الخميس، 8 يناير 2015

هل يتسبب سيحون وجيحون في اندلاع حرب في آسيا الوسطى ؟


تحت عنوان "هل يتسبب سيحون وجيحون في اندلاع حرب في آسيا الوسطى ؟" نشرت جريدة الوطن العمانية في زاية قضايا بعددها الصادر يوم 25/10/2014 دراسة شاملة عن قضاي المياه في دول آسيا المركزية، جاء فيه:


مقدمة:
منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، ورثت جمهوريات آسيا الوسطى مشكلات عدة يتصدرها العجز في موارد المياه والطاقة، وملوحة التربة، وجفاف بحر آورال، والتصحر، وعدد لا يحصى من الكوارث البيئية. وزاد النهج السياسي البائس وعجز زعماء دول الإقليم عن الجلوس إلى مائدة التفاوض من أجل صياغة نظام يضمن استغلالاً مشتركًا وعادلاً لموارد المياه في الإقليم زاد الأمور سوءا.
--------
تعود مشكلة استغلال موارد المياه المشتركة في آسيا الوسطى إلى منتصف القرن العشرين؛ ركزت السياسة التي اتبعها القادة السوفيت على زيادة الإنتاج الزراعي وإنتاج الطاقة الكهربائية في آسيا الوسطى، وقد حققت هذه السياسة أهدافها المرجوة بنجاح. وتوفر المصادر الرسمية المنشورة خلال الحقبة السوفيتية قدرًا هائلاً من المعلومات التي تعطي أدلة كافية على زيادة الإنتاج الزراعي وتنامي قدرات إنتاج الطاقة الكهربائية في ربوع الإقليم.
في عام 2002، أثارت مجموعة الأزمات الدولية الأسباب وراء فشل الاتفاقيات والأطر القائمة في آسيا الوسطى في تحقيق نتائج مرضية للأطراف كافة في إدارة المياه. من بين تلك الأسباب فقدان الشفافية والالتزام السياسي، والفشل في استيعاب الحاجة إلى ترتيبات مشتركة لصيانة البنى التحتية الحيوية مثل خزان تكتوجول في قيرغيزستان. منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991،تسببت قضايا الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان في سلسلة من المشاكل داخل تلك الدول وما بينها. استخدمت كل دولة من هذه الدول المياه وسيلة ضغط في هذه الصراعات وأماكن أخرى في العلاقات مع جيرانها، والتي تطورت في أحيان كثيرة الى صراعات مسلحة بينها. أن مشاكل المياه، علاوة على الفقر والفساد، تساهم في خلق شعور عام من الضيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعدم الاستقرار. وجه انهيار الحقبة السوفيتية التي قامت على ترتيبات لمقايضة الغاز والفحم والمياه والكهرباء ضربة اقتصادية لقيرغيزستان وطاجيكستان.أمتلكت أوزبكستان الغاز، ولدى قرغيزستان وطاجيكستان المياه الوفير الذي استخدم لتوليد الطاقة الكهرومائية، ولكن هذا وضع الدولتين في مواجهة مباشرة مع أوزبكستان، الذي أعتمد أقتصادها ونظامها السياسي على قطاع القطن الذي يحتاج الى المياه الوفيرة.
أسباب الأزمة:
بشكل عام، فإن مثل هذه الأنماط من النزاعات تصنف ضمن المبدأ الاقتصادي المعروف باسم “مأساة استنزاف الموارد المشتركة”، والتي كان قد أشار إليها غاريت هاردين. ويعطي جوهر هذه النظرية الاقتصادية معادلة بسيطة من حيث الإدراك ولكنها عسيرة للغاية من حيث التطبيق؛ إذ تؤكد على أن إساءة استخدام الموارد المشتركة من قبل مجموعة بعينها سيؤدي إلى استنزاف البيئة ويفضي إلى اختفاء سبل الحياة. وبدوره سيؤدي ذلك إلى خسائر لكافة المستهلكين، بمن فيهم أولئك الذين سلكوا سلوك الاستهلاك الجامح في البداية. ومن ثم فعلى كافة الأطراف الفاعلة أن تكبح جماح استهلاكها لصالح حقوق المجموع ككل. ومن الملاحظ أنه ليست لدينا معايير متفق عليها لتحديد ما هي “الكوابح الذاتية”. وبالتالي فالمرء باعتباره “فاعلاً يحتكم إلى المنطق” سيسعى لاستهلاك أكبر قدر ممكن من الموارد مقارنة بما يتركه خلفه للآخرين.
أن المصادر الرئيسية للمياه في آسيا الوسطى هي نهري سيرداريا (سيحون) وآموداريا (جيحون)،الأول وطوله 2200 كيلومتر وينبع من جبال تيان شان، ويمر عبر قيرغيزستان باسم نهر نارين ويلتقي مع كارا داريا ليشكلا سيرداريا. وهو يمر عبر الجزء الأوزبكي من وادي فرغانة في طريقه إلى خوجاند في طاجيكستان ليصب بعدها في بحر آورال. اما آموداريا وطوله 2540 كيلومتر فيتكون من التقاء نهري فاخش وبانج ويتجه غربا ليشكل حدود أفغانستان مع طاجيكستان وأوزبكستان، وتركمانستان ليصب بعدها في الأورال. يشكل النهران (سير داريا وآمو داريا ) 90% من مياه أنهار آسيا الوسطى و 75% من المياه اللازمة للزراعة. بالرغم من أن قيرغيزستان وطاجيكستان لا يشكلان سوى 20% من حوض بحر آورال (يشمل حوض بحر آورال نهري سير داريا وآمو داريا، فضلا عن نهري تيدزين ومورجابي وقناة كاراكوم والأنهار الموسمية التي تتدفق من جبال كوتداغ وتيان شان. يمتد الحوض عبر اراضي أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأفغانستان وإيران، وتبلغ مساحته نحو مليوني كيلومتر) ، الا أن 80% من موارد المنطقة المائية تنبع من أراضيها. لقيرغيزستان سد وخزان تكتوجول في الجزء الجنوبي من سيرداريا؛ وتواصل طاجيكستان بناء سد روجون على فاخش، وإذا ما اكتمل، سيكون الاعلى في العالم. وافتتح سد نوريك، الذي يبعد حوالي 75 كم من سد روجون، في عام 1980، ولكن الطمي قد يتسبب في غلقه قريبا، وسيكون لذلك عواقب وخيمة على طاجيكستان، طالما أن 80% من كهربائها ينتج هناك. أن النهرين يجعلان من قيرغيزستان وطاجيكستان، وهما من أفقر دول آسيا الوسطى من الدول الغنية بالطاقة المتجددة. الا أن طاجيكستان غير قادرة اليوم على توفير أكثر من ساعة في اليوم لعدد كبير من سكانها في فصل الشتاء. بعد فترة من الجفاف، تجد قيرغيزستان نفسها في مواجهة أزمة كهرباء حادة بسبب أنخفاض منسوب المياه في خزان تكتوجول، الذي يوفر 90% من احتياجاتها من الكهرباء.
في عام 1988، شكلت هيئة لأدارة المياه في نهري سيحون وجيحون (هيئة أدارة مياه الحوض) ومقرها في أوزبكستان. عملت الهيئة تحت أشراف لجنة التخطيط الحكومية، والتي كان لها القول الفصل في جميع الأمور الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي وتحديد الحصص المائية وصفقات مقايضة الطاقة بالتشاور مع الوزارات، بما في ذلك الزراعة والطاقة واستصلاح الأراضي والموارد المائية. كانت الأولوية القصوى دائما لإنتاج القطن. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، واصلت الهيئة العمل لكن تحت أشراف اللجنة الحكومية المشتركة للمياه وهي تتألف من كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، التي تم إنشاؤها بعد مشاورات في أواخر عام 1991 عقدت في مدينة ألماتي في كازاخستان بين وزراء الموارد المائية والتي تمخضت عن اتفاق فبراير عام 1992. تتولى اللجنة الحكومية المشتركة للمياه تحديد حصص المياه في حين تتولى هيئة أدارة مياه الحوض الأشراف على التنفيذ. أبقت اللجنة على الحصص التي كانت موجودة في أيام الحقبة السوفيتية لكنها منحت الهيئة صلاحية تغيير الحصص صعودا أو هبوطا بنسبة 15%. عقدت اتفاقيات أخرى عديدة، أنطلاقا من أتفاقية ألماتي، مثلا وقعت أكثر من ثلاثين أتفاق على نهر سيحون وحده، الا أن معظمها كان قليل الفعالية أو مجرد حبر على ورق.
كانت السدود في قيرغيزستان وطاجيكستان تقوم بحجز المياه في فصلي الخريف والشتاء وتطلقها في فصلي الربيع والصيف لري المحاصيل. وفي المقابل، قدمت أوزبكستان وكازاخستان النفط والغاز والفحم والكهرباء من محطاتهما الحرارية لقيرغيزستان وطاجيكستان خلال أشهر الشتاء. وبحلول منتصف التسعينيات، لم يعد لدى كازاخستان وأوزبكستان فائض من الكهرباء لمقايضته، لذلك بدأتا ببيع النفط والغاز والفحم، الا أن قيرغيزستان وطاجيكستان لم تملكا الموارد الكافية لشراء الوقود لتشغيل محطات أنتاج الكهرباء لديهما، فبدأتا إطلاق المياه اللازمة لتأمين أنتاج الطاقة الكهرومائية في فصل الشتاء. مما عطل النظام السابق القائم على المقايضة. تبدأ الثلوج في سلسلة جبال تيان شان بالذوبان في شهر مايو، فتزداد مناسيب المياه في الأنهار فتمتلأ السدود والخزانات قبل في الصيف، وهذه المياه تستخدم للشرب والري والطاقة الكهربائية. أن اكثر من 93% من كهرباء قيرغيزستان و أكثر من 98% من كهرباء طاجيكستان تأتي من المحطات الكهرومائية، بسبب القرارات التي أتخذت في منتصف التسعينيات لأنتاج الكهرباء في فصل الشتاء، بدلا من الاعتماد على الكهرباء والوقود من كازاخستان وأوزبكستان. أما أوزبكستان فهي تستخدم ما يصل إلى 90% من المياه القادمة عن قيرغيزستان وطاجيكستان في الربيع والصيف لري القطن، المحصول الأول للدولتين. وبسبب الهدر الكبير الذي يصل في بعض الأحيان الى 80%، فأن نظام الري في أوزبكستان بحاجة ماسة إلى التحديث. يشير الباحثون إلى أن 50 إلى 80 في المائة من المياه المستخدمة في الري الزراعي المفقودة. يقول أحد المسئولين: ”على الفلاحين أستخدام وسائل الري الحديثة، الا أن الحكومة لا تريد تخصيص الأموال لذلك، أو لشراء معدات حديثة لجني القطن بديلا عن أستخدام الأطفال أو اليد العاملة لأنهما أرخص. أن أزمة المياه في أوزبكستان غير حقيقية، أنها مفتعلة ومن أجل غايات معينة. ”تؤكد ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن أوزبكستان تعاني من مشكلة الملوحة بسبب الأستخدام السيء للمياه، وهي واحدة من المشاكل البيئية الأكثر خطورة في البلاد. الا أن معدلات الملوحة من قيرغيزستان وطاجيكستان انخفض في التسعينيات، ولكن سوء الإدارة وأنظمة تصريف المياه أدتا الى أرتفاع نسبة الملوحة من جديد، ناهيك عن أرتفاعها مجددا في مناطق خزانات المياه في آسيا الوسطى بشكل عام.
يعتبر تلوث المياه مصدرا آخر للقلق المتزايد في جميع أنحاء المنطقة. وقال متخصص في شئون المياه أن “كازاخستان تشكو بالفعل عن نوعية المياه القادمة من أوزبكستان لأن الحكومة الأوزبكية تنتهج سياسة زراعية خاطئة. تزرع أوزبكستان بزراعة كميات كبيرة من القمح والقطن سنويا، علاوة على السماح للفلاحين بزراعة محصول ثالث لدخلهم الخاص، وهذا يحدث بأستمرار دون توقف مما يتسبب في تعب التربة التي تعطى للتعويض المزيد من الأسمدة الكيمياوية من أجل الحفاظ على نسبة الحصاد المطلوبة. كما ان القطن يحتاج الى الكثير من المبيدات الحشرية، ناهيك عن أن النمو السكاني والنمو الاقتصادي الذي يعقد المشكلة. ومما يزيد الطين بلة أنعدام الثقة بين تلك البلدان. يقول الطاجيك والقرغيز أن أوزبكستان لا يمكن الوثوق بها، ويقول الأوزبك أنهم مهددون ولا أحد يلتفت الى شكاويهم. مسئول أممي اعترف أن جميع الأطراف تتلكأ في معالجة القضية، الا أن الحلول موجودة. يقول البنك الدولي أن إصلاح القطاع الزراعي في أوزبكستان هو أحد أنجع الطرق لحل القضية.
قدرت الأحصائيات الصادرة في عام 2000، أن 55.9 مليون شخص يعيشون في آسيا الوسطى. وصل الرقم اليوم الى حوالي 65.7 مليون ومن المتوقع أن يصل العدد الى حوالي 85 مليون نسمة في عام 2040 مما يعني المزيد من الطلب على المياه. كما ان الهجرة الداخلية من الريف الى المدن تزيد المشكلة تعقيدا. كما أن حكومات تلك الدول لا تخصص الأموال الكافية لإصلاح البنية التحتية أو للحوافز من اجل إصلاح الممارسات الزراعية التي تستنزف المياه .
وخلصت أنيس بيرنارتس الخبيرة في الفاو الى أن غياب رؤية مشتركة حول الأمن المائي يؤدي إلى زيادة مخاطر المنافسة والصراع على الموارد المائية وتدهور الموارد الطبيعية. أن المتغيرات المتعددة مثلا تغير المناخ والتوسع العمراني والنمو السكاني والنمو الاقتصادي – تضع المزيد من الضغط على الموارد المائية في المنطقة وعلى الحكومات التاكد من أن المؤسسات المسؤولة عن خدمات المياه والموارد قادرة على الاستجابة الى هذه المتغيرات. تخشى روسيا من ان تؤدي مشاكل المياه الى حالة من عدم الاستقرار السياسي والنزاعات. في عام 2012، حذر قائد القوات البرية الروسية الجنرال فلاديمير تشيركين من أن قضايا المياه والأراضي والطاقة قد تتسبب في اندلاع “النزاعات المسلحة المحلية” في آسيا الوسطى. دبلوماسي غربي في المنطقة وصف الوضع على الحدود في وادي فرغانة بأنه ملتهب ومعقد وأضاف أن الطلب المتزايد على المياه قد يشعل الحرب بين تلك الدول. وأيدت ذلك الأمم المتحدة والأتحاد الأوربي ومنظمة الأمن والتعاون الأوربية، فضلا عن مستشاري الحكومة القيرغيزية.
تعتقد أوزبكستان أن روسيا، بالرغم من مخاوفها المعلنة إزاء الخطر الذي تشكله قضايا الموارد، تساهم في تفاقم التوتر حول المياه في المنطقة لأن موسكو قدمت قرضا قيمته 1.7 مليار دولار لقرغيزستان لتمويل سد كامباراتا لأنتاج 1،860 ميجاواط، كما أن ذلك يعتبر تغيرا في سياسة موسكو السابقة القائمة على الحياد. وقالت موسكو أنها تنظر في مسألة تمويل سد روجون في طاجيكستان. تعارض أوزبكستان بحزم كلا المشروعين، مشيرة الى مخاوف بيئية، مشيرة الى أنها لا تثق في أن قيرغيزستان وطاجيكستان ستطلقان ما تحتاجه من مياه للزراعة و أن السدين سيعطيان البلدين القدرة على تخزين المزيد من المياه على حساب حاجتها ولأستخدام المياه لأهداف سياسية واقتصادية .
وسيؤدي تغير المناخ الى تفاقم مشاكل المياه في وادي فرغانة. أن جملة من العوامل – من بينها ضعف المؤسسات وتسييس الموارد المائية – جعلت آسيا الوسطى منطقة مهيئة للمزيد من المشاكل ويتفق المختصون في شئون المنطقة والمياه على أن إدارة المياه الإقليمية ستصبح أكثر صعوبة في المستقبل. أن مشاريع جديدة مثل سدي كامباراتا الأول والثاني في قيرغيزستان وسد روجون في طاجيكستان تثير غضب طشقند، على الرغم من بعض الخبراء يقولون أن تلك السدود يمكنها أن تحسن إدارة المياه، لأنها سوف تخزن المياه التي يمكن أن تستخدم للري. أن ما يقرب من عشرة ملايين شخص في أوزبكستان يعتمدون على مياه الأنهار في زراعتهم ويبدو أن الجهود الدولية قد فشلت في أيجاد حلول ناجعة لأدارة المياه في المنطقة. وتحذر منظمة الأغذية والزراعة من “قلق متزايد حول تغير المناخ، خصوصا أن تغير المناخ يؤثر على أمن المياه والطاقة في منطقة آسيا الوسطى. هذا قد يؤدي إلى التوتر السياسي بين تلك البلدان ما لم تتعاون فيما بينها في إدارة مواردها المائية .
في عام 2012، أستنتج الباحثون الذين درسوا حوض نهر سيحون الى أن تغير المناخ سيؤثر تأثيرا خطيرا على دورة المياه في النهر لأن ذوبان في وقت مبكر سيؤثر على كمية المياه المخزونة للزراعة في الصيف، خاصة ان المنطقة تلك من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية من وادي فرغانة في الجزء الأوزبكي. وتقول الفاو أن إمدادات المياه قد تنخفض بشكل كارثي بحلول نهاية هذا القرن.
الحدود والمياه :
تشترك قرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان بحدود يبلغ طولها 3681 كيلومترا، منها 961 كيلومتر متنازع عليها، معظمها في أن ازمة المياه تتفاقم ليس فقط بسبب سوء الأدارة والبنى التحتية، ولكن بسبب قضايا ترسيم الحدود. في 2012-2013، وقع 38 حادثا أمنيا على الحدود القرغيزية الأوزبكية و 37 على الحدود قيرغيزية الطاجية تسببت في وفاة أربع أشخاص. تقول دائرة حدود قيرغيزستان أن عدد الحوادث بدأ بالتناقص منذ عام 2010، لكن المسؤولين على الأرض يقول ان تلك الارقام لا تعكس العدد الحقيقي للحوادث وأشاروا أيضا إلى أن الضغط على موارد المياه والأراضي يشتد.كما ان الوضع السياسي العام ترك أيضا بصماته، حيث نما التوتر العرقي في وادي فرغانة بشكل كبير منذ أعمال العنف العرقي في يونيو 2010 ضد الأوزبك في مدينة أوش الأوزبكية والتي خلفت نحو 470 قتيلا، وكذلك الحال في مدينة باتكن الواقعة في أقصى جنوب قرغيزستان، وتقع في وادي فرغانة قرب الحدود مع أوزبكستان وطاجيكستان. هذه المشاكل تعود في الأساس الى ترتيبات المشاركة والمقايضة التي اتبعها الأتحاد السوفيتي السابق .
أن العلاقات المتوترة بين طاجيكستان وأوزبكستان جراء اعتراض طشقند على مشاريع الطاقة الكهرمائية، أزدادت توترا بسبب النزاع الطويل حول خزان فرخاد في شمال طاجيكستان والذي أستولت عليه طاجيكستان في 2002. كان الخزان في الأصل جزءا من جمهورية طاجكستان السوفيتية وأجّرته الى الى أوزبكستان في عام 1933 لمدة 40 عاما. قالت دوشانبي أنه من حقها أستعادت تلك المنطقة بعد انتهاء عقد الإيجار، الا أن أوزبكستان رفضت ذلك. تقول طشقند أنه تم الاتفاق على صفقة لتبادل الأراضي في 1944. أن الخزان يوفر المياه لحقول القطن في ماتشين و ظفراباد واللتين ينتجان 60% من القطن المزروع في مقاطعة صغد الطاجية، علاوة على وجود محطة لأنتاج الكهرباء.
في نوفمبر 2011، احتشدت الجيش الأوزبكي في منطقة بيكاباد المتاخمة لمقاطعة صغد بعد مقتل احد جنود حرس الحدود في اشتباك مع نظرائهم الطاجيكية. سادت يومها المخاوف من أن أوزبكستان كانت تستعد لاستعادة السيطرة على الخزان. بعد أيام قليلة من ذلك الحادث أوقفت أوزبكستان خط السكك الحديدية الذي يربط ترميز على الحدود مع أفغانستان بمدينة كورغون تبه في مقاطعة خاتلون الطاجية. زعمت السلطات الأوزبكية أنها وقعت ضحية تفجير إرهابي، ولكن طاجيكستان تعتقد أنه عمل تخريبي واتهمت أوزبكستان بفرض حصار اقتصادي عليها يهدف الى زعزعة استقرار البلاد.
الا أن المواجهات يمكن تتصاعد، بدلا من كونها بين عوائل تتنافس على المياه والزراعة تتطور الى مشاكل عرقية تودي الى نزاع مسلح بين الدول. على سبيل المثال لا تبدي السلطات القرقيزية والأوزبكية تعاونا كبيرا في منطقة جلال اباد الحدودية في مسألة قنوات الري. يقول مهندسون قرقيز أن أوزبكستان توفر أحيانا المعدات لكري القنوات، ولكنها تستخدم المياه بدون ضوابط مما يثير حفيظة السكان في المنطقة خاصة في فصل الصيف .
استنزاف المياه في أسيا الوسطى:
أن فشل قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان في توفير الخدمات الأساسية بشكل كبير يزيد من الاعتقاد بأن حكوماتهم ضعيفة وفاسدة ويوفر فرصة امام حركات المعارضة التي تسعى للاطاحة بتلك الحكومات، خاصة وان المياه و الكهرباء من الخدمات الأساسية لشعوب المنطقة. أن ما يقرب من 7.5 مليون من أصل 28.9 مليون شخص في أوزبكستان و4.8 مليون من أصل 8 مليون في طاجيكستان و2 مليون من مجموع 5.6 مليون في قرغيزستان يفتقرون الى على مياه الشرب النظيفة. تقول الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، والذي بدأت العمل في البلدان الثلاثة في 1990 التسعينيات، أنه منذ انهيار انهيار الاتحاد السوفياتي، أفتقر العديد من الناس الى المياه الصالحة للشرب في تلك الدول بسبب قلة المخصص من الأموال للبنى التحتية الخاصة بالمياه و كذلك لتزايد عدد السكان. في كثير من المناطق الحضرية، لم يتم تحديث البنية التحتية للمياه منذ الخمسينيات مما يتسبب في المزيد من الهدر. في جلال أباد القرقيزية التي يقطنها 89،000، يضيع 70% من مياه الشرب بسبب أنابيب المياه القديمة. يقول مسئول في منطقة كادامجي في باتكن أن مشاكل المياه تحدث ليس لأننا لا نملك ما يكفي من الماء ولكن بسبب ضعف أدارة تلك المياه .
على أطراف مدينة بيشكيك يقضي المقيمين في الأحياء الفقيرة ساعات يوميا لحمل المياه الى بيوتهم. يقول الناس تتجاهل أحتجاجاتهم، وهذا التجاهل يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة في قيرغيزستان، حيث تم الاطاحة برئيسين منذ عام 2005 بسبب الاضطرابات. وكان الاتهام الرئيسي الموجه ضد الرئيس كرمان بك باكييف في 2010 أن أفراد عائلته قد باعوا بشكل غير قانوني المياه الى كازاخستان لتحقيق مكاسب شخصية. توجد مشاكل مشابهة في دوشانبي وفي أوزبكستان.
في العام 2000، أفتقر 25% من السكان في خوجاند، ثاني أكبر مدينة في طاجيكستان (السكان 165،000)، الى المياه الصالحة للشرب، اما النسبة الباقية فكانت تصلهم مياه ذات نوعية رديئة و لمدة لا تزيد عن 18 ساعة يوميا. ناهيك عن ضياع 80% من المياه بسبب رداءة شبكة الأنابيب. تدخلت أمانة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية بالتعاون مع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير لأصلاح الأوضاع فوزعت 32،000 عداد للمياه على السكان وبدأت في وقت واحد لتحسين البنية التحتية وإعادة تأهيل مضخات المياه، ووضع أنابيب جديدة، فانخفض استهلاك المياه من 680 الى 465 لتر للفرد بين عامي 2005 و2013؛ وأرتفع تحصيل فواتير المياه بمعدل 90% مع تراجع في الأمراض المنقولة عن طريق المياه. الأمول المستحصلة تمكن شركة المياه المحلية بمواصلة تجديد شبكة توزيع المياه وتحسين الخدمات العامة. وطبق النموذج الطاجي على بعض المدن القرقيزية بعد نجاحة في العديد من المدن الطاجية. الا مشروع طازه سو لم يلق النجاح ذاته بسبب الفساد، وما زالت هناك أكثر من 30 قضية سرقة وفساد تنظرها المحاكم الا أن الجهات الممولة للمشروع، خاصة بنك التنمية الأسيوي الغى المشروع .
السياسات المائية المتضاربة:
في ظل الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي، كانت أوزبكستان المركز الإداري والسياسي والتعليمي لآسيا الوسطى. يعتقد الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف أن بلاده التي يزيد عدد سكانها أكثر بعشرة ملايين عن كازاخستان، ينبغي أن يكون لها دورا أكبر في الشؤون الإقليمية وهو موقف ترفضه جيران أوزبكستان .
كان جوهر النزاع رفض أوزبكستان بناء مشاريع الطاقة المائية الكبيرة على الأنهار التي تمر عبر أراضيها، ومنها فاخش، الرافد الرئيسي لنهر جيحون وونارين الذي الذي يصب في سيحون. صمم سد كامباراتا الأول في قيرغيزستان على نارين لتوليد حوالي 2،000 ميغاواط، بمعونة من الروس. بدأ المشروع في عام 1986، ولكن توقفت بعد أنهيار الأتحاد السوفيتي. وعاد العمل، الا أنه كان بطيئا. اذا ما اكتمل سد روجون على نهر فاخش في طاجيكستان، سوف يصل ارتفاعه الى 335 مترا وسيولد 3،600 ميجاواط. تم تعليق البناء ولكن قد يعود قريبا بعد موافقة البنك الدولي عليه. وحذر وزير المالية الأوزبكي في رسالة الى البنك الدولي أن أرتفاع السد قد يتسبب في عواقب كبيرة. الا أن موقف البنك الدولي يشكل نكسة لكريموف، الذي حذر مرات عدة أن مثل هذه المشاريع الضخمة قد تشعل حربا في الأقليم: ”يمكن أن تصبح مشكلة الموارد المائية في المستقبل سببا في تصعيد التوتر ليس فقط في منطقتنا، ولكن في جميع انحاء العالم. لن أسمي بلدان بعينها، الا أن الأمور قد تتدهور الى حد أندلاع الحروب، يبدو أن مخططو سد روجون في طاجيكستان يفكرون بموسوعة جينس للرقام القياسية، لكننا نتحدث هنا (كان يتحدث في سبتمبر 2012 في العاصمة الكازاخستانية الأستانة) عن حياة الملايين من الناس الذين لا يستطيعون العيش من دون ماء. وقد وضعت هذه المشاريع في فترتي السبعينيات والثمانينيات ،عندما كنا جميعا نعيش تحت ظل الاتحاد السوفياتي ونعاني من جنون العظمة، ولكن الأوقات تتغير. يجب بناء السدود اليوم على أساس مختلف تماما.
تقول طاجيكستان وقيرغيزستان أن مشاريعهم الكبيرة حاسمة في التنمية الاقتصادية وتمكنهم من تلبية احتياجات الطاقة المحلية وخلق فائض للتصدير. قال وزير الخارجية الأوزبكي عبد العزيز كاميلوف في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2013 أن نهري سيحون وجيحون (سير داريا وآمو داريا) هي موارد إقليمية مشتركة وطلب إجراء تقييم ملزم من للامم المتحدة لسدي كامباراتا الأول وروجون. وأضاف كريموف أن جميع مشاريع الطاقة المائية يجب ان تقييم دوليا و تحظى بموافقة أوزبكستان.
بعد إصدار تقرير البنك الدولي، قال مسؤولون روس أن العمل في روجون قد يتواصل بدعم من موسكو. وقال دبلوماسي روسي رفيع المستوى أنه إذا أستخدمت أوزبكستان القوة ضد طاجيكستان أو قيرغيزستان، فأن جميع الدول المنضوية تحت لواء منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا ستقف مع الدولتين العضوين في المنظمة .
تعترض أوزبكستان ايضا على مشروع أقليمي أخر للطاقة هو، مشروع نقل الطاقة والتجارة بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا والمعروف أختصارا ( كاسا 1000)، الذي يهدف إلى تصدير ما يصل إلى 1،300 ميجاوات من الكهرباء الفائضة في الصيف من قيرغيزستان وطاجيكستان إلى أفغانستان وباكستان. تقدر كلفة المشروع بحوالي 953 مليون دولار، وبدعم من البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. يتضمن المشروع بناء شبكة من خطوط الكهرباء بطول 1307 كيلومترات من قيرغيزستان الى باكستان ومحطات تحويل في طاجيكستان وأفغانستان وباكستان. وفقا لدراسة الجدوى التي أجريت للبنك الدولي، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، فأن محطات الطاقة المائية الموجودة، تكفي للتصدير في الصيف وبشكل مجدي تجاريا. الا أن الرئيس الطاجي إمام علي رحمون قال في عام 2013، أن “المشروع غير مربح ما لم يتم تشغيل وحدتين من روجون”. تصر قيرغيزستان يصر على أن سد كامباراتا الاول حيوي لكاسا 1000، بالرغم من نتائج دراسة الجدوى.
تعتقد أوزبكستان أن دراسة الجدوى بها “أخطاء كبيرة”. في تقييم للمخاطر إرسلتها إلى البنك الدولي في ديسمبر عام 2013، قال خبراء أوزبكيون ان الدراسة بالغت في تقدير الفائض الصيفي، وقلللت من حاجة قيرغيزستان وطاجيكستان للكهرباء، بالاضافة الى أخطاء في حساب كلفة شبكة خطوط الكهرباء. وخلصوا إلى: “إن تنفيذ كاسا 1000 هو جزء من خطة طاجيكستان وقيرغيزستان لبناء روجون وكمباراتا الاول واللذين سيؤديان الى نتائج ستزيد من حالة التوتر “المائي” في المنطقة. وحثت طشقند البنك الدولي إلى التخلي عن المشروع لأنه سيكون ذو عواقب نفسية واجتماعية وبيئية لا يمكن اصلاحها في منطقة آسيا الوسطى”.
الا أن الموقف الأوزبكي لم يحظى بتعاطف، سواء جيرانها أو على الصعيد الدولي، الا أن أحد خبراء الطاقة السويسريين قال أن أعتراضات أوزبكستان لا تخلو في جانب منها على الحقيقة، خاصة أعتماد المشروع على سدي روجون وكامباراتا الاول. كما أن قيرغيزستان وطاجيكستان تحتاجان الى إدارة مواردها بشكل أفضل من خلال القضاء على الفساد في قطاع الطاقة وتحسين الإدارة. وفقا للبنك الدولي، فإن مصهر الألمنيوم (تالكو) وهو المشروع الصناعي الكبير الوحيد في طاجيكستان يستهلك 40% من الكهرباء في البلاد الا أنه لا يدفع مستحقات تلك الكهرباء .
أن انهيار صفقات المقايضة أيام الحقبة السوفياتية، سبب الحرج لقيرغيزستان في تلبية الطلب المحلي من الطاقة. في السنوات الأخيرة أصبح أمن الطاقة فيها، سواء الكهرباء المنتج محليا أو الغاز المستورد، أكثر خطورة وتعقيدا من أي وقت مضى بسبب مجموعة من العوامل البيئية، وتهالك البنية التحتية وسوء العلاقات مع أوزبكستان، المورد الرئيسي للغاز لجنوب قيرغيزستان. عندما اشترت شركة جازبروم الروسية شركة قيرغيجاز المملوكة للدولة في قيرغيزستان، في ابريل عام 2014، قامت طشقند بوقف إمدادات الغاز إلى جنوب قرغيزستان. قال اوتارباييف رئيس وزراء قرغيزستان أن المسئولين الأوزبك او شركة الغاز الأوزبكية تجاهلوا أتصالاته ورسائله، في حين وصلت الأحتجاجات الى أوجها في فصل الصيف على الحكومة القيرغيزية، وتفاقم الوضع بسبب انخفاض منسوب المياه بشكل كبير في خزان تكتوجول، الذي ينتج الجزء الأكبر من الكهرباء في قرغيزستان. عثمانبيك ارتيكبييف وزير الطاقة والصناعة حذر من أن البلاد لن تكون قادرة على تصدير الكهرباء في السنة القادمة. في 15 أغسطس 2014، طلب رئيس الوزراء من المواطنين التهيأ لنقص في الكهرباء خلال فصل الشتاء 2014-2015. مسؤولون كبار من القطاع الخاص ابدى تخوفهم من أن الطلب المحلي المتزايد على الكهرباء قد يؤدي الى انهيار نظام الطاقة. المراقبون الأجانب يحذرون من أن التوقعات لعام 2015 تبدو قاتمة. بعيدا عن مشاكل التوليد عن انخفاض منسوب المياه، فأن البنى التحتية متهالكة ولا توجد اموال كافية لأصلاحها .
تعهدت الحكومة القيرغيزية بتزويد المواطنين بالفحم بسعر معقول، الا أن تلك الأسعار ستكون مرهقة للعديد من الأسر. في باتكن، وهي أحد المناطق التي تضررت من توقف الغاز الأوزبكي، عمد الناس الى قطع الأشجار وجمع روث الحيوانات أستعدادا لموسم الشتاء. ومن غير الواضح كيف سيتم توفير التدفئة للعديد من المباني السكنية الكبيرة في أوش التي تعتمد على نظام التدفئة المركزية في المدينة. بيشكيك والمحافظات الشمالية (تشوي وإيسيك كول) ستواجه أيضا قيودا على استخدام الكهرباء. يعترف مسؤولون قيرغيزستان والمجتمع الدولي أن ذلك سيكون سببا للعديد من الأحتجاجات و الأضطرابات.
من أجل الضغط على طشقند لأستئناف إمدادات الغاز، هددت قيرغيزستان بقطع المياه في ذروة موسم الري. اقترحت لجنة برلمانية التقليل من المياه المقدمة الى أوزبكستان من تكتوجول خلال الصيف لتوفير المياه لأنتاج الكهرباء في فصل الشتاء. إن هذه الأجراءات ستضر كثيرا العلاقات القرغيزية الأوزبكية. طشقند لم تستجب رسميا للتهديد، ويوم 9 يونيو أعلن المسؤولون القرغيز عن خطة لإغلاق قناة نامانجان لاغراض الصيانة. وهي القناة التي تنبع من مقاطعة جلال آباد في قرغيزستان وتتجه الى نامانغان في شرق أوزبكستان، وتوفر المياه في موسم الزراعة الى عدد كبير من سكان وادي فرغانة. في 17 يونيو، أكد قربانباي اسكندروف رئيس وكالة قيرغيزستان لترسيم الحدود أكد أن أوزبكستان ستستأنف امدادات الغاز الى الجنوب اذا فتحت قيرغيزستان ممرا بريا الى القطاع الأوزبكي من سوخ وافقت على وقف بناء محطات الطاقة الكهرومائية على نهر نارين. الا أن أوزبكستان لم تؤكد أو تنفي ذلك. الا أن هذه الشروط لن توافق عليها قيرغيزستان، كما أعلن محافظ اوش قادرباييف الذي قال أن بلاده لن تبيع أراضيها من أجل الغاز الأوزبكي ،مهما كانت الصعوبات التي سنتغلب عليها من أجل الحفاظ على سيادتنا.
ويحذر محللون من أن الحكومة الأوزبكية والمواطنين الأوزبك في المنطقة المتضررة سيعتبرون قطع المياه عملا أستفزازيا. وقال دبلوماسي أوروبي في بيشكيك “لقد اصبحت القضية سياسية” وبينما يقترب الصيف من نهايته، فأن قيرغيزستان لم تغلق قناة نامانغان، وأوزبكستان لم تستانف امدادات الغاز الى جنوب قرغيزستان. في 31 آغسطس الماضي قال رئيس قرغيزستان ألمظ بك اتامباييف ان شركة جازبروم ستوفر الغاز لجنوب قرغيزستان في 2016. الا أنه لم يتحدث عن مصادر توفير الغاز في الشتائين القادمين .
مستقبل المنطقة:
كان التراث السياسي والاجتماعي للاتحاد السوفيتي والتطورات اللاحقة معقدة، الا ان على قرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان أن تدرك أن قضايا المياه قد تكون سهلة الحل . وينبغي أيضا أن تدرك تلك الدول أن خطط إدارة المياه ومشاريع التحديث سترفع نسب الدعم المحلي والعالمي. أن حل مثل هذه القضايا على المستوى المحلي، خاصة في المناطق الحدودية، قد توفر لبنة في بناء علاقات أفضل للمجتمع وعبر الحدود وتحسين الأمن في وادي فرغانة، والسماح لهم بالتركيز على التحديات المشتركة الكبيرة مثل التوترات العرقية والتطرف.
في عام 2000، شكلت الدول الثلاث سلسلة من اللجان الحكومية المشتركة للعمل على ترسيم الحدود وترسيم الحدود، وهي مسألة ترتبط ارتباطا وثيقا بالمياه، الا أن هذه اللجان وكما ذكر أعلاه، لم تحرز الكثير كما أنها لم تتمكن حتى من الاتفاق على الخرائط التي تستخدم في المفاوضات. قال مسؤول كبير في قيرغيزستان أن اللجان تجتمع فقط لتبادل التحايا“. أن عدم القدرة على حل قضية الأراضي تؤكد نقص القدرة والإرادة السياسية في التعامل معها. وتعثرت قضايا المياه بالطريقة مثلها. فشلت الدول الثلاث في الاتفاق على تخصيص الموارد العابرة للحدود. منذ انهيار اتفاقات الحقبة السوفيتية لمقايضة المياه، يمكن لقيرغيزستان وطاجيكستان أن تحول المياه الى مال من خلال مشاريع الطاقة الكهرومائية. وهذا يتطلب استثمارات ضخمة وخطورة معاداة جار قوي. تمتلك أوزبكستان الغاز الذي يمكن أن تبيعه. وهذا يترك قيرغيزستان وطاجيكستان الفقيرتين تعتمدان على الاستثمار والمساعدات الأجنبية وتخضع لضغوط اقتصادية، وربما عسكرية.
بينما يقر المسؤولون الأوزبك (ليس علنا ) بالحاجة لوضع اتفاقية مياه في المنطقة، يتوجب على قيرغيزستان وطاجيكستان اللتين لا تثقان بنوايا طشقند الجلوس معها على مائدة المفاوضات. أن خطط قيرغيزستان وطاجيكستان لبناء محطات الطاقة الكهرومائية الكبيرة تثير غضب أوزبكستان، وبالتالي يزيد من تعقيد البحث عن اتفاق. ومما يقلل من فرص التفاوض ميل أوزبكستان لاستخدام ما وصفه مسؤولون في قرغيزستان أحيانا باسم “القوة الخشنة”: مثلا وقف السكك الحديدية بين البلدين وخفض امدادات الغاز دون تفسير أو إنذار. إن الوضع بحاجة الى وسيط رفيع المستوى ومحايد بين الدول الثلاث.
أن الفساد والمصالح الخفية والمواقف غير المرنة في جميع الدول الثلاث تعيق التوصل إلى حل مقبول لجميع الأطراف. ومن شأن وضع استراتيجية تنمية مشتركة مع التركيز على إصلاح قطاعي الزراعة والطاقة سيصب في مصلحة الجميع، الا أن ذلك يتطلب تغير جذري في طرق التفكير لدى قادة تلك الدول. الا أن الواقع لا يدلل على أستعداد هؤلاء القادة للتراجع عن بعض المواقف. أن الصناعات القائمة على الماء والكهرباء تدعم النظامين في طاجيكستان وأوزبكستان بعض العملة الصعبة أما قيرغيزستان فهي متهمة بالتغاضي عن الفساد في قطاع الطاقة .
أن قضية السيادة الوطنية تجعل من تقاسم إدارة الموارد المشتركة لا معنى لها عند المسئولين الذين يستفيدون من المواقف المتشددة، لو أن في المنطقة مؤسسات حقيقية وممارسات ديمقراطية بدلا من المستبدين والتزمت الشخصي، يمكن عندها حل قضايا المياه والطاقة بيسر وسهولة. أن القضية الأساسية هي أن البنية التحتية للمياه والطاقة صممت ليتم تشغيلها من قبل دولة واحدة – الاتحاد السوفياتي – كنظام متكامل واحد. الا انها تدار اليوم من من قبل أربع أو خمس دول مستقلة لا تعرف الكثير عن التعاون الحقيقي“. نظرا لهذا الوضع، فإن اتفاقات منفصلة حول سيحون وجيحون ستمنح قيرغيزستان وأوزبكستان الفرصة للتفاوض بعيدا عن مشاكل أوزبكستان وطاجيكستان. وبالمثل، فإن لطاجيكستان وأوزبكستان فرصة أفضل للتفاوض أذا ناقشا قضاياهما بعيدا عن المشاكل الأوزبكية القرغيزية. ينبغي أن يكون للشركاء الدوليين في المنطقة أيضا دور، خاصة التشجيع والحث من الأمم المتحدة وروسيا والصين والغرب – كل منهم، إلى حد ما، غذا القلق الأوزبكي من خلال تمويل مشاريع الطاقة الكهرمائية وطموحات تصدير الكهرباء. ينبغي معالجة المخاوف الأوزبكية في أي اتفاق، الا أن على طشقند علاج نظام الري وشبكات المياه لديها للتقليل من الهدر. يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد من خلال التمويل والدعم التقني.
يجب على قرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وضع استراتيجية تنمية مشتركة للزراعة والطاقة والالتزام بترسيم الحدود دون استخدام المياه أو الطاقة كسلاح. في المدى الطويل، ينبغي أن تعمل الدول على توقيع اتفاقية ملزمة للموارد المائية. في المدى القصير يجب الوصول الى تفاهمات ثنائية أو ثلاثية لتقاسم مياه سيحون وجيحون.
ينبغي على المجتمع الدولي حث بيشكيك، ودوشانبي وطشقند على تحديد أولويات ترسيم الحدود وذلك لزيادة الأمن، كما ينبغي تشجيع أوزبكستان على التفاوض مع جيرانها لوضع اللمسات الأخيرة على عملية ترسيم الحدود المتوقفة. وينبغي للأمم المتحدة حث الدول على التوصل الى اتفاقيات ثنائية حول المياه التي قد توفر الأساس النهائي لإجماع إقليمي.
أن عجز بيشكيك، ودوشانبي وطشقند على حل مشاكل المياه العابرة للحدود أدى الى عدم الاستقرار في المنطقة. إن العلاقات العرقية المتوترة والتنافس على المياه والأراضي يمكن أن تسسب في حروب طاحنة. أن الصراع في هذا الجزء المضطرب من آسيا الوسطى قد يتوسع فيزعزع الأستقرار الإقليمي وبشكل دائم.
أن الفشل في ضمان الخدمات الأساسية مثل المياه الصالحة للشرب والزراعة والكهرباء يشل التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويغذي مشاعر الاستياء السياسي ويهدد سبل العيش. ينبغي استخدام المعونات المقدمة من المانحين في التخفيف من هذا التوتر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق