الأحد، 9 مارس 2014

مشكلات بحر الأورال الاقتصادية والبيئية


تحت عنوان "مشكلات بحر الأورال الاقتصادية والبيئية" نشرت الصفحة الإلكترونية آسيا الوسطى واستشراف المستقبل يوم 14/1/2014 مقالة كتبها أحمد عبده طرابيك، وجاء فيها:
بحر "الأورال" هو بحر داخلي يقع في آسيا الوسطي بين قازاقستان شمالاً وأوزبكستان جنوباً، وقد عرفه الجغرافيون العرب ببحر "خوارزم"، وقد كانت مساحة بحر "الأورال" تبلغ نحو 68,000 كيلو متر مربع، ويبلغ أقصى عمق فيه 68 متراً، وتفصله هضبة "أوست أورت" وتتصل به صحاري "قزيل قوم"، و"قره قوم" الرميلة، ويصب فيه نهران "سيردريا"، و"أمودريا"، وفيه جزر كثيرة ويسكن بجوارة بعض رعاة الماشية، كما يوجد فيه مرفأ "آرالسك"، ويستخرج منه الملح، وفيه مصائد للسمك لإنتاج الكافيار.
قررت الحكومة السوفيتية في عام 1918 بقيادة فلاديمير لينين، تحويل مجري أكبر اثنين من الأنهار التي تغذي بحر "الأورال"، في شمال شرقي البلاد، لري المساحات المستصلحة من الصحاري، وكان ذلك جزءاً من خطة لزراعة القطن للتصدير، ولذلك تعتبر أوزبكستان اليوم واحدة من أكبر الدول المصدرة للقطن، فبدأ البحر بالجفاف اعتبارا من عام 1970 كما بدأ يتقلص حجمه تدريجيا حتي وصلتت مساحته عام 2008 إلي حوالي 10% من مساحته الأصلية وإذ استمر الحال بما هو عليه فسوف يجف تماماً في عام 2050.
وتعد مشكلة بحر "الأورال" واحدة من أبرز مظاهر تدخل الإنسان وتأثيره السلبي على البيئة، فهذا البحر الذي كان يعد رابع أكبر بحر مغلق في العالم، بالكاد يسمى بحيرة حاليا، بعد أن فقد 90% من مسطحه المائي عما كان عليه في عام 1960، فبعد أن كان بحرا واحدا، أصبح حاليا أربع بحيرات متباعدة، ثلاثة منها لا تصلح للحياة والأنشطة المائية، كما لا يوجد فيها أية حياة بسبب الملوحة الشديدة، وتعود المشكلة الرئيسية لجفاف البحر إلى تحويل مجرى النهرين اللذين يغذيانه إلى أراضي صحراوية لأغراض زراعتها في العهد السوفيتي وذلك منذ أربعينيات القرن الماضي.
وقد أدت عملية التحويل الضخمة التي تم تنفيذها إلى استنزاف مياه النهرين لحساب أنشطة زراعية كزراعة القطن على حساب البيئة البحرية الغنية التي كان يزخر بها البحر، فخسر الكثير من الصيادين مصدر رزقهم، بالإضافة إلى التلوث الكبير الذي وقع على البحر من المخلفات الصحية والصناعية، وانقرضت كافة أوجه الحياة البحرية في بحر "الأورال"، ما عدا البحيرة الوحيدة الشمالية التي ما تزال تحافظ على بعض نشاطات الكائنات الحية فيها، وهي ما تزال مهددة بالنفاد في السنوات القليلة المقبلة.
استشعرت دول المنطقة وخاصة قازاقستان وأوزبكستان بخطورة الكارثة البيئية لبحر "الأورال"، ولذلك استضافت أوزبكستان مؤتمراً دولياً حول هذا الموضوع بعنوان: "قضية بحر الأورال وتأثيرها على حياة السكان والنباتات والحيوانات والإجراءات الناجمة عن التعاون الدولي لتقليص آثارها" والذي عقد يومي 11 - 12 مارس/آذار 2008 فى طشقند، وشارك فيه العديد من ممثلي الأمم المتحدة والخبراء المتخصصون في مجال البيئة.
هناك جهود كبيرة تقوم بها دول المنطقة منذ التسعينيات لمحاولة إنقاذ ما تبقى من بحر "الأورال"، وهناك العديد من المشاريع التي تم اقتراحها، وقد بدأ تنفيذ بعضها منذ 2003، والتي ساهمت إلى حد ما في إنقاذ البحيرة الشمالية، كما يوجد أيضاً مجموعة من الأفكار والمشاريع تنتظر التنفيذ لإنقاذ البحر تقدمت بها الدول الأربع المشاركة في "الصندوق الدولي لإنقاذ بحر الأورال" بالتعاون مع اليونسكو، والتي تقدر تكلفتها بما يعادل 30 مليار دولار على مدى 20 عاماً حتى يعود البحر إلى سابق عهده.
لامست قازاقستان الأخطار الناجمة عن جفاف بحر الأورال، ولذلك تولي أهمية كبيرة لإمكانية استخدام علوم وتكنولوجيا الفضاء في رصد بيئة منطقة بحر "الأورال"، والعمل علي إيجاد تصور للتنمية المستدامة في حوض بحر "الأورال"، من خلال مشاريع تتعلق بتأسيس ثقافة إيكولوجية لدى تلاميذ المدارس في منطقة بحر "الأورال" وتوسيع مدارك السكان في مجال المشاكل الإيكولوجية، وتوفير الدعم لمعاهد البحث العلمي في مجال إجراء البحوث العلمية وبحوث العلوم التطبيقية ذات الصلة بمشاكل منطقة بحر "الأورال".
طرحت قازاقستان خطة طموحة في محاولة منها لاستعادة ماضي بحر "الأورال"، فقامت عام 2003 ببناء سد "قوجرال" وهو عبارة عن فاصل كونكريتي يقطع بحر الأورال الشمالي، وانتهي العمل به عام 2005، وتم إصلاح وتطوير نهر سيحون, ومنذ بناء السد ارتفع منسوب المياه إلي ثمانية أمتار في البحر الشمالي وقلت فيه الملوحة فعادت الأسماك للحياة فيه, كما أدى ذلك الى تغييرات جيدة في الطقس، وأصبح ساحل البحر الذي كان يبعد 100 كيلومتر عن مدينة "أرالسك"، لم يعد يبعد عنها بسبب السد أكثر من 25 كيلومتر، كما توجد خطة لتعمير قناة تربط المدينة بالبحر بدأ العمل بها، عندها سيصبح بعد المدينة عن البحر حوالي ستة كيلومتر فقط.
ناشد المشاركون في المؤتمر الدولي الذي عقد في 28 أغسطس/آب 1992 في "نوقوس" حول قضية بحر "الأورال" والمناطق المتاخمة له، الحكومات والبرلمانات والرأي العام في آسيا الوسطى وروسيا الاتحادية وأعضاء رابطة الدول المستقلة الأخرى لإنشاء الصندوق الدولي لمعالجة مشاكل حوض بحر "الأورال"، وفي 4 يناير/كانون ثاني 1993 استضافت "طشقند" قمة لرؤساء دول آسيا الوسطي الخمس: أوزبكستان، وقازاقستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، حيث قررت القمة إنشاء الصندوق الدولي لإنقاذ بحر الأورال، بهدف إعادة التأهيل البيئي للمناطق المتضررة من جراء تأثير كارثة بحر "الأورال"، وكذلك حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العامة في المنطقة.
بذلت كلا من قازاقستان وأوزبكستان باعتبارهما من مؤسسي الصندوق الدولي لإنقاذ بحر "الأورال" المعروف باسم "ايفاس"، جهودا كبيرة لترسيخ الأرضية القانونية للصندوق، وإقامة علاقات التعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات المالية لتوفير التنمية المستدامة في حوض بحر "الأورال"، وفي هذا السياق عُقد في طشقند في أكتوبر/تشرين أول 1997 الاجتماع الفني الدولي للمانحين، والذي أسفر عن إطلاق المشروع الدولي حول "إدارة موارد المياه والبيئة في حوض بحر الأورال"، كما عُقد بمبادرة من أوزبكستان في مارس/آذار 2008 في طشقند المؤتمر الدولي حول بحر "الأورال" الذي أعطى دفعة قوية نحو الاهتمام بقضية بحر "الأورال" على النطاق الدولي، حيث شارك في أعماله ممثلون عن أكثر من 90 منظمة دولية، والمؤسسات المالية الحكومية الضخمة في كل من: اليابان، وألمانيا، والصين، والدول العربية، إضافة الى خبراء لمراكز البحوث الرائدة، وأصدر المنتدى إعلان طشقند وخطة العمل التي تنص على تنفيذ مشاريع تبلغ قيمتها الاجمالية 1,5 مليار دولار لتخفيف العواقب المترتبة على كارثة بحر "الأورال".
تعمل كلا من قازاقستان وأوزبكستان بالتعاون والدعم من جانب البنك الدولي للتعمير والإنشاء، والبنك الآسيوي للتنمية، والصندوق الدولي للبيئة، ومشاركة مختلف المنظمات الدولية والحكومية من أجل مواصلة العمل لتنفيذ المشاريع العديدة المتعلقة بتوسيع البنى التحتية للبحيرات في الدلتا على الجزء السفلي المجفف من بحر"الأورال"، وتحويل مياه الصرف الصحي، ورفع الكفاءة في إدارة موارد المياه، والإهتمام بغرس الأشجار لمنع التصحر والتغلب علي ارتفاع نسبة الأملاح في التربة، بهدف تحسين الأوضاع في المنطقة، حيث تم خلال السنوات العشرة الماضية انفاق أكثر من مليار دولار بما فيها نحو 265 مليون دولار عن طريق القروض الخارجية والمساعدات الفنية والمنح.
ولشعور جمهوريتي أوزبكستان وقازاقستان بمدي الأخطار الناتجة عن قضية بحر "الأورال"، فقد عبرا رئيس أوزبكستان "إسلام كاريموف"، ورئيس قازاقستان "نور سلطان نزار باييف" في كلمتيهما أمام اجتماع قمة رؤساء الدول المؤسسين للصندوق الذي عقد في "ألما أتا" بقاراقستان في 28 أبريل/نيسان 2009 عن الوضع السائد المتدهور في حوض بحر "الأورال خاصة" وفي المنطقة عامة، محذرين من العواقب السلبية المحتملة من جراء جفاف بحر "الأورال"، وشددا على أن حل مشكلة بحر "الأورال" مرتبط مباشرة بترشيد موارد المياه والطاقة الكهرمائية، والإهتمام بالحفاظ على البيئة الهشة وتوازن المياه في المنطقة، وكذلك ضرورة تحقيق التوازن بين مصالح دول المنطقة في هذا المجال.
علي الرغم من أن السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة قام أثناء زيارته لأوزبكستان في أبريل/نيسان عام 2010 بجولة ميدانية فى منطقة بحر الأورال وتعرف على القضايا البيئية والاقتصادية فيها، إلا أن أجهزة الأمم المتحدة المتخصصة لا تولّي تلك القضية الإهتمام بالقدر الكافي، لذلك تعمل كلا من قازاقستان وأوزبكستان مع دول المنطقة لإيجاد الحلول لتلك المشكلة الخطيرة، لشعورهما بخطر ما تمثله قضية بحر الأورال من أبعاد عالمية لهذه الكارثة علي المستويين الاقتصادي والبيئي، حيث تجري الجهود المشتركة بينهما لجذب المزيد من الاستثمارات في المجالات الفكرية والتقنية التي من شأنها المساهمة في حل تلك القضية، كما تسعي لأن تكتسب هذه المسألة أهمية متقدمة بالنسبة للأمم المتحدة.

إن فقدان ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم في حوض بحر الأورال والعواقب الخطيرة لاستمرار الجفاف في البحر يؤدي إلى تغيير المناخ في نصف الكرة الشمالي وخاصة في قارة آسيا، ولذلك كان الاهتمام بأنشطة الصندوق الدولي لإنقاذ بحر الأورال ومؤسَّساته الهيكلية، الرامية إلى تعزيز التعاون الإقليمي في مجال تحسين الحالة الاجتماعية والاقتصادية ومعالجة الآثار البيئية في حوض بحر الأورال، ومن أجل ذلك يبذل قادة دول المنطقة بقيادة رئيس أوزبكستان "إسلام كاريموف"، ورئيس قازاقستان "نور سلطان نزار باييف" جهوداً كبيرة بهدف تنمية التعاون في المجالات الثقافية والإنسانية، بما يساعد على تعزيز أواصر التعاون وعلاقات حسن الجوار بين دول المنطقة وشعوبها، وحرصا على تطبيق القرارات المتعلقة بتنفيذ برنامج الإجراءات الملموسة الرامية إلى حل مشاكل بحر الأورال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق