الأربعاء، 1 فبراير 2017

أوزبكستان تخلد ذكرى المغفور له بإذن الله إسلام كريموف


طشقند: 1/2/2017 أعدها للنشر أ.د. محمد البخاري. تحت عنوان "في عيد ميلاده.. أوزبكستان تخلد ذكرى "كريموف" بـ 4 تماثيل ضخمة أحدها في موسكو وتخاطب "تشكيليو" مصر والعالم" نشرت بوابة "الأهرام" الإلكترونية يوم 31/1/2017 مقالة كتبها: محمود سعد دياب، وجاء فيها:

"لقد أكد الزمن والحياة نفسها، أن إسلام كريموف كان أعظم السياسيين فى عصرنا الحالي، وزعيم ثاقب النظر، يتمتع بالفكر الإستراتيجي، ورؤية رجل الدولة لجوهر الأحداث بالغة التعقيد الجارية فى العالم والمنطقة، ويتمتع بالشعور الخاص بالمسئولية الشخصية إزاء وطنه وشعبه، ومصير كل فرد ومواطن"... بهذه الكلمات بدأ شوكت ميرزياييف، الرئيس الجديد في جمهورية أوزبكستان – إحدى جمهوريات آسيا الوسطى- كلمته التي وجهها لشعبه بمناسبة ذكرى يوم ميلاد زعيم الدولة الراحل، إسلام كريموف، كنوع من الوفاء لمؤسس الدولة، والسبب الرئيسي فيما وصلت إليه من تقدم وازدهار.
وقد سادت شوارع البلاد خلال اليومين الماضيين مشاعر ممتزجة بين الحزن على الزعيم الراحل، والفرحة في المشاركة في مناسبة تخلد ذكراه، فيما قررت الحكومة تشييد تماثيل كبيرة له، من المقرر أن يوضع في 3 ميادين رئيسية، يطلق اسمه عليها في الجنوب قرب الحدود مع تركمانستان، في مدينة قارشي مركز ولاية قاشقادراريا، مسقط رأس كريموف نفسه، وفي طشقند العاصمة، وفي سمرقند مكان وجود ضريحه، بخلاف تمثال رابع، سيتم إقامته في أحد الميادين في العاصمة الروسية موسكو، وذلك بناءً على مبادرة من الرئيس، فلاديمير بوتين، في حين شهد الضريح بسمرقند توافد الزوار من المواطنين العاديين، والمسئولين في الدولة، والقيادات الشعبية، وشهدوا قراءة القرآن الكريم على روحه.
وكشف مصدر دبلوماسي، أن وزارة الثقافة الأوزبكية سوف تنظم مسابقة دولية، يتولى لجنة التحكيم فيها كبار ومشاهير الفنانين التشكيليين على مستوى العالم، وخاطبت من خلال سفاراتها جميع الدول للمشاركة في المسابقة، مشيرًا إلى أن سفارة أوزبكستان بالقاهرة، بقيادة السفير أيبك عارف عثمانوف، قد خاطبت وزارة الثقافة المصرية وقطاع الفنون التشكيلية لإتاحة الفرصة للفنانين المصريين للمشاركة في هذه المسابقة الدولية، خصوصًا وأن مصر رائدة في هذا المجال، مضيفًا أن كل ذلك سينتهي بإقامة التماثيل قبل نهاية العام الحالي، وأن الوزارة الأوزبكية تواصلت مع نظيرتها في روسيا لتفعيل قرار بوتين بخصوص التمثال الرابع، موضحًا أن ذلك يؤكد على الثقة التي يحظى بها الرئيس الراحل على المستوى الدولي والإقليمي، فضلا عن المحلي.
وأكد المصدر الدبلوماسي، أنه سيتم إطلاق اسم الرئيس الراحل على مطار طشقند الدولي، فضلا عن شوارع رئيسية في العاصمة تخليدًا لذكراه، مضيفًا، أن ضريح كريموف في سمرقند، سوف يشهد تحولا خلال الفترة المقبلة، حيث سيتحول إلى مجمع إسلامي كبير، يتضمن مسجدًا ضخمًا، ومراكز لتعليم القرآن الكريم والفقه الإسلامي على مذهب الإمام أبو حنيفة.
وتوفى إسلام كريموف مؤسس دولتها الحديثة، مطلع سبتمبر الماضي، عن عمر ناهز 78 عاما، بعد أن قاد بلاده من التفكك والتشرذم إلى الوحدة والاستقرار، ومن الفقر إلى التقدم والازدهار، فاستحق عن جدارة واقتدار الاستحواذ على لقب الزعيم التاريخي، وبالرغم من مرور 5 شهور على وفاته، لا يزال كريموف أسير قلوب الشعب الأوزبكي، بعد أن أضاف الكثير إلى الدولة ذات الثقل الأكبر ديموغرافياً وتاريخياً في آسيا الوسطى، والتي يدين أغلبية شعبها بالإسلام، وعاصمتها طشقند، ومن أهم مدنها سمرقند، وبخارى وخوارزم، والتي لها شهرة عريقة في تاريخ الإسلام، فقد قدمت هذه المدن علماء بارزين، أثروا التراث الإسلامي بجهدهم، كان منهم "البخاري والخوارزمي والبيروني والنسائي والزمخشري والترمذي وابن سينا" وغيرهم العديد من أعلام التراث الإسلامي.
ووفقًا لشهادات الخبراء والمراقبين من الباحثين في شئون وسط آسيا، لا يزال إسلام كريموف يحتفظ بمكانة كبيرة لدى شعب أوزبكستان، ورئيسها الحالي، شوكت ميرزياييف، فهو أعظم السياسيين في عصرنا الحالي، بحفاظه على التوازن في العلاقات الدولية بين الشرق والغرب، والزعيم ثاقب النظر، الذى تميز بالفكر الإستراتيجى ورؤية رجل الدولة لجوهر الأحداث بالغة التعقيد الجارية فى العالم والمنطقة، كما تمتع بالشعور الخاص بالمسئولية الشخصية إزاء وطنه وشعبه، ومصير كل فرد ومواطن.
وفي كلمته أمام الجماهير؛ قال ميرزياييف، إن كريموف كان أول رئيس لأوزبكستان، وهو من وضع حجر الأساس للشروط الأساسية لفلسفة النهضة الوطنية لأوزبكستان، والتى تمثلت فى: السيادة السياسية والاستقلال الاقتصادى، والانفتاح على العالم الخارجي والحفاظ على الهوية الوطنية والقيم الروحية السامية، واحترام التاريخ الذاتي وانتهاج سياسة التسامح الديني والثقافي، وكان المبدأ الذى أعلنه إسلام كريموف، أن "من لا يتمتع بالذاكرة التاريخية فلا مستقبل له"، وهو ما صرح به في السنوات الأولى للاستقلال، وقد أصبح دليلا مهمًا للعمل على إصلاح الحياة الروحية، وتنشئة ثقافة الذاكرة التاريخية، والتطلعات الخلاقة للشعب فى البلاد.
واليوم، فإن الثروات المادية والفنية التى لا تُقدر بثمن وتتمتع بها أوزبكستان، والجذور العريقة لدولتها، وتقاليدها الروحية والأخلاقية، قد أصبحت تمثل بطاقة التعريف المميزة للبلد، والأساس لوضع سجلات التاريخ الحديث للدولة ذات السيادة، خصوصًا وأنها تحتل مكانة خاصة فى التراث التاريخي الثرى للدولة، الآثار المعمارية القائمة من العصور الغابرة، والتي تضم فى طياتها المعلومات المشفرة عبر القرون حول الأزمنة القديمة، ومعايير الجمال والنظرة إلى العالم، والمعايير الأخلاقية للشعب.
وليس من قبيل المصادفة قول المؤرخين، إن الآثار المعمارية القديمة تنتج أكثر الانطباعات الشعورية سطوعا وجلاءً، وتقوم بتخزينها بشكل دائم داخل الوعي البشري، وعند النظر بإدراك نحو خريطة العالم، فإن التصور حول أي بلد، كثيرا ما يرتبط بالروائع المعمارية للزمن الماضي، والتي تم الحفاظ عليها إلى أيامنا هذه.
فعلى سبيل المثال، لو اتجهنا بأنظارنا نحو دول مثل الصين - سور الصين العظيم، أو مصر - الأهرامات الغامضة وسر الحضارة الفرعونية، أو اليونان - البارثينون الصارم الكلاسيكي ... أما أوزبكستان لدى وعى الناس من مختلف بلدان العالم، فهي ترتبط بصورة رئيسة بالأضواء المنبعثة للقباب ذات اللون الفيروزي، المنسجم والممتزج مع اللون الأزرق اللانهائي للسماء الصافية التى تغطى منطقة رجستان في سمرقند، وبفرقة بوى كالون الموسيقية فى بخارى، وبالآثار القديمة لإيشان قلعة في خوارزم مسقط رأس الخوارزمي، والروائع المعمارية فى طشقند، وغيرها من مختلف نماذج العمارة القديمة.
وفي الحقيقة، لقد لعب إسلام كريموف دورا أساسيا في توطيد أركان أوزبكستان على طريق الاستقلال، وتجنيبها ويلات الثورات والحروب الأهلية الدموية، وتحت قيادته، وعبر وقت قصير تم تطوير مسار فريد من التنمية وبناء الدولة، كما أن تطبيق القواعد الأساسية للإصلاحات الاجتماعية والسياسية المدرجة فى المبادئ الخمسة لبناء الدولة الديمقراطية المستقلة، والتي تم الاعتراف بها الآن على نطاق واسع تحت عنوان "النموذج الأوزبكي"، تتمثل بادئ ذي بدء في بعث الصحة الروحية لدى شعب أوزبكستان متعدد القوميات، وقد تم تحديد القضايا الإستراتيجية نحو إحياء التراث التاريخي والعلمي والثقافي الغنى والحفاظ عليه وترميمه.
ومنذ السنوات الأولى لاستقلال أوزبكستان، مضت الخطوة اللاحقة فى الدرب الخلاق، متمثلة فى سياسة تشكيل الثقافة الاجتماعية الأيديولوجية القائمة على التمازج بين القيم الوطنية والعالمية. وصار هذا القرار التاريخي عن حق الذى اتخذ في بداية بسط السيادة، ويمثل جوهر عقيدة الاستقلال، والمنبع القوى للطاقة فى التنمية المستقبلية للدولة والمجتمع. وتتجسد فى هذه الفكرة، أفضل النماذج والمثل العليا لماضى الشعب الأوزبكي، التى انصهرت بصورة عضوية مع القيم العامة المعترف بها فى حاضره، وبالمهام المطروحة نحو مستقبله.
وعبر المذهب الذى يستند إلى الأيديولوجية - الأخلاقية لمضمون فكر الاستقلال، جرى استلهام التراث التاريخي الثرى للشعب، والأفكار الإنسانية للمفكرين العظام في العصور الكلاسيكية القديمة والعصور الوسطى للشرق، والاكتشافات العالمية لكل من الخوارزمي، والبيروني، وابن سينا، وأولوغ بك، وغيرهم من العلماء الموسوعيين فى عصر النهضة الشرقي، وفلسفة المجتمع المثالي والحاكم العادل للفارابي، ومبادئ بناء الدولة للأمير تيمور، والنظرة الفلسفية والأخلاقية للمفكر على شير نوائي.
ومنذ الأيام الأولى لاستقلال أوزبكستان، تم فى الحياة العامة والوعي المجتمعي استعادة التوقير واحترام القيم والتقاليد الأصيلة للسكان، والإنجازات الكبرى التى حققها الأسلاف، ونحو آثار الثقافة المادية والفنية للماضي، وجرى وضع مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية في مجال التعليم وحماية واستخدام الآثار الثقافية المادية وغير المادية، وما يتصل بالمتاحف، وإقامة المناسبات التذكارية الخاصة بالمدن التاريخية والشخصيات الهامة للماضي العريق، وقد شكل كل هذا منظومة متميزة لتنشئة الذاكرة التاريخية، باعتبارها عاملا من عوامل النهضة القومية وبناء المجتمع المدني ذي النسيج الموحد.
كما اكتسبت قضايا حماية وترميم الآثار المعمارية والأماكن المقدسة اهتماما محوريا دائما لدى الرئيس الأول للبلاد، وعلاوة على ذلك، فطبقا لمبادرة إسلام كريموف، تم منذ الاستقلال إحياء مئات الروائع المعمارية التي شيدها المعماريون في الماضي، وذلك بعد أن كانت أنقاضا، والتي تم إدراجها ضمن كنوز الحضارة العالمية، وتتضمن تلك الروائع ضريح عيسى الترمذي في شيرآباد، ومجموعة حكيم الترمذي في مقاطعة سورخانداريا، والجزء التاريخي المعماري لمحمية إيشان قلعة الطبيعية الواقعة فى منطقة خوارزم، والمنطقة التاريخية في مدينتى قارشي وشهريسابز، والمعالم الأثرية والمعمارية في آياز- قلعة، وفى قويقريلجان- قلعة، وتوبراك- قلعة - فى جمهورية قره قلباقستان. وجرى الانتهاء من الترميم الشامل للأبنية المعمارية، وإعادة إعمار الحدائق الطبيعية في منطقة ضريح بهاء الدين النقشبندي، وترميم ضريح ومدرسة عبد الخالق الجيزوانى فى منطقة بخارى. كما تم على نطاق واسع إعادة الإعمار المعمارية وعلى مستوى المناظر الطبيعية لمجموعة النصب التذكاري للإمام البخاري، والترميم الشامل لضريح الأمير تيمور ومقبرة شاه زنده، والإحياء المعماري لمسجد بيبى خانم الأسطوري في سمرقند، وغيرها من روائع العمارة فى مختلف أرجاء البلاد.
لقد اكتسبت اعترافا جديرا بها، من قبل المجتمع الدولي، تجربة أوزبكستان وإنجازاتها المتحققة فى مجال الإجراءات العملية على نطاق واسع للحفاظ على التراث التاريخي والكنوز القومية، وساهمت تلك التجربة فى التعزيز المستمر للمكانة العالية التى يتبوأها وطننا، ويتجلى الدليل الساطع على هذا الأمر فى – قيام المنظمة الإسلامية الدولية للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو" بإعلان طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية في العالم لعام 2007، وإدراج المراكز التاريخية لمدن بخارى وسمرقند وخوارزم، وشهريسابز ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
وقد احتل مكانتهم كل من المحيط الثقافى لبيسون، وكذلك عيد النوروز، وشاشماك، وقطا أشولا، وأسكيا وأنماط طهي أطباق البلوف، وتم إدراجهم ضمن القائمة الممثلة للروائع غير المادية للثقافة العالمية. وتحت رعاية تلك المنظمة الدولية الكبرى، يجرى تنظيم مهرجان الموسيقى الدولي التقليدي "أنغام الشرق"، والاحتفالات الخاصة بالمناسبات التذكارية للمدن القديمة والشخصيات التاريخية البارزة، فضلا عن عقد المؤتمر الدولي "التراث التاريخي لعلماء ومفكري الشرق في العصور الوسطى، ودوره وأهميته للحضارة الحديثة".
ويقولون، إن لكل جيل وعصر ذاكرته الخاصة – التاريخ، واليوم، تمثل أوزبكستان الحديثة قاعدة راسخة للسلم والاستقرار فى آسيا الوسطى، ونموذجا للعديد من الدول فى المنطقة، بل وحتى فى العالم، وكان تطبيق السياسة التى انتهجتها أوزبكستان عبر السنوات الأولى للاستقلال، طبقا لمبادرة إسلام كريموف فى إحياء القيم والتاريخ والتقاليد الوطنية، قد ترك تأثيرا هائلا على المناخ الروحي للمجتمع، وتشكيل الفكر التاريخي وتنشئة ثقافة الذاكرة التاريخية، وخاصة لجيل الشباب، كما أدى إلى نجاح الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وقال إسلام كريموف في كتابه "أوزبكستان على أعتاب القرن الحادي والعشرين: المخاطر المحيقة بالأمن وشروط وضمانات التقدم": "نحن ننظر إلى عودة القيم الروحية باعتبارها عملية عضوية طبيعية لنمو الوعى الوطني، والعودة إلى المنابع الروحية للشعب، وإلى جذوره".
ولقد صار واقعًا حقيقيًا ملموسًا، النجاح المتحقق فى تنفيذ البرنامج العملاق لإحياء الآثار المعمارية الشاملة على كامل أراضي البلاد تقريبًا، وذلك بفضل المشاركة الواسعة لمختلف طبقات السكان في هذه القضية النبيلة، وخلال أعمال الترميم والبناء، تجسدت بصورة مباشرة حيوية تلك التقاليد الشعبية الأصيلة، المتمثلة في إنكار الذات، والتعاون المتبادل والتسامح.
وساهم الناس من أصحاب القوميات المختلفة بالمساهمة التطوعية لإحياء التراث الثقافي لشوارعهم، وقراهم ومدنهم ودولتهم ككل، بغض النظر عن الانتماء الاجتماعى والديني، والعمر ومكان الإقامة، وذلك تلبية للنداء الروحي، وانطلاقًا من الوعي بالانتماء الشخصي إلى التاريخ العظيم للوطن الأم.
وهكذا، وبفضل عمق التفكير الفلسفي والحنكة السياسية لإسلام كريموف، تم النجاح، ليس فقط فى استعادة الهوية الوطنية وتعزيز الوعي الوطني، وتنشئة القيم الروحية السامية، بل أيضا تم دمج المواطنين فى العمل الإبداعي فى سبيل التقدم والازدهار للبلاد، وطبقا لاعتراف المجتمع الدولي بأسره، فهذا تحديدا هو ما ينبغي الإشارة إليه، باعتباره أبرز إنجازات أوزبكستان المستقلة، والفلسفة التى أكدت عليها الحياة للبعث القومي، التى كرس لها حياته الابن العظيم للشعب الأوزبكي، إسلام كريموف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق