السبت، 23 ديسمبر 2017

مصر وأوزبكستان.. ربع قرن على العلاقات الدبلوماسية

طشقند 23/12/2017 أعدها للنشر أ.د. محمد البخاري. تحت عنوان "مصر وأوزبكستان.. ربع قرن على العلاقات الدبلوماسية" نشرت صحيفة "الوسيلة نيوز" الإلكترونية المصرية يوم 23/12/2017 مقالة كتبها: أحمد عبده طربيك، وجاء فيها:

تحتفل مصر وأوزبكستان هذا العام بمرور خمس وعشرون عاماً علي إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وقد يعتقد البعض أن العلاقات بين البلدين تعود إلي هذا التاريخ وحسب، لكن هذا ليس صحيحاً، فالعلاقات بين مصر وأوزبكستان علاقات تاريخية راسخة، ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، تشهد بها الآثار والمعالم التاريخية والأثرية التي تركها العلماء والقادة الأوزبك الذين عاشوا في مصر، لتحكي للأجيال علي مر العصور، ما كان بين الشعبين من روابط وعلاقات، راجية أن يسير الأبناء علي درب الآباء والأجداد في مواصلة تلك المسيرة الحافلة من العلاقات القوية التي جمعت بين مصر وأوزبكستان.
فقد كان للأوزبك إسهاماتهم في الحياة الحضارية في مصر على امتداد تاريخها، ويأتي في هذا السياق التاريخي للآثار التراث الأوزبكي في مصر، "مقياس النيل" بجزيرة الروضة في القاهرة الذي أنشأه العالم أحمد الفرغاني، في عام 247 هـ، وما زال هذا المقياس قائماً إلى اليوم. وجامع "ابن طولون" أكبر جوامع مصر من حيث المساحة إلى اليوم، الذي أنشأه أحمد بن طولون، وانتهى من بنائه سنة 265هـ / 878 م، وجعله معهداً لتدريس علوم الدين والقرآن وعلوم اللغة، كما أنشأ أيضًا مستشفى ألحق به صيدلية وحمامين، ورتب له الأطباء والصيادلة والخدم للعناية بالمرضى، وأوقف عليه الأوقاف لتأمين نفقاته. كما أنشأ "أحمد بن طولون" أيضًا مدينة "القطائع" لتكون عاصمة في مصر بدلاً عن "الفسطاط"؛ لتصبح بذلك ثالث عواصم مصر في العهد الإسلامي. كما كان للإخشيديين لمساتهم الحضارية، فهذا بستان "الإخشيد" الذي أنشأه الأمير محمد بن طفج الإخشيدي، على ست وثلاثين فدانًا، وكان يتردد عليه ويقيم به الأيام، ومحله اليوم فيما بين جامع "الشعراني"، و"السكة الجديدية" قريبًا من "قنطرة الموسكي".
كما أنشأ "سيف الدين أوزبك اليوسفي" حديقة الأزبكية نسبة إليه، فصارت مقصد سكان القاهرة إلى اليوم، حيث نشأ حولها حي شهير هو حي "الأوزبكية" أحد أحياء القاهرة الهامة الآن، وهناك أيضاً شارع "أوزبك" الذي يبدأ من آخر شارع الصليبية بجوار قلعة صلاح الدين، وينتهي عند بركة الفيل، وكان هذا الشارع من الشوارع المهمة في القاهرة المملوكية، وبه سكنى الأمراء، ويضم المساجد والدور الكبيرة، وفي هذا الشارع يقع جامع أوزبك الذي أنشأه الأمير أوزبك اليوسفي في عام 900 هـ، ويتبعه سبيل، وأوقف عليه الأوقاف.
أما عن العلاقات الحديثة بين مصر وأوزبكستان، فذلك يرجع إلى ما بعد استقلال أوزبكستان عن الإتحاد السوفييتي عام 1991، فكان افتتاح أول سفارة عربية لمصر في طشقند حدثاً هاماً في تاريخ العلاقات المشتركة، حيث كانت أول سفارة عربية بها، وكان الحدث الهام الثاني من السنوات الأولى لإستقلال أوزبكستان هو افتتاح سفارة أوزبكستان بالقاهرة، وكان من ثمار العمل الدبلوماسي المشترك التحضير لتبادل الزيارات بين المسئولين في الجانبين، للتوقيع على اتفاقيات هامة لكلا الجانبين، ومن بين تلك الاتفاقيات، اتفاقيات منع الإزدواج الضريبي، والتعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والمالية والصحية والزراعية والثقافية والشباب والنقل، خاصة وأن مصر تشغل مكانة هامة على الخارطة السياسية في الشرق الأوسط.
اعترفت مصر باستقلال أوزبكستان في 26 ديسمبر 1991، وفي ديسمبر 1992 زار الرئيس الراحل إسلام كريموف القاهرة على رأس وفد حكومي كبير تم خلالها التوقيع على اتفاقية أسس العلاقات والتعاون بين مصر وأوزبكستان؛ وعدد من الاتفاقيات في قطاعات التعاون الاقتصادي والعلمي والفني؛ والنقل الجوي؛ وتشجيع وحماية الاستثمارات. وللتغلب على مشكلة نقص العملات الأجنبية تم الاتفاق على صيغة الصفقات المتكافئة، كصيغة للتبادل التجاري بين البلدين. وقد مثلت تلك الاتفاقيات الأساس الذي استندت إليه العلاقات الثنائية فيما بعد. وقام وفد رفيع برئاسة نائب رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت الدكتور كمال الجنزوري بزيارة طشقند يوم 23 يناير 1992، تم خلالها التوقيع على بيان مشترك لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
العلاقات التاريخية بين مصر وأوزبكستان ترسم آفاقاً رحبة للمستقبل، وخاصة أن ما بين البلدين من القواسم المشتركة ما يعزز ويدعم تطوير العلاقات بينهما، وإذا كان ما يجمع بين مصر وأوزبكستان من أواصر وعلاقات تتمثل في النواحي الدينية والثقافية والحضارية، فإنه يمكن البناء على تلك الروابط لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية، وإيجاد شبكة من المصالح المتبادلة يمكن لها أن تستفيد من الروابط والعلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين، وفي نفس الوقت تستطيع أن تنمي تلك العلاقات وتزيدها متانة ورسوخاً.
تلتقي كل من مصر وأوزبكستان في أنهما دائماً يعملان على تعزيز سياستهما الخارجية، وهذا ما يفسر تنامي وتطور العلاقات بين البلدين، إذ تتطور العلاقات التجارية والاقتصادية المشتركة باضطراد، ويجب الإشارة هنا إلى أن التعاون المشترك حالياً منصب قبل كل شيء على الإمكانيات والقرات التكنولوجية المتوفرة لدى الطرفين انطلاقاً من مبدأ المنفعة المتبادلة وبهدف توسيع القدرات الإنناجية القائمة لدى الجانبين، من خلال إقامة اتجاهات جديدة في الاقتصاد الأوزبكي من ناحية، ولتعزيز الشراكة التجارية والاقتصادية والإنتاجية المشتركة من ناحية أخرى.
تعتبر مصر نقطة انطلاق لتوسيع الصادرات الأوزبكستانية إلى منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، وتعزيز التبادل التجاري معها. وهو الدور ذاته الذي يمكن تلعبه سورية في المستقبل بعد ربط خطوط السكك الحديدية الإيرانية والسورية عبر العراق، لتصبح السكة الحديدية المارة عبر تركمانستان وإيران والعراق وسورية منفذاً جديداً وقصيراً ومنحفض التكاليف لأوزبكستان وآسيا الوسطى إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، القريبة من موانئ البحر الأحمر وشرق إفريقيا عبر قناة السويس، خاصة وأن شبكات السكك الحديدية في آسيا الوسطى مرتبطة بالسكك الحديدية الإيرانية منذ سنوات. وهذا بطبيعته سيعزز من الدور المصري كمنفذ إلى القارة الإفريقية في السياسة الاقتصادية الخارجية لأوزبكستان. وهو ما سيساعد أيضاً على المحافظة وتدعيم الاستقرار ويؤمن التوازن الاقتصادي الذي يعتبر الاتجاه الرئيسي في سياسة القيادة المصرية.
تتشابه مصر مع أوزبكستان في كثير من الأمور التي تجعل من كليهما قائداً لعملية النمو الاقتصادي في منطقته الجغرافية إذا ما أحسن استثمار الظروف والامكانيات وتطويرها، فمصر هي أكبر دول المنطقة من حيث عدد السكان، وكذلك أوزبكستان التي تعتبر أكبر دول آسيا الوسطى من حيث عدد السكان، وتلك الكثافة السكانية بجانب استثمارها كقوة ومصدر من مصادر الطاقة البشرية وسوق العمل، فإنها تمثل سوقاً هاماً لمختلف المنتجات.
كثيراً ما يكون تفسير ضعف مستويات التعاون بين مصر وأوزبكستان، أو حتى بين العالم العربي ودول آسيا الوسطى هو تشابه القاعدة الاقتصادية بين المنطقتين، حيث تتشابه ظروف انتلج بعض المنتجات الزراعية مثل القطن في كل من مصر وأوزبكستان، الأمر الذي يجعل كلا المنطقتين في حالة تنافس وليس التكامل، ولكن تلك الأسباب ليست مبرراً لهذا الضعف الكبير في التعاون بين منطقتين بينهما الكثير من الروابط التاريخية والدينية والثقافية، فضلاً عن الأهمية الاستراتيجية لكلا المنطقتين تجاه الأخرى. يمكن أن يكون التشابه في البنية الاقتصادية عاملاً من عوامل التعاون والتكامل بين مصر وأوزبكستان، أكثر من كونها حالة تنافس، فالتشابه في القطاعات الاقتصادية يكون له دور فاعل في التنسيق والتكامل بين البلدين في الانتاج والتسويق، وتبادل الخبرات وتطوير عمليات الإنتاج، هذا بالإضافة إلى أن تبادل الاستثمارات في القطاعات المختلفة يجعل من عملية التنمية أكثر فاعلية.
التعاون بين مصر وأوزبكستان هام وحيوي لكلا الدولتين من الناحية الاقتصادية والجيواستراتيجية، فمنطقة آسيا الوسطي دولها حبيسة لا تطل علي أي من البحار أو المحيطات المفتوحة، الأمر الذي يجعلها في حاجة للوصول إلي المنافذ البحرية ، خاصة مع ارتفاع تكلفة النقل الجوي، والوصول إلي المنافذ البحرية يرتبط بدول معينة من دول الجوار المباشر مثل إيران والصين وباكستان وروسيا، وإن كانت دول الإقليم تفضل إيران نظراً لكونها الأقرب إلي دول الشرق الأوسط وخاصة المنطقة العربية، والأكثر مرونة من الناحية الأمنية، إلا أنها تظل في حاجة إلي الدول العربية لتكون البوابة إلي مختلف مناطق العالم الهامة، وإلي داخل الدول العربية الأخري.
رغم أن الخلفيات التاريخية والثقافية والإستراتيجية والاقتصادية والسياسية تمثل أهدافاً وعوامل دفع لتطوير العلاقات بين مصر وأوزبكستان، إلا أنها تظل عوامل نظرية لا ترقي إلي الواقع العملي، والجانبان يتحملان الجزء الأكبر من المسؤولية عن ذلك، فمن المفترض أن لا ينتظر الطرفين مساعدة طرف ثالث علي منحهما الدعم من أجل التعاون والتقارب، خاصة إذا ما كان هذا الطرف الثالث ليس من مصلحته التقارب بين العالم العربي ودول آسيا الوسطي. إذا كنا بصدد البحث عن العقبات التي تعترض عملية التعاون بين مصر وأوزبكستان خاصة، وبين الدول العربية ودول آسيا الوسطي بشكل عام من أجل تذليلها، فإنه لا بد من إعادة النظر في منهج العمل المعتمد لدي الجانب العربي، فهو في حاجة كبيرة إلي مراجعة وتعديل سواء من حيث كثافة التفاعل أو فيما يتعلق بالأدوات المستعملة للتقارب مع تلك الجمهوريات، فمد جسور التعاون لا تنمو ولا تصمد إلا بتوفير الدعم المالي والقاعدة الاقتصادية التي يمكن أن تقف عليها، فالعمق الثقافي مهما بلغ بين الشعوب سيفقد معناه وقيمته طالما لا تتم ترجمته إلى واقع يلمسه سكان تلك المنطقة، وكذلك وجود ثمرة تلمسها الشعوب العربية نتيجة لهذا التعاون مع دول وشعوب تلك المنطقة.
مصر دولة زراعية، وكذلك أوزبكستان، ولكل منهما له خبرات طويلة في فنون وتقنيات ذلك القطاع، وقد كانت مصر ولسنوات طويلة، ومنذ أن أدخل محمد علي باشا زراعة القطن فيها، وهي تتميز بإنتاج أجود أنواع القطن طويلة التيلة، وظلت طيلة عدة عقود على قمة الدول المنتجة لذلك النوع من القطن، ولكن في السنوات الأخيرة تناقص انتاج مصر من ذلك المنتج، الذي تقوم عليه ععد من الصناعات الهامة كثيفة العمل، أهمها صناعة الغزل والنسيج، وصناعة الزيوت.
وتتشابه أوزبكستان مع مصر في أنها من أهم دول العالم المتقدمة في انتاج القطن، وقد وصلت إلي مراحل متقدمة من الناحية العلمية والتقنية في انتاجه، حيث أنه تنتج الأقطان الملونة، والأقطان المقاومة للحشرات الضارة بهذا المنتج، ويمكن لمصر وأوزبكستان أن يكون بينهما تعاون كبير في هذا انتاج هذا المنتج الهام، وأن تكونا في مقدمة الدول المحتكرة لإنتاج القطن.
كما أن إنتاج الحبوب الذي تعتبر مصر أكثر دول العالم استيراداً للقمح، يمكن أن يكون التعاون كبيراً بين مصر وأوزبكستان في مجال زراعة القمح، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال الإستفادة بالخبرات، والاستثمارات المتبادلة في مجال زراعة القمح، هذا بالإضافة إلى زراعة الخضراوت، حيث تعتبر مصر وأوزبكستان من أكبر الأسواق كلاً في منطقته، فمصر أكبر دول منطقة الشرق الأوسط من ناحية السكان، وكذلك أوزبكستان أكبر دول آسيا الوسطى من حيث عدد السكان أيضاً، هذا بالإضافة إلى إمكناية أن تكون كلا البلدين مركزاً إقليمياً لإنتاج وتسويق منتجات الطرف الآخر.
الثراء والتنوع في المعالم التاريخية والأثرية في كل من مصر وأوزبكستان، هذا بالإضافة إلى عوامل الجذب السياحي الأخرى كالموقع الجغرافي والمناخ والبنية الأساسية، كلها عوامل تجعل من الدولتين على قائمة الدول الجاذبة للسياحة، كما يمكن لهما أن يكونا مركزي جذب وتعاون سياحي بين كلا منهما، خاصة مع تشابه الكثير من العادات والتقاليد بين المجتمعين المصري والأوزبكي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق