الجمعة، 28 فبراير 2020

بخاري عاصمة للثقافة الإسلامية 2020

بخاري عاصمة للثقافة الإسلامية 2020
طشقند 28/2/2020 أعدها للنشر أ.د. محمد البخاري.
تحتعنوان "بخاري عاصمة للثقافة الإسلامية 2020" نشرت الوسيلة نيوز المصربة يوم 27/2/2020 مقالة كتبها الدكتور  أحمد عبده طربين وجاء فيها:


يعد مشروع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" بشأن عواصم الثقافة الإسلامية من المشروعات الرائدة الهامة التي لها دور كبير في إبراز والتعريف بما تحتضنه عواصم ومدن العالم الإسلامي من تراث وإرث ثقافي وحضاري كبير، والمساهمة في الحفاظ علي ذلك التراث الثقافي الهائل بشقيه المادي من آثار ومعالم وكتب ومخطوطات، وغير المادي من فلكلور وعادات وتقاليد وحرف وغيرها من موروث فكري وثقافي كان له دوره ومساهمته الكبيرة في الحضارتين الإسلامية والإنسانية.
لقد كان ومازال للثقافة دورها الهام في تشكيل الوعي والفكر، وبناء الشخصية القادرة علي الابداع، وهو ما يسهم بشكل كبير في الإرتقاء بالأمم وازدهار الدول وتقدم الشعوب، وتقديراً للدور الهام الذي تقوم به المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" في تنمية العلوم والثقافة لدي شعوب العالم الإسلامي، فقد كانت لدي رغبة كبيرة في المشاركة بهذا العمل المتواضع، من خلال التعريف بمدينة بخاري موطن الإمام البخاري صاحب الصحيح، التي تم اختيارها من قبل "إيسيسكو" عاصمة للثقافة الإسلامية عن القارة الآسيوية لهذا العام 2020، خاصة ما تمتلكه من تراث عريق كان شاهداً علي تاريخها الحافل.
قرّر المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة للدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، المنعقد في الدوحة خلال الفترة من 29 إلى31 ديسمبر/كانون أول 2001، اعتماد مشروع برنامج عواصم الثقافة الإسلامية الذي تقدمت به المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"، والذي دعا الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي إلى ترشيح مدن تختار "الإيسيسكو" منها كل عام ثلاث عواصم للثقافة الإسلامية، تمثل المناطق العربية والآسيوية والأفريقية، على أن تكون مكة المكرمة أول عاصمة للثقافة الإسلامية. واستناداً إلى قرار المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية في دورته التاسعة والعشرين المنعقدة في الخرطوم بجمهورية السودان خلال الفترة من 25 إلى 27 يونيو/حزيران 2002 في الموضوع، أعدت "الإيسيسكو" تصوراً متكاملاً لبرنامج عواصم الثقافة الإسلامية، اقترحت فيه ثلاثين عاصمة من المناطق العربية والآسيوية والأفريقية، لتكون عواصم للثقافة الإسلامية خلال السنوات العشر المقبلة. وأن تكون مكة المكرمة أول عاصمة للثقافة الإسلامية. وتضمّن التصور المذكور المعايير المقترحة لاختيار عواصم الثقافة الإسلامية، والخطوط العريضة والتوجهات العامة للأنشطة المقترحة للاحتفاء بالعاصمة المختارة.
وقد اعتمد كل من المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة المنعقد في الجزائر خلال الفترة من 15 إلى 17 ديسمبر/كانون أول 2004، والمؤتمر الإسلامي السادس لوزراء الثقافة المنعقد في باكو من 13 إلى 15 أكتوبر/تشرين أول 2009، والمؤتمر الإسلامي التاسع لوزراء الثقافة المنعقد في مسقط من 2 إلى 4 نوفمبر/تسرين ثاني 2015، لائحة عواصم الثقافة الإسلامية خلال الفترة من عام 2005 إلي عام 2025. ووفقاً لبرنامج الإيسيسكو لعواصم الثقافة الإسلامية، فقد تم اختيار مدينة بخاري، عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2020 ، عن القارة الآسيوية.
تُعدُّ أوزبكستان ضمن الدول العشر الأولى عالمياً من حيث الثراء التاريخي، وكثرة المعالم والآثار التاريخية التي لا مثيل لها في التراث الإنساني، خاصة أن أوزبكستان التي تقع على طريق الحرير العظيم يزيد عدد الآثار التاريخية والثقافية الموجودة علي أراضيها عن أربعة آلاف أثر، وكثير من هذه الآثار دخل ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، فمدنها التاريخية العريقة لها شهرتها الكبيرة في تراثها التاريخي مثل شهرتها في علمائها الذين ملأوا الدنيا بنور علمهم الواسع، وقد تحولت مدن سمرقند، وبخارى، وخيوة، وطشقند، وشهرسبز، وقارشي، وترمذ، ومرغيلان، وقوقند، تحولت إلى مراكز تاريخية كبرى باعتبارها ثروة نادرة للبشرية بأسرها، حيث تحكي الآثار التي تحتويها تلك المدن تاريخ عصر الفتوحات الإسلامية.
تقع بخارى على طريق الحرير القديم، واتسمت بأنها مركز تجارى هام بالإضافة لكونها مركز للدراسة والثقافة وعلوم الدين، وطبقا للملحمة الشعرية الفارسية "شاه نامه"، تأسست مدينة بخارى على يد الملك سياوش بن الشاه كيكاوس، أحد الملوك الأسطورية من أسرة بيشداديان، اختار سياوش هذا الموقع نظراً لتعدد أنهاره ومناخه الدافىء ولوقوعه على طريق الحرير.
وَرَدَ أول ذكر لبخاري في المصادر الصينية في القرن السابع الميلادي، إلا أن دراسة النقوش القديمة تكشف أن الإسم المحلي للمدينة وهو "ويهارا" أي الدير أو الصومعة قد ضُرب على مسكوكاتها قبل القرن السابع الميلادي بقرون، ولا يستبعد أن تكون كلمة بخارى محرّفة عن الكلمة السنسكريتية "فيهارا"، وهي البلدة التي اندمجت في بخارى وورد ذكرها عند جغرافيي القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي. أطلقت المصادر العربية اسم بخارى خداة على سكان بخارى الأصليين.
الكثير من المصادر تشير إلي أن مدينة بخارى تأسست بشكل رسمى في عام 500 قبل الميلاد في المنطقة التي تعرف باسم "قلعة آرك". وعلى الرغم من ذلك فقد سكنت واحة بخارى منذ زمن أقدم من ذلك بكثير، حيث يربط الأثرى الروسى كوزمينا حضارة "زمان بابا" التي وجدت في واحة بخارى منذ الألف الثالثة قبل الميلاد بانتشار الهنود الإيرانيين عبر آسيا الوسطى، ومنذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد ازدهرت حضارة العصر البرونزى المتقدم التي عرفت باسم حضارة ساباللي في مواقع مثل فاراخشا وفاردان وبايكند وراميتان، وفي عام 1500 قبل الميلاد أدت العديد من العوامل كالجفاف واستخدام الحديد ووصول بدو آريان، إلى تحرك عمرانى من المناطق النائية إلى واحة بخارى، وقبل الميلاد بألف عام اندمج شعبي ساباللى وآريان في حضارة مميزة. وفي حوالى عام 700 قبل الميلاد ازدهرت هذه الحضارة الجديدة التي عرفت باسم حضارة سوقديانا في المدن علي امتداد وادى زرافشان، التي كانت جزءاً من الإمبراطورية الأخمينية الفارسية، وبحلول عام 500 قبل الميلاد توسعت تلك التجمعات العمرانية لتندمج في كيان واحد بنى حوله سور، وبذلك ولدت مدينة بخارى لكن تاريخ تأسيس بخارى غير معروف علي وجه التحديد، فأقدم قطع الفخار التي عثر عليها في المدينة تعود إلى عصر المملكة الإغريقية البخترية.
وتتفق أغلب الروايات على أن أول مَن اجتازَ النهر من المسلمين إلى جبال بخارى هو عبيد الله بن زياد والي خراسان عام 54 هـ / 674 م، وكان على عرش بخارى في ذلك الوقت أرملة أميرها التي تجمع أغلب المصادر على تسميتها "خاتون" وهو لفظ تركي معناه "السيدة". وقد أرسلت خاتون إلى الترك تستمدهم، فلقيهم المسلمون وهزموهم فطلبت خاتون الصلح والأمان فصالحها عبيد الله بن زياد على ألف ألف درهم.
ثم ولَّى الخليفة معاوية بن أبي سفيان "41 هـ/ 687 م- 60 هـ/ 706 م" سعيد بن عثمان بن عفان خراسان عام 56 هـ، فقطع النهر وغزا سمرقند وحملت خاتون إليه الأتاوى وأعانته بأهل بخارى، ويذكر النرشخي "286 هـ/ 899 م- 348 هـ/ 959 م" أن " خاتون " حكمت 15 عاماً بوصفها وصية على ابنها القاصر طغشاده.
ولم يتوطد الحكم العربي في المنطقة إلا في خلافة الوليد بن عبد الملك الذي حكم خلال الفترة من عام 86 هـ إلي عام 96 هـ، حينما ولَّى الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراقيين خلال الفترة من عام 75 هـ إلي عام 95 هـ، قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان خلال الفترة من عام 86 هـ إلي عام 96 هـ، وأمره بفتح بلاد ما وراء النهر.
وفتح قتيبة بخارى عام 90 هـ، وكان حاكمها آنذاك وردان خداه، الذي استنجد بالصغد والترك فأنجدوه، لكن قتيبة انتصر عليهم بعد قتال عنيف، وأمر أهل بخارى أن يعطوا نصف بيوتهم للعرب ليقيموا معهم ويَطَّلعوا على أحوالهم فيظلوا على إسلامهم وبنى قتيبة المسجد الجامع داخل حصن بخارى عام 94 هـ / 712 م، وكان ذلك الموضع بيت أصنام، فلما ازداد انتشار الإسلام لم يعد ذلك المسجد يتسع لهم فبُني مسجدٌ آخر بين السور والمدينة في عهد هارون الرشيد " 170 193 هـ".
درج ولاةُ خراسان في مرو منذ عهد قتيبة على تولية عامل أو أمير إلى جانب الأمير المحلي، وفي القرن الثالث حينما نقل أمراء خراسان مركزهم إلى نيسابور بقيت بخارى تابعة إدارياً للطاهريين ولاة خراسان، حتى عام 259 هـ / 873 م. ثم ولّى نصر بن أحمد الساماني أمير سمرقند أخاه إسماعيل أميراً علي بخارى بناء على طلب أهلها وعلمائها، ولما تُوفي نصر عام 279 هـ / 892 م، صار إسماعيل حاكماً لبلاد ما وراء النهر، واعترف به الخليفة أميرًا على خراسان وبلاد ما وراء النهر. وصارت بخارى عاصمة للدولة السامانية ومركز إشعاع للعلوم والصناعة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق