دائماً ومنبع الضوء وإن كان هذا الضوء خافتاً، فالضوء الخافت والقوي في آن، لا يرمي الظلال .. الضوء يظل ضوءاً. وفي الشعر عليك أن تكون نفسك. وحتى تستحوذ على الآخرين عليك أن تذهب داخل الشعر بمشاعرك الطيبة، فالشعر والمكر.. الشعر والتخاذل لا يلتقيان.”.
وقد أصدر الاتحاد مجلة الآداب الأفرو ـ آسيوية ابتداء من عام 1968 وبعد ستة أعداد أصبح اسم المجلة لوتس، وكان ذلك الجهد التأسيسي والتنظيمي بقيادة عربية، وكانت المجلة منبراً للاتحاد، وأقامت شبكة تواصل وتفاعل متميزة من خلال ما نشرته من إنتاج أدبي باللغات: العربية والفرنسية والإنجليزية، وفتحت باباً لترجمة أعمال أدبية ولتعارف أفضل بين الكتاب الروس والكتاب في القارتين. وفي عام 1969 أسست جائزة لوتس وقد حصل عليها عدد من الكتاب العرب والروس. منهم من العرب: مصطفى الفارسي، محمود درويش، عبد الكريم الكرمي ”أبو سلمى”، سامي الدروبي، سليمان العيسى، عبد العزيز المقالح، وعبد الرحمن الخميسي، ومن السوفييت أذكر: سرفار عظيموف، أناتولي سوفرونوف، كامل ياشين، غيورغي ماركوف، رسول حمزاتوف، ميرزا إبراهيموف وآخرين. وفي الثمانينات بدأ الاتحاد بالإشراف والتعاون من أجل جائزة ابن سينا الدولية، وقد حصل عليها من العرب: محمود درويش وعلي عقلة عرسان.
وكان للكتاب السوفييت والعرب دور كبير في دفع حركة الترجمة من الروسية إلى العربية ومن العربية إلى الروسية، الأمر الذي أسفر عن وجود عدد كبير من الأعمال المترجمة من الروسية إلى العربية على الخصوص. وتضمنت مكتبة الأدب العالمي التي أصدرها الاتحاد السوفييتي السابق ـ وهي من 200 مجلد ـ تعريفاً بالأدب العربي، وترجمت نصوص أدبية لكتاب عرب منهم جبرا إبراهيم جبرا، والطيب صالح، ونجيب محفوظ، وعبد السلام العجيلي، وجبران خليل جبران، ومحمود درويش، وعبد الرحمن الخميسي، ومعين بسيسو، وعلي عقلة عرسان، ويحيى يخلف، وغسان كنفاني، وحنا مينة، ويوسف السباعي، ويوسف إدريس.. إلخ. وكانت هناك علاقات ثنائية بين اتحاد الكتاب السوفييت واتحادات وروابط كتاب عربية واتفاقيات تنص على تبادل الوفود والتعريف المتبادل بالأدب، وتشجيع الترجمة، والتنسيق في اللقاءات والمؤتمرات الدولية. وقد استفاد كثيرون من الكتاب العرب والروس من هذه الاتفاقيات، وانعكس ذلك إيجاباً على الحياة الثقافية العربية والروسية وثقافة الشعوب في آسيا وإفريقية، وشارك كثير من الكتاب العرب والأفارقة في نشاطات أقامها اتحاد الكتاب في العهد السوفييتي وتواصلوا مع آخرين من قارات أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق