الجمعة، 24 يونيو 2016

رؤية منظمة شنغهاي للتعاون لمستقبل العالم


تحت عنوان "رؤية منظمة شنغهاي للتعاون لمستقبل العالم - خاص بـ Eurasia Diary" نشرت "Eurasia Diary" يوم 24/6/2016 مقالة للدكتور أحمد عبده طرابيك، من جامعة القاهرة، وهذا نصها:


تأسست منظمة شنغهاي للتعاون عوضاً عن مجموعة "خماسية شنغهاي" في 14 سبتمبر 2001 في ألماطي بكازاخستان (ألماآتا، قازاقستان)، وافتتحت مقر الأمانة العامة لها في بكين في 15 يناير 2004 ، وفي فبراير من نفس العام أفتتحت في طشقند مقر الجهاز الإقليمي لمكافحة الإرهاب، حيث نشأت المنظمة تحت اسمها القديم بخمس دول، ووصل عددها إلي ثمانية الآن، منها أربع دول نووية "روسيا، الصين، الهند، باكستان، واثنين من أكبر دول العالم من حيث السكان "الصين ،الهند". 
 تهدف المنظمة إلي تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والأمنية، وتخفيف حدة التوتر علي الحدود المشتركة للدول الأعضاء، وتنمية العلاقات في المجالات التجارية والاقتصادية، خاصة وأنها تمتلك قدرات وموارد بشرية وطبيعية كبيرة، فقبل انضمام الهند وباكستان، كانت مساحة الدول الست الأعضاء في المنظمة تبلغ أكثر من 30 مليون كيلو متر مربع، بينما يبلغ عدد سكانها 1.5 مليار نسمة. 
منظمة شنغهاي للتعاون التي اشتد عودها في الظروف الجديدة آخذة بتحديد أهدافها ومهماتها للعقد المقبل، وتؤكد وفاءها للأسس التي نص عليها ميثاقها، ولكنها في الوقت نفسه تدقق وتحدد مهماتها ومجالات عملها، فإذا كانت هذه المنظمة الدولية تتبنى استراتيجية لمدة عشر سنوات، مدركة تحركاتها بدقة، بالإضافة إلى توسعها من حيث عدد الأعضاء، فهذا يعني أنها تحقق أهدافها بنجاح، وتسير في طريق التعاون المنشود للدول الأعضاء، فقد أثارت مسألة توسيع المنظمة أصداء واسعة، وهذا أمر طبيعي، كما أنها وللمرة الأولى منذ تأسيسها تتخذ قراراً بزيادة عدد أعضائها، وتدخل في قوام هذا الاتحاد الإقليمي بلدان كبرى في أوراسيا، خاصة أن ذلك يحتاج إلى بعض الوقت، حيث أن إجراءات انضمام أعضاء جدد تقتضي المرور بمراحل عدة، وبضرورة انضمام الدولة صاحبة الطلب إلى مجموعة كبيرة من الاتفاقيات القانونية الدولية.  
خلال قمة المنظمة الخامسة عشر في طشقند عاصمة أوزبكستان يومي 23، 24 يونيو 2016، تم التوقيع علي أحد عشر اتفاقية ووثيقة، ثمانية منها علي مستوي رؤساء الدول، وثلاث علي مستوي الوزراء والهيئات، وكانت وثيقة إعلان طشقند بمناسبة مرور خمسة عشر عاماً على تأسيس منظمة شنغهاى للتعاون، هي الوثيقة الرئيسة للقمة، والتي تضمنت تقييماً لعمل المنظمة منذ نشأتها، والأساليب التى يتم التنسيق حولها من قِبل الدول الأعضاء، والتي تهدف إلي وضع خطط التطوير، وموقف المنظمة إزاء الأوضاع الجارية علي الساحتين الدولية والإقليمية، وإيجاد حلول لقضايا الأمن والاستقرار الملحة.   
وضعت القمة خطة عمل للسنوات الخمس المقبلة "2016 - 2020" والتي تتضمن تحقيق استراتيجية تطوير المنظمة حتى عام 2025، حيث شملت  الوثيقة التي تضمت 74 بنداً بعض التدابير المحددة الرامية إلي تحقيق الاستراتيجية التى تم إقرارها فى جلسة مجلس قادة الدول الأعضاء فى منظمة شنغهاى للتعاون عام 2015، وهى استراتيجية الاتجاهات الرئيسة للتعاون المشترك بين الدول الأعضاء فى المنظمة، وذلك فى المجالات الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والانسانية، والثقافية، وتبادل المعلومات، والعلاقات مع العالم الخارجي.  
اعتمد قادة الدول الأعضاء فى منظمة شنغهاى للتعاون قبول كل من الهند وباكستان كعضوين جديدين في المنظمة، وذلك بعد تقديم الدولتين طلباً بذلك متضمناً التزامهما بالانضمام إلى الاتفاقات الدولية للمنظمة، وتحديد الاشتراكات المالية المقررة فى موازنتها، وكذلك عدد من المهام الوظيفية فى الهيئات الدائمة العاملة للمنظمة، والتى تم النص عليها للجانبين الهندى والباكستانى، ويزيد انضمام الدولتين من توسيع إمكانيات المنظمة في مواجهة التحديات والتهديدات المعاصرة، ويرفع قدراتها وإمكانياتها السياسية والاقتصادية والأمنية بشكل كبير. 
قبل قمة طشقند، كانت منظمة شنغهاي للتعاون تضم ستة أعضاء، هي "روسيا، الصين، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان " وقد زاد الأعضاء إلي ثمانية بعد قبول عضوية كل من الهند وباكستان، إلي جانب الدول المراقبة "أفغانستان، إيران، منغوليا، بيلاروسيا"، والشركاء في الحوار "تركيا، سريلانكا، أذربيجان، أرمينيا، كمبوديا، نيبال"، ويربط بين كل هذه الدول أنها تدافع عن حقها في التطور، مع الأخذ في الاعتبار الخصوصية القومية لكل دولة، كما تتبني مواقف متطابقة أو قريبة من بعضها إلي حد ما من قضايا إعادة بناء العالم الحديث علي أسس أكثر عدالة، حيث تجسد المنظمة أحد المراكز الهامة في عالم متعدد الأقطاب، ولذلك فهي تتبني الدفاع عن أسس النظام العالمي وتعزيز دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في قضايا دعم السلام والأمن الدوليين، وتعزيز منظومة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، كما يتسع نشاط المنظمة في مجال التعاون التجاري والاقتصادي وقضايا التنمية. 
تسعي الصين ومعها روسيا إلي إعادة صياغة موازين القوي في العالم علي أسس الأقطاب المتعددة، ولذلك تعددت مبادراتهما في إنشاء تحالفات قوية بين الدول الناشئة اقتصادياً مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومبادرة بكين لمفهوم "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، ومؤتمر تدابير بناء الثقة في آسيا، ومجموعة "بريكس"، الأمر الذي أدى إلى تغيير جذري للمناخ في المنطقة الآوروآسيوية، وارتفاع مستوى التعاون المتفائل، وقد انعكس كل ذلك بشكل كبير علي مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية. 
رغم الأهمية الكبيرة للجوانب الاقتصادية والأمنية التي تستحوذ علي توجهات منظمة شنغهاي للتعاون، إلا أن الجانب الثقافي ليس بعيداً عن اهتماماتها أيضاً، وقد تبين ذلك خلال الاجتماع الثالث عشر لوزراء الثقافة في الدول الأعضاء الذي عقد في طشقند يوم 22 يونيو، حيث أكد الوزراء علي تفعيل التعاون في المجالات الثقافية ومنها دراسة والحفاظ على التراث الثقافي في دول المنظمة، والتصدي لعمليات الإخراج والإدخال غير القانوني للقيم الثقافية، وإنشاء قاعدة معلومات للآثار المعمارية، وتدريب المتخصصين في مجالات حماية التراث الحضاري والثقافي  وترميم الأعمال الفنية وغيرها. 
كما تسعي منظمة شنغهاي للتعاون إلي تعزيز التفاهم بين شعوب المنظمة من خلال الحفاظ على التنوع الثقافي ونشر المعرفة عن ثقافة شعوب العالم، وتنظيم الأنشطة الثقافية المشتركة، على أراضي الدول الأعضاء بالمنظمة، مثل: مهرجان الفنون الدولي "طريق الحرير" في الصين، والمهرجان الدولي للفنون المسرحية "أرت - أوردو" في قيرغيزستان، ومهرجان الفنون "بيرديمليك - الرابطة" في روسيا، والمهرجان الدولي لمسارح العرائس "تشوداري خايول" في طاجيكستان، حيث أن مثل هذه الأنشطة من شأنها توسيع التبادل الثقافي والاسهام في تعزيز الصداقة وحسن الجوار، وتوحيد الجماعات الإبداعية لكل دول المنظمة، كما تعكس التراث القومي الفريد لكل دولة.   
تحولت منظمة شنغهاي للتعاون خلال فترة قصيرة إلى منظمة دولية هامة بعد أن تكاملت قاعدتها القانونية للتعاون متعدد الأطراف في المجالات السياسية، والاقتصادية، والإنسانية، والأمنية، والطاقة، والمواصلات، والاتصالات، بالإضافة للنشاط الدائم بين وزاراء الخارجية، والدفاع، والتجارة الخارجية، والثقافة؛ وأجهزة الأمن، وحرس الحدود للدول الأعضاء، وهذا ما يعزز دور المنظمة ويحولها إلى حلف هام في مواجهة القطب الواحد الذي تتزعمه الولايات المتحدة.   
بقلم : أحمد عبده طرابيك 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق