الخميس، 30 يونيو 2016

قتيبة بن مسلم فاتح المشرق الإسلامي


تحت عنوان "قتيبة بن مسلم.. فاتح المشرق الإسلامي" نشرت جريدة "الخليج" بتاريخ 22/6/2016 مقالة كتبها: حمد حماد، وجاء فيها:


قائد إسلامي شهير يعتبر من كبار القادة الذين سجلهم التاريخ، قاد الفتوحات الإسلامية في بلاد آسيا الوسطى (ما وراء النهر) في القرن الأول الهجري، وعلى يديه فتحت هذه البلاد التي تسمى اليوم بالجمهوريات الإسلامية، التي انفصلت عما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي، وتوغل حتى حدود الصين.
هو قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن الأمير أبو حفص الباهلي، أبوه مسلم بن عمرو من أصحاب مصعب بن الزبير والي العراق من قبَل أخيه أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير، وقاتل معه في حربه ضد عبد الملك بن مروان سنة 72هـ (692م)
ولد قتيبة بن مسلم سنة 49 هـ بأرض العراق في بيت إمارة وقيادة، تعلَم العلم والفقه والقرآن، وفي الوقت نفسه تعلم فنون الفروسية حتى قيل: نشأ قتيبة على ظهور الخيل، ولفتت مهاراته القائد المهلب بن أبي صفرة وكان خبيراً في معرفة الأبطال ومعادن الرجال فأوصى به والي العراق الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي، فانتدبه لبعض المهام ليختبره بها، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذَة، ثم ولَاه عبد الملك بن مروان مدينة الرَي، وولَاه -أيضاً- خراسان، وقد كانت حينها من أعمال العراق، وهي تحت إمرة الحجاج، فلم يعبأ بشيء سوى الجهاد، فلمَا وصل خراسان سنة (86هـ، 705م) علا بهمته إلى فتح بلاد ما وراء النهر، وأقام بخراسان ثلاث عشرة سنة، وانطلق منها إلى فتوحاته الكبيرة. وكان المهلب بن أبي صفرة والياً على خراسان من عام 78هـ حتى عام 86هـ، وقد رأى الحجاج أن يدفع بدماء شابة جديدة في قيادة المجاهدين هناك، فلم يجد أفضل من قتيبة بن مسلم لهذه المهمة، ومنها بدأ قتيبة بن مسلم فتوحاته، وسار على الخطَة نفسها التي سار عليها آل المهلب، التي تعتمد على الضربات السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقتًا للتجمُع أو التخطيط لرد الهجوم على المسلمين.
مسيرة مظفرة
ابتدأ قتيبة مسيرته إلى فتح الشرق كله، ففتح المدائن مثل خوارزم وسجستان، حتى وصل إلى سمرقند، فحاصرها حصاراً شديداً حتى صالحه أهلها على أموال كثيرة جداً، ومن جميل ما يروى في فتح سمرقند أن المسلمين حينما دخلوها أخرجوا ما فيها من الأصنام وأحرقوها، وكان أهل سمرقند يعتقدون أن من استخف بها هلك، فلما أحرقها المسلمون ولم يصابوا بأذى أسلم من أهلها خلق كثير.
وفطن له الصُغْد فجمعوا له الجموع؛ فقاتلهم في شومان قتالاً عنيفاً حتى هزمهم، وسار نحو بيكَنْد (باي قند) وهي آخر مدن بُخَارَى، فجمعوا له الجموع من الصُغْد ومَنْ وَالَاهُم فأحاطوا به من كل مكان، وكان له جواسيس بين صفوفهم يمدُونه بالأخبار، فلما عرفوهم أعطوهم أموالًا طائلة ليصدُوا عنهم قتيبة، فجاؤوا يُثَبطونه عن قتالهم فقتلهم، ثم جمع الجيش وخطب في جنوده وحثَهم على القتال، فقاتلوا أشدَ القتال، وفتحوا الطوق وغنم منها أموالًا لا تُحصى، ثم اتَجه ناحية الصين، فغزا المدن التي في أطرافها وانتصر عليها، وضرب عليهم الجزية، فأذعنت له بلاد ما وراء النهر كلها.
الصين تدفع الجزية
بلغ عظم فتوحات قتيبة مستوى جعل ملك الصين، مهاب الجانب في منطقته، يرسل بالهدايا إلى الفاتح العظيم حتى يدفعه إلى التراجع عن قسمه بأن يدخل المسلمون الصين، وأرسل له حفنة من تراب الصين ليطأها حتى يكون قد أبر بقسمه، وكان قتيبة بن مسلم لما ولي القيادة أقسم أن يطأ أرض الصين، وتوغل في بلاد ما وراء النهر إلى أن وصل إلى تركستان (تركستان الشرقية) التي هي الآن خاضعة للصين فأرسل ملك الصين إليه وزراءه ووفده، وقالوا له: لا تدخل إلى أرضنا ونحن نرضيك بما تشاء وندفع لك من الجزية ما تشاء، فَقَالَ لهم: أقسمت أن أطأ أرض الصين، قالوا: نَحْنُ نعطيك ما تبر به بقسمك، فذهب وفد ملك الصين وأخذوا تراباً من تراب الصين وحملوه وجاؤوا به إلى قتيبة، فوطأه بقدمه ووقف عليه، وأخذ منهم الجزية.
أخذ قتيبة يخطط لكي ينطلق من فرغانة - وهو إقليم يمتد حالياً بين أوزبكستان وطاجكستان وقرغيزيا - لكي يؤمن حدود الدولة الإسلامية، ويثبت فتح البلاد التي وطأتها جيوش الإسلام، إلا أن التغيرات السياسية التي وقعت في تلك الفترة عقب وفاة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وتولي سليمان بن عبد الملك الخلافة، أطاحت بالقائد قتيبة من منصبه والياً على خراسان ومن قيادة الجيش، ليتوقف عند التخوم الغربية للإمبراطورية الصينية، وتحديداً عند منطقة كاشغر (قشقار)، التي تقع في تركستان الشرقية داخل حدود الصين الحالية.
مقتل قتيبة
حارب قتيبة ثلاث عشرة سنة لم يضع فيها السلاح، وقد كان من فضل جهاد قتيبة ورجاله أن الله أذن بدخول الإسلام إلى ربوع المشرق الإسلامي، والذي يضم بلاداً تتوزع اليوم بين إيران وأفغانستان، أما الجزء الأكبر منها فيقع في الجمهوريات الإسلامية الخمس في آسيا الوسطى كازاخستان (قازاقستان)، وأوزبكستان، وتركمانستان، وطاجكستان، وقيرغيزيا.
كان قتيبة بن مسلم من قادة الحجاج بن يوسف الثقفي، وهو يعلم مقدار كراهية سليمان بن عبد الملك للحجاج، فلما ولي سليمان الخلافة خشي قتيبة من انتقامه؛ لأنه وقف إلى جانب الوليد بن عبد الملك حين أراد أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعلها لابنه، ولذلك عزم قتيبة على الخروج على سليمان، وجمع الجند والجيوش وعزم على خلع سليمان بن عبد الملك من الخلافة وترك طاعته، وذكر لهم همته وفتوحه وعدله فيهم، ودفعه الأموال الجزيلة إليهم، فلما فرغ من مقالته لم يجبه أحد منهم إلى مقالته، فشرع في تأنيبهم وذمهم، قبيلة قبيلة، وطائفة طائفة، فغضبوا عند ذلك ونفروا عنه وتفرقوا، وعملوا على مخالفته، وسعوا في قتله، وكان القائم بأعباء ذلك رجل يقال له وكيع بن أبي سود، فجمع جموعا كثيرة، ثم ناهضه فلم يزل به حتى قتله، وقتل معه أحد عشر رجلاً من إخوته وأبناء إخوته، ولم يبق منهم سوى ضرار بن مسلم.
ولما تولى «يزيد بن المهلب بن أبي صفرة» على خراسان، بأمر من الخليفة سليمان بن عبد الملك سنة «97 هـ» - وجه همه إلى فتح «جرجان» و«طبرستان»، ولم يكن المسلمون قد وطأوا أيهما من قبل، وذلك حتى يحقق فتحاً يسعد سليمان كما كانت نجاحات «قتيبة» تسعد الوليد.


هناك تعليقان (2):