الخميس، 2 أبريل 2020

سمرقند قلعة الأرض. كتبها عبد العزيز قاسم إعلامي وكاتب صحفي سعودي. :

سمرقند قلعة الأرض. كتبها عبد العزيز قاسم إعلامي وكاتب صحفي سعودي. :
سمرقند..قلعة الأرض
بقلم: عبد العزيز قاسم، إعلامي وكاتب صحفي سعودي
  

"ليس في الأرض مدينة أنزه ولا أطيب مستشرفاً من سمرقند".
ياقوت الحموي
تذكرت وأنا أزور مدينة سمرقند، ما قاله لي أحد الأدلاء قبل تسع وعشرين عاما، في أول زيارة لهذه المدينة الأسطورية، إذ همس لي وقتها قائلا: "ستأتي سمرقند مراراً، فلدينا مَثلٌ متوارثٌ من الأسلاف؛ أن من يشرب من ماء سمرقند ويأكل خبزها؛ سيأتيها أخرى". أتذكر أنني هزأت به، وقلت بأن أحبتنا في مصر، يكرّرون علينا ذات ما تقول عن ماء النيل، بيد أنني الآن أزدرد ريقي، وأتمتم لنفسي أن من حسن حظي أعدم مقابلته، فقد عدت لأروع المدائن التي زرتها في حياتي، لأكثر من خمس مرات.
سبق أن سئلت في احدى لقاءاتي الاعلامية، عن أروع مدينة زرتها، وأتمنى زيارتها، فأجبت من فوري: "مدينتا سمرقند في أوزبكستان، ومراكش في المغرب.. إذ يتغشاك التأريخ في الأولى ويتغلغل، ويجثم عليك الماضي بعبقه، وتعيش مشاعر تعود بك لمئات السنوات، بينما الثانية تحلق بك المشاعر، وتملأك الدهشة، ويستخف بك الطرب عبر الفولوكلورات الشعبية، والأهازيج المغربية في الساحة الشهيرة هناك، ساحة الفنا".
 تقع مدينة سمرقند في آسيا الوسطى، في دولة أوزبكستان، ومعنى اسم سمرقند: "قلعة الأرض".
هنا أسطورة شعبية يتداولها سكان سمرقند، ويدلّون بها ويتيهون، بأن مدينتهم بنيت في حديقة جنة عدن، وتغنى بها الشعراء باللغات التركية والفارسية وحتى العربية، التي قال أحدهم فيها:
وليسَ اختياري سَمرقندَ محلة
ودارَ منامٍ لاختيارٍ ولا رضا
ولكنّ قلبي حلَّ فيها فعاقني
وأقعدني بالصغر عن فسحة الفضا
 الرحالة الأكبر عبر تأريخنا الإسلامي ابن مدينة طنجة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن بطوطة، زار مدينة سمرقند، وقال عنها: "إنها من أكبر المدن وأحسنها وأتمّها جمالا، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادي القصَّارين، وكانت تضم قصورًا عظيمة، وعمارة تُنْبِئ عن هِمَم أهلها ".
وفى كتاب "ذكر علماء سمرقند" للعلامة نجم الدين عمر بن محمد النسفي السمرقندي، ذكر في كتابه ذاك؛ ما يربو على ألف من علماء الإسلام من أهل سمرقند.
أما عطاء الملك الجويني حاكم بغداد من قبل المغول فيقول: "سمرقند أعظم بقاع مملكة السلطان مساحة و أطيبها ربوعاً".
وقديماً قالوا: "أنزه جنان الله أربع، وسمرقند أطيبها"، ومنحت سمرقند العديد من الألقاب، فهي يوماً "جوهرة الإسلام"، و مرة "مرآة العالم".
ارتبط ذكر سمرقند باسم القائد المغولي الأشهر "تيمورلنك"، الذي اتخذها عاصمة لملكه، ونقل إليها الصُنَّاع وأرباب الحرف لينهضوا بها فنياً وعمرانياً، وكانت سمرقند من أهم محطات طريق الحرير الذي كان عصب اقتصاد العالم وقتذاك، وجاء على لسان موفد ملك إسبانيا إلى تيمورلنك، السفير "روي گونزالز دي كلاڤيو"، والذي ساقته أقداره إلى سمرقند، فمكث فيها مدة من الزمن، وصف لنا الأجواء في تلك المدينة الرائعة، وفصّل لنا عن إبداع تيمورلنك في عاصمة إمبراطوريته، وجوهرة ملكه. يقول عن سمرقند “إن غنى وترف هذه العاصمة ومقاطعاتها لأعجوبة تستحق التأمل“
في وسط المدينة تمثال كبير للقائد التتري تيمورلنك، يطلقون عليه هناك “أمير تيمور” والحقيقة أنه بات رمزا لهم رغم تاريخه الدموي .. وكنت أعجب من ذلك، غير أنني عندما تعمقت في قراءة سيرته، وجدته أنه كان عادلا، ويكرم رعيته، ويجلّ العلماء والفقهاء وكان صاحب ثقافة ويحب مجالس الحوار والجدال، هنا ترجمة له
يذكر المؤرخون أن اللون الازرق هو اللون المفضل لتيمورلنك ,وأصبح يعرف بلون الاسلام فقد جعل مدينة سمرقند مغطاة بالبلاط القيشانى ذى اللون الازرق بكل ما فيه من خيالات وتفرعات مع تداخلات اللون الابيض والقليل من الاخضر كما امر تيمورلنك ببناء اول سوق تباع فيه جميع البضائع وهو عكس ما هو سائر فى تلك الاوقات من العصور الوسطى فقد كان كل سوق مخصص لبيع سلعة واحدة وبذلك فقد انفرد تيمور لنك بهذا الانجاز عما غيره وهو ما يشبه الان (اسواقنا وتم انجاز هذا السوق بكامل قبابه وارصفته ودكاكينه خلال عشرين يوما بكلفة بسيطة لا تتعدى قطع أربعة رءوس من المهندسين لسرعة انجازه.
ولقد بلغ من شدة الاهتمام بسمرقند أنه كان يراقب شخصياً اعمال البناء بين الحملة والحملة, جالباً من كل غزوة الكنوز المنهوبة من تلك الاقليم المنكوبة كذلك حرفيوها من أذربيجان ودلهى, عمال البلاط والموزاييك من شيراز وأصفهان, عمال السيراميك والحرير من دمشق, وعمال الفضة والنحاس من تركيا
أهم كتاب يتحدث عن تلك الفترة هو كتاب (العبر وديوان المبتدا والخبر ) لابن خلدون والمعروف بتاريخ ابن خلدون
وذلك لأن ابن خلدون قابله وتحدث معه وكتبها في كتابه على شكل مذكرات تحت عنوان (التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا), وقد التقى به عام803 هـ قبل وفاته بخمس سنوات, وأقام عنده خمسة وثلاثين يوماً.
ويسميه ابن خلدون (تِمُر) ,وذكر ابن خلدون رأيه فيه فيقول “وهذا الملك تِمُر من زعماء الملوك وفراعنتهم, والناس ينسبونه إلى العلم, وآخرون إلى اعتقاد الرفض, لما يرون من تفضيله لأهل البيت, وآخرون إلى انتحال السحر؛ وليس من ذلك كله في شيء؛ أنما هو شديد الفطنة والذكاء, كثير البحث واللجاج بما يعلم وبما لايعلم ….الخ
بعد هذه الجولة مع التاريخ وهذا القائد الذي يعدّ من أعظم 20 قائدا الذين مروا على البشرية، وما أروع اسقاط التاريخ على ما تراه، تنتابك مشاعر خلاقة، يغيب الزمان والمكان وتحلق في ذلك التاريخ بسكرة لا يعرفها إلا من يعشق التاريخ.
قال أمين معلوف عن سمرقند في روايته المسماة باسمها سمرقند على انها أجمل وجه أدارته الأرض يوماً نحو الشمس”.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق