السبت، 12 يوليو 2014

مبادرة كريموف لإقامة منطقة خالية من السلاح النووي في آسيا الوسطى تدخل حيز التنفيذ


تحت عنوان "مبادرة كريموف لإقامة منطقة خالية من السلاح النووي في آسيا الوسطى تدخل حيز التنفيذ" نشرت الصفحة الإلكترونية آسيا الوسطى يوم 4/6/2014 مقالة بقلم: دينا العشري، صحفية وباحثة أكاديمية في الشؤون الآسيوية، جاء فيها:


بعد أكثر من عشرين عاماً على المبادرة التي أطلقها الرئيس الأوزبكي "إسلام كريموف"، فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتحديد في عام 1993م، والتى حملت إسهاما ضخما في تدعيم الأمن الإقليمي، وكذلك في تعزيز النظام العالمي لعدم الانتشار النووي ونزع السلاح.
قامت الأمم المتحدة في (6 مايو عام 2014م)، بمقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، بعقد اجتماع لممثلي الدول "الخمس" النووية- الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، والصين وروسيا، بالتوقيع بالإجماع في نفس الوقت على أهم وثيقة دولية- بروتوكول - حول الضمانات الأمنية للمنطقة الخالية من السلاح النووي في آسيا الوسطى، حيث جاءت هذه الخطوة لتحقق على أرض الواقع المبادرة التي تقدم بها "إسلام كريموف" رئيس جمهورية أوزبكستان للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993م. حيث اختارت أوزبكستان - منذ السنوات الأولى للاستقلال- طريق التنمية السلمية البناءة، القائم على أسس القيم الإنسانية والتطلع إلى السلم.
والمرتكز إلى الإدراك العميق لاشتراك المصالح والأقدار لكافة الدول والشعوب في آسيا الوسطى، وكذلك وحدة الأمن الإقليمي والعالمي، وتوجه جمهورية أوزبكستان كل مساعيها الدولية نحو توفير التنمية السلمية والمستدامة في الإقليم.
وفي ظل الظروف التي تتصاعد فيها الصراعات والنزاعات المسلحة في مختلف مناطق العالم بما فيها آسيا الوسطى، تحتدم قضايا الإرهاب، والتطرف، وانتشار أسلحة الدمار الشامل وغيرها من التهديدات الأخرى، التي لا تعترف بالحدود الدولية، فأصبحت من المهام المحددة ذات الأولوية في توجهات السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان هو الحفاظ على السلم والاستقرار وتعزيزهما في آسيا الوسطى، وتحويل المنطقة إلى منطقة تتمتع بالسلم والتنمية المستدامة.  
كما اتسمت  العديد من المبادرات التي تقدم بها رئيس أوزبكستان، بالدعم اللائق من قِبل المجتمع الدولى. ومن بين تلك المبادرات- العرض الذى تقدم به "إسلام كريموف" إلى قمة منظمة الأمن والتعاون المنعقدة في إسطنبول عام 1999م، حول فكرة إقامة المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، والتى تبلورت في تأسيس لجنة مكافحة الإرهاب في إطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وذلك في سبتمبر لعام 2001م.
وطبقا للاقتراح المقدم من الرئيس "إسلام كريموف" - المعلن عنه في سياق زيارة السكرتير العام لمنظمة الأمم إلى أوزبكستان في أكتوبر لعام 2002م - تم تأسيس المركز التنسيقى الإعلامي الإقليمي لآسيا الوسطى لمكافحة التجارة غير الشرعية للمخدرات والمواد المؤثرة على العقل ونظائرها.
وعلى نحو خاص، جذبت اهتمام المجتمع الدولي المبادرات التي تقدم بها قائد أوزبكستان، المنادية بوضع حد للحرب التي تراق فيها الدماء في أفغانستان منذ سنوات عديدة، والتى حملت معها كوارث هائلة للشعب الأفغاني، وصارت تمثل بؤرة للتهديدات الخطيرة إزاء المنطقة بأسرها. كما قام "كريموف" عام 1993م ، وفى الدورة 48 للجمعية العامة للأمم المتحدة "بدق ناقوس الخطر" حرفيًا، مطالبًا المجتمع الدولي بالعمل الفعال نحو حل القضية الأفغانية.
وفى عام 1995م في الدورة الخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة، طرحت أوزبكستان فكرة فرض الحظر الدولي على توريد الأسلحة إلى أفغانستان، واقترحت أيضاً نموذجًا للحكومة الائتلافية للتوصل إلى المصالحة القومية العامة في ذلك البلد.
 وفى عام 1997م، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، بدأ العمل في مجموعة الاتصال "6+2" والتى بفضلها تم التوقيع في (21 يوليو لعام 1999م) على "إعلان طشقند حول المبادئ الرئيسة للتسوية السلمية للصراع في أفغانستان". وفى عام 2001م تقدم رئيس أوزبكستان باقتراح إلى السكرتير العام للأمم المتحدة لضم قضية نزع السلاح في أفغانستان إلى جدول أعمال مجلس الأمن.
 وفى عام 2008م، في قمة حلف شمال الأطلسى/ مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية في بوخارست، تقدم كريموف باقتراح لإحياء عمل مجموعة الاتصال في شكل جديد "6+3"، وذلك بهدف البحث المشترك عن التسوية السياسية للنزاع في جمهورية أفغانستان الإسلامية، والتقليل من إمكانات مستوى الصراع في ذلك البلد، وتقديم المساعدات الاقتصادية بصورة تنسيقية.
ومما لا شك فيه، فمن بين المبادرات الدولية الضخمة لأوزبكستان، احتلت مكانة خاصة فكرة إقامة المنطقة الخالية من السلاح النووي في آسيا الوسطى.
 وصارت أكثرها اعترافا ودعما من قِبل العالم حيث تحدث "كريموف" أمام الجمعية العامة مؤكدًا على أن  الأمن في بلد واحد لا يمكن بسطه على حساب دولة أخرى، ولا ينبغى النظر إلى الأمن الإقليمى بصورة منفصلة عن قضايا الأمن العالمي. وانطلاقًا من هذا الأمر، فإن أوزبكستان تقف خلف القضاء التام على الأسلحة النووية، وخلف العمل الفعال والتمديد لأجل غير محدود لمعاهدة عدم الانتشار النووي.
يذكر أن أوزبكستان تعد نصيرًا قويًا لإعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووي، وهذا ما يمثل اهتمام كل من: أمريكا اللاتينية (معاهدة تلاتيلولكو) عام 1967م)، وفى القسم الجنوبى من المحيط الهادئ (معاهدة راروتونجا عام 1985م)، وفى جنوب شرق آسيا (معاهدة بانجوك عام 1995م)، وفى أفريقيا (معاهدة بلينداب عام 1996م). أما المحاولات الأخرى لإعلان المناطق الخالية من السلاح النووي فلم تتوج بالنجاح. وعلى وجه الخصوص توقف سريان الإعلان المشترك لشبه الجزيرة الكورية في عام 1992م، بوصفها منطقة خالية من السلاح النووي. وقد مر أربعون عامًا على القرارات غير المثمرة التي أصدرتها الأمم المتحدة حول ضرورة تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
ويتطلب تحقيق فكرة إعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووي عملا دؤوبًا وطويلًا، وذلك من جانب بلدان آسيا الوسطى، وكذلك من قبِل "الدول النووية الخمس" والهيئات المعنية في الأمم المتحدة. وفى (28 فبراير لعام 1997م)، قام زعماء خمس دول من بلدان آسيا الوسطى بالتوقيع في قازاقستان على إعلان ألما آتا، مؤيدين بالإجماع لمبادرة إقامة المنطقة الخالية من السلاح النووي. وقد خلقت هذه الوثيقة مناخا من الثقة السياسية في مجال حظر الانتشار النووي. ومنذ تلك اللحظة اكتسب إعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووي طابع المبادرة الإقليمية الشاملة، المعبرة عن الإرادة الجماعية لكل الدول الخمس في المنطقة والشعوب التي تقطنها.
وتجدر الإشارة إلى أنه في العديد من البلدان، بما فيها الدول النووية العظمى، كانت هناك شكوك محددة إزاء فرصة تجسيد مبادرة إعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووي على أرض الواقع. فضلا عن أنه في سياق إعداد مشروع المعاهدة حول المنطقة الخالية من السلاح النووي، تقدمت "الدول النووية الخمس" بملاحظاتها على الوثيقة ومتطلباتها في بعض البنود المنفصلة، وذلك انطلاقًا من مصالح تلك الدول الجيوسياسية الخاصة.
أضف إلى ذلك - في سياق اللقاءات والمفاوضات التشاورية المكثفة مع الدول العظمى النووية- أظهرت بلدان آسيا الوسطى إصرارها، عبر نص مشروع المعاهدة، على تحقيق الأهداف المنشودة، والقدرة على تجاوز الاختلافات والتوصل إلى حلول وسطية، تلبى مصالحها القومية وتراعى موقف الدول العظمى في نفس الوقت.
وفى اللقاء السابع للمجموعة الإقليمية للخبراء، المقام في الفترة من (7-9 فبراير لعام 2005م) بمدينة طشقند، تم التوافق على الموقف المشترك لبلدان المنطقة الخاص بنص المعاهدة، مع الأخذ في الاعتبار باقتراحات وملاحظات الدول العظمى، وإدارة القضايا الحقوقية لمنظمة الأمم المتحدة، الخاصة بإعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووى. وجرى تعميم النص الخاص بإعلان طشقند باعتباره وثيقة رسمية لمجلس الأمن، وكذلك في الدورة 59 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبفضل تلك المجهودات، ففي المحصلة النهائية تم توقيع دول المنطقة في(8 سبتمبر لعام 2006م) على معاهدة إعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووى. وقد جرى التوقيع على تلك الوثيقة على أراضى قازاقستان، وذلك بصورة رمزية لما عانته بشكل وحشي من التجارب النووية الطويلة في مكب سيميبالاتين، حيث تم إجراء 459 انفجار نووي في إطار سياسة ضمان التوازن العسكري أثناء سنوات "الحرب الباردة"، التي جرت، من حيث الجوهر، على حساب حياة وصحة ملايين السكان في كازاخستان.
وقد حظيت المعاهدة التاريخية الخاصة بإعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووى، على موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اعتمدت في (6 ديسمبر لعام 2006م)، القرار الخاص رقم 61/88 حول "إقامة المنطقة الخالية من السلاح النووي في آسيا الوسطى"، المقدم من أوزبكستان نيابة عن دول المنطقة. ورحبت الجمعية العامة بالمعاهدة الخاصة بإعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووي، باعتبارها خطوة هامة نحو تعزيز السلم والأمن على الصعيد الإقليمي والعالمي.
 يذكر أن أوزبكستان  كانت الأولى بين دول المنطقة، التي صدقت على معاهدة إعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووي، وذلك في (10 مايو لعام 2007م). وتسرى المعاهدة من تاريخ (21 مارس لعام 2009م) بعد التصديق عليها من قبِل كل الدول الأخرى في المنطقة.
وتم التوصل إلى الصياغة النهائية الدولية- القانونية للمعاهدة حول إعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووي، بعد توقيع الدول الخمس العظمى النووية على بروتوكول الضمانات الأمنية، الذى جرى في (6 مايو لعام 2014م) بمقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، وفى الإعلان الخاص بهذا الصدد أكد السكرتير العام للأمم المتحدة "بان كى مون" على أن الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وجمهورية الصين الشعبية، وروسيا الفيدرالية، تتعهد قانونيًا بالاحترام والالتزام نحو وضع المنطقة الخالية من السلاح النووي في آسيا الوسطى، وعدم استخدام السلاح النووي أو التهديد باستخدامه ضد دول المنطقة.
كما أشارت "أجيلا كين" المفوضة السامية للأمم المتحدة الخاصة بقضايا نزع السلاح، فإن توقيع الولايات المتحدة على بروتوكول الضمانات الأمنية يمثل علامة هامة لتعزيز الأمن الإقليمي في آسيا الوسطى، وكذلك للنظام العالمي في حظر الانتشار النووي".
كما أعلن "ت. كانتريمين" مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية لشئون الأمن الدولي ونزع السلاح، أن توقيع الولايات المتحدة على بروتوكول الضمانات الأمنية لمعاهدة إعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووي "يمثل اعترافا بالمجهودات الحميدة المخلصة واللائقة التي بذلتها دول آسيا الوسطى في سبيل الحفاظ على منطقتهم خالية من السلاح النووي". كما قام ممثلو الدول العظمى الأخرى بمنح التقدير العالى لإقامة منطقة آسيا الوسطى الخالية من السلاح النووي باعتبارها "حجر الزاوية للنظام العالمي لعدم انتشار السلاح" وتوفير السلم والأمن في المنطقة.
وتحمل المعاهدة كذلك طابعًا ممتدًا لفترة غير محدودة، وتتكون من 18 مادة، وبروتوكول حول الضمانات الأمنية والقواعد الإجرائية في إقامة اللقاءات التشاورية للنظر في قضايا الالتزام بنصوصها.
ومن الضروري للغاية الإشارة إلى أن المعاهدة حول إعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من السلاح النووي، قد أصبحت أول اتفاقية متعددة الأطراف في مجال الأمن تضم كل الدول الخمس في آسيا الوسطى. وفى سياق عملية إقامة المنطقة الخالية من السلاح النووي، أظهرت دول قازاقستان، وقيرغيستان، وطاجكستان، وتركمنستان، وأوزبكستان، الإرادة السياسية الصلبة، والكفاءة، والقدرة على توحيد جهودها في سبيل توفير الأمن والاستقرار في المنطقة، وخلق الشروط المواتية لتنمية وازدهار شعوبها.
ولهذا السبب تحديدًا، فقد استقبل العالم كله تحقيق مبادرات "إسلام كريموف" رئيس أوزبكستان لإقامة المنطقة الخالية من السلاح النووي في آسيا الوسطى، باعتبارها عاملًا قويًا يصب نحو تعزيز السلم، والاستقرار الإقليمي والتعاون المثمر بين بلدان المنطقة والدول العظمى، وإسهامًا جماعيًا في التنمية اللاحقة للمجتمع العالمي، واعتبارها عنصرًا حيويًا في تدعيم الأمن الدولي ونزع الأسلحة النووية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق