الأحد، 14 يناير 2018

تجبير العظام وصفة لابن سينا منذ ألف عام

تحت عنوان "تجبير العظام وصفة لابن سينا منذ ألف عام" نشرت صحيفة "الخليج" يوم  03/01/2018 مقالة جاء فيها:


كان ابن سينا طبيباً عالماً من الطراز الرفيع، حتى إنه قورن بجالينوس، الطبيب الإغريقي القديم، وكان يعرف باسم «جالينوس المسلم»، تنافست أمم عدة للاحتفاء بذكراه السنوية، ولتقريظ إسهامه في تطوير العلوم الفلسفية والطبية احتفلت به منظمة «اليونيسكو» عام 1980، بعد ألف سنة من مولده.
ولد ابن سينا في أفشانا في أوزبكستان، وغادر مسقط رأسه وهو في العشرين، وقضى بقية حياته في مدن مختلفة، واكب على العلوم حتى أصبح فيلسوفاً وطبيباً مشهوراً، ألف عشرات الكتب كلها بالعربية ما عدا بضع رسائل.
ألف ابن سينا في فروع العلم كلها، ولكنه كان مهتماً أكثر بالفلسفة والطب، لذلك سماه بعض المؤرخين المحدثين «فيلسوفاً»، أكثر مما عدّوه «طبيباً» وآخرون في القرون الأوروبية الوسطى قالوا عنه: «أمير الأطباء».
أغلب أعمال الشيخ الرئيس ابن سينا تنتمي إلى ميدان الطب الذي صنف فيه 43 كتاباً، ووضع 24 كتاباً في الفلسفة، و26 في الفيزياء، و31 في الدين، و23 في علم النفس، و15 في الرياضيات، و22 في المنطق، و5 كتب في تفسير القرآن، كما كتب في الزهد والحب والموسيقى، وبعض القصص. يعد كتاب «القانون في الطب» الذي ألفه بالعربية أهم مؤلفاته، ترجم إلى اللاتينية، وعرف في الإنجليزية بعنوان The Canon. وصف بعض المؤرخين هذا الكتاب بأنه أشهر كتاب في الطب على الإطلاق، لأنه مرجع فريد مملوء بالمعرفة الطبية التي جمعها ابن سينا من حضارات عدة.
وبحلول القرن الثاني عشر كان ابن النفيس المتفوق عام 1288م قد بين أسس كتاب «القانون لابن سينا» لتكون أفكاره سهلة المنال، وكتب عليها تعليقات لتوضيح محتواه، وأقصر نسخة عرفت باسم «موجز القانون»، أو «الموجز في الطب» كتبها في بلاد الشام.
يتألف كتاب «القانون» من خمسة أقسام: الأول عن المبادئ العامة للطب «الأمور الكلية من علم الطب»، والثاني «علم العقاقير في الأدوية المنفردة»، والثالث الأمراض التي تصيب أجزاء معينة من الجسم «في الأمراض الجزئية الواقعة في أعضاء الإنسان من الرأس إلى القدم، ظاهرها وباطنها، والرابع أمراض لا تختص بجزء واحد من الجسم، كالحميات والأضرار الناجمة عن الجروح والرضوض، مثل الكسور وانزياح بعض العظام والمفاصل عن مواضعها، إضافة إلى موضوع الزينة بعنوان «في الأمراض الجزئية التي إذا وقعت لم تختص بعضو وفي الزينة»، وخصص ابن سينا المقالة الأخيرة لوصفات الأدوية المركبة «الأقرباذين» ويحتوي القسم الرابع على فصلين، أو فنين يتعلقان بالكسور، وهما الفنان الرابع والخامس، ويستغرقان سبع مقالات: يهتم الفن الرابع بالكسر والجبر، والخامس بالجبر فقط.
ويصف الفن الرابع المختص بالكسر والجبر (المعنون «في تفرق الاتصال سواء ما يتعلق بالكسر والجبر») ويتحدث عن الكسور بصورة عامة. أما الفن الخامس «المعنون في الجبر» فيدرس كسور كل عظم على انفراد، وبهذه الصيغة من الشرح والتوضيح أتى تنظيم كتاب «القانون» مماثلاً لصيغة الكتب الطبية المقررة في الجامعات الحديثة، ومن الناحية الطبية فقد لفت الانتباه إلى ضرورة عدم تجبير الكسر على الفور، ناصحاً بتأخير ذلك إلى ما بعد اليوم الخامس. ويعرف هذا في عصرنا «بنظرية التجبير المؤجل»، ويعد الآن الأستاذ جورج بيركنز رائد هذه النظرية، وقد تحدث ابن سينا عما يسمى الآن «بكسر بينيت» الذي اصطلح عليه هكذا عام 1882.
وكتاب «القانون» في تنظيمه، وشموليته، وأسلوب شرحه جعلته أكثر الكتب الطبية انتشاراً في بلاد الإسلام وفي البلدان الأوروبية، وعرف الكتاب عبر أوروبا بترجمته اللاتينية التي أنجزها جيرارد الكريموني في القرن الثاني عشر. وبقي متداولاً في المدارس الطبية في لوفان ومونبيلييه حتى القرن السابع عشر - ويذكر برواية ضعيفة - أن تداوله في جامعة بروكسل كان حتى بداية القرن العشرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق