المصالح الأوزبكستانية العربية المشتركة
نتيجة
لعمليات
البحث والمراجعة التي أجرتها مؤسسات البحث العلمي ومراكز صنع القرار العربية والأوزبكستانية للموقف الجديد الذي تكون في آسيا المركزية بعد استقلال جمهوريات: أوزبكستان وقازاقستان وتركمانستان وقرغيزستان وطاجكستان، ظهر جلياً أنه هناك شبكة من المصالح المشتركة تجمع بين أوزبكستان والدول العربية. وأن هذه الشبكة تحتم بناء مجموعة من السياسات التي تضمن حماية تلك المصالح. تعتمد على:
- التطور الاقتصادي والسياسي المستقل لجمهورية أوزبكستان: لأن التنافس الشديد بين القوى الإقليمية والعالمية المختلفة للتأثير على نمط التطور الاقتصادي والسياسي المستقل لجمهوريات آسيا المركزية، كان واضحاً بعد استقلال جمهوريات آسيا المركزية. وهو ما أطلق عليه بعض المراقبين "المباراة الكبرى الجديدة" تمييزاً عن المباراة الكبرى التي كانت قائمة حول تركستان الإسلامية
بين قوتي الاحتلال الرئيسيتين بالمنطقة في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وهي
بريطانيا العظمى، والإمبراطورية الروسية. وما سيترتب عن النتيجة النهائية لتلك المباراة الكبرى الجديدة من تأثير مباشر على دول آسيا المركزية والدول العربية. سيما وأن أوزبكستان تقع في قلب المنطقة التي تربط آسيا بأوروبا
والشرق الأوسط
وأن ما يحدث فيها لابد وأن يؤثر بشكل ما على الأحداث الجارية في المنطقة العربية، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل كامل.
وتنبأ
الباحث
المصري
إبراهيم
عرفات بأن
نشوء نزاعات إقليمية في آسيا المركزية أو نشوء سباق للتسلح فيها أو إنشاء منطقة منزوعة السلاح النووي فيها لابد وأن يكون له انعكاسات مباشرة على الدول العربية، ومن ثم توقع أن يكون من مصلحة العرب أن تتبع دول وسط آسيا وفي مقدمتها أوزبكستان منهجاً مستقلاً للتطور يعتمد على رؤية الشعب والنخبة الحاكمة للمصالح الوطنية وألا تهيمن قوة إقليمية أو عالمية معينة على دول وسط آسيا.
- المصالح الاقتصادية:
لأنه لابد من التنويه
لأهمية
الموقع
الإستراتيجي
المتميز الذي تشغله
أوزبكستان،
بالإضافة لامتلاكها
كميات هائلة من الموارد الطبيعية، وخبرات بشرية وتكنولوجية متطورة، يمكنها من أن تكون الشريك المحتمل والمهم للاستثمارات المالية العربية وتنويع البدائل الاقتصادية التقليدية، من خلال الاستفادة من الخبرات والمقدرات العربية والأوزبكستانية.
وفي هذا الصدد أشار الباحث العربي ناصيف حتى إلى أن الكتلة الجديدة تمثل عمقاً حضارياً واستراتيجياً، وهي ذات قدرات علمية وإستراتيجية أيضاً، وعند بعضها قدرات تسليحية كبيرة. وأن المنحى الذي سيتخذه التنافس بين قوى الجوار الإقليمي حولها لابد وأن ينعكس على موازين القوى في آسيا المركزية وفي الشرق الأوسط.
- المصالح الإستراتيجية:
لأن أوزبكستان تكاملت
مع المجتمع الإسلامي والدولي منذ استقلالها وبدأت تلعب دوراً بارزاً في منطقة آسيا المركزية، وأخذت تسهم بقسطها في تسوية النزاعات الإقليمية، وخاصة الصراع على الأرض الأفغانية. وجاءت مبادرة الرئيس إسلام كريموف للسعي لإعلان آسيا المركزية منطقة منزوعة السلاح النووي الأمر الذي تم في عام 2009. ليصبح من الواضح أن أوزبكستان تمثل قوة أساسية في وسط آسيا وأن أية علاقات مع دول المنطقة لابد وأن تمر عبر أوزبكستان بحكم دورها التاريخي والحضاري
والإسلامي في العلاقات العربية مع دول المنطقة.
- دور أوزبكستان في إبراز الوجه المعتدل للإسلام في مواجهة حركات التطرف الديني:
خاصة بعد ظهور
حركات دينية متطرفة في المنطقة بعد استقلال جمهوريات آسيا المركزية، تهدف الصدام مع النظم السياسية الدستورية وتحاول تغييرها بغير الطرق الديمقراطية السلمية، مستخدمة القوة والعنف المسلح لبلوغ الهدف. وأشار إليها الرئيس إسلام كريموف أثناء تحديده لمصادر تهديد الأمن والاستقرار في أوزبكستان.
وكانت
بعض تلك التيارات مدعومة من قبل بعض القوى على الساحة الأفغانية ومن بينها عناصر عربية عرفت باسم "الأفغان العرب" وانتشرت تلك التيارات في دول الجوار الإقليمي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق واستقلال جمهوريات آسيا المركزية، وأخذت تهدد السلام والإستقرار في آسيا المركزية وأمن واستقرار وسلامة الدول العربية. ومن هذا المنطلق كان من مصلحة العرب الحقيقية توضيح الوجه الحقيقي للإسلام أمام شعوب وسط آسيا عن طريق نشر الثقافة الإسلامية بوجهها المتسامح المعتدل من خلال العلاقات والروابط الثقافية العربية الأوزبكستانية، وهو ما تسعى إليه أوزبكستان نفسها. ويرى المحللون أن لأوزبكستان مصالح مع الدول العربية لا تقل عن مصالح الدول العربية مع أوزبكستان. ومن نظرة متعمقة في السياسية الخارجية الأوزبكستانية فإننا نرى أن القيادة الأوزبكستانية توصلت لجملة من المصالح المهمة التي تجعلها تلتقي مع الدول العربية منها:
- أن
الدول العربية تعتبر ميداناً لتنويع بدائل السياسة الخارجية الأوزبكستانية.
لأنه ظهر
على ضوء التنافس الدولي الجديد حول آسيا المركزية، ما للدول العربية من أهمية كامتداد جغرافي قريب ووثيق الصلة بأوزبكستان حضارياً وثقافياً. وهي التي تتمتع بإمكانيات اقتصادية هائلة وتعتبر مصدراً للاستثمارات وللبضائع الاستهلاكية، والسلع
الغذائية، وسوقاً
لليد العاملة، والتكنولوجيا والمنتجات الأوزبكستانية. فضلاً عن أنه لا توجد للعرب أية تطلعات إقليمية أو سياسية في أوزبكستان أو
في دول الجوار الإقليمي بآسيا المركزية.
ومن
هذا المنطلق فإن التعامل المكثف مع الدول العربية يحقق لأوزبكستان مصلحة جوهرية في توسيع البدائل المتاحة أمام السياسة الخارجية الأوزبكستانية، ويخلق مجالاً استراتيجيا جديداً يمكنها من خلال دعم المجموعة العربية من التعامل على قدم المساواة مع القوى الأخرى في العالم. ومن المؤكد أنه كلما زادت البدائل المتاحة أمام أوزبكستان في العلاقات الدولية، كلما زادت قدرتها على الحركة في مجال العلاقات الدولية بشكل يؤمن لها أفضل الشروط في التعامل مع الشركاء الدوليين.
- المصالح الاقتصادية الأوزبكستانية في الدول العربية. لأن
الدول العربية كمجموعة تشكل قوة اقتصادية ومالية تستطيع الاستثمار في أوزبكستان لتمكينها من استغلال مواردها بشكل فعال. إضافة لامتلاك بعض الدول العربية خبرات فنية لازمة لأوزبكستان لإتمام عملية بناء الدولة والتحول بالكامل إلى اقتصاد السوق، وما يترتب عنه من بناء نظم اقتصادية ومالية
ومصرفية، إضافة لفرص التدريب التي يمكن أن تتيحها بعض الدول العربية لأوزبكستان في مجال إعداد الكوادر في مختلف المجالات.
- الدور الحضاري لأوزبكستان. لأن
الدول العربية بالنسبة لجمهورية أوزبكستان، هي الساحة والمدخل المهم للاضطلاع بدور ثقافي وحضاري فعال في العالمين العربي والإسلامي، خاصة وأن أوزبكستان تملك تراثاً ثقافياً ودينياً وحضارياً، أشار إليه بوضوح إعلان الـ (ISESCO) طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2007 وكان لذلك التراث أثراً بالغاً في تطور الحضارة العربية الإسلامية. وهو ما يؤهلها لتضطلع بدور حضاري متميز في العالمين العربي والإسلامي.
وانطلاقاً من
المصالح
المشتركة
والمتشابكة،
بدأ العرب والأوزبك بصياغة مجموعة من السياسات التي يمكن أن تكفل تحقيق وحماية مصالحهما المشتركة. ومن المنطقي أن تكون نقطة البداية إنشاء وتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية بين الدول العربية وأوزبكستان. ولهذا الهدف قام الرئيس إسلام كريموف ضمن أولى جولاته بعد الاستقلال بزيارة رسمية شملت كلاً من المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية 1992، وأتبعها بزيارة لفلسطين عام 1998، والكويت عام 2004، وجمهورية مصر العربية للمرة الثانية عام 2007، والإمارات العربية المتحدة عام 2008، وسلطنة عمان عام 2009، ودولة قطر عام
2010، تم
خلالها
الاتفاق
على توطيد العلاقات القائمة والتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الثنائية حول مستقبل تطوير العلاقات الثنائية وتوسيع التعاون التجاري والاقتصادي، والقضايا الإقليمية والدولية التي تهم الجانبين. والتعاون التجاري والاقتصادي الذي يشمل
مجالات: النقل
الجوي،
والنفط
والغاز،
والصناعات الكيماوية، والبناء، والاستثمارات، وتوسيع التعاون الاستثماري
والثقافي ليشمل
مجالات:
التعليم
العالي،
والسياحة، والإعلام، والإتصالات.
وكان
الرئيس
الراحل
ياسر
عرفات القائد
العربي
الوحيد
الذي زار أوزبكستان بعد استقلالها حتى قيام أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بزيارته التاريخية لأوزبكستان عام 2008. وكما سبق وأشرنا تعمل في أوزبكستان سفارات لمصر والأردن والجزائر وفلسطين والعربية
السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، معتمدة ومقيمة في طشقند. وللمغرب واليمن سفير معتمد غير مقيم في طشقند. ولأوزبكستان سفارات معتمدة مقيمة في مصر والعربية
السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. وقنصليات مقيمة في جدة بالمملكة العربية السعودية
وفلسطين. كما يمثل السفير الأوزبكستاني في القاهرة بلاده كسفير غير مقيم في الأردن، والسفير الأوزبكستاني المقيم في الكويت كسفير لبلاده غير مقيم في قطر والبحرين
وعمان.
وفي
إطار العلاقات الدولية دعمت الدول العربية المبادرة الأوزبكستانية لإعلان آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وشاركت بعض الدول العربية في أعمال المؤتمر الدولي الذي عقد في أيلول/سبتمبر 1997 بطشقند لإعلان آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وأعلن الوفد المصري خلاله أن إنشاء تلك المنطقة يعتبر حافزاً لإنشاء منطقة مماثلة في الشرق الأوسط.
وبدأت
الدول العربية ببناء علاقات اقتصادية مع أوزبكستان إلا أنها لم تزل محدودة رغم أهميتها. ولابد أن الأسباب تعود لتراجع الموارد المالية لدول الخليج العربية جراء الحروب التي تعرضت لها المنطقة خلال العقدين الأخيرين، أو لعدم الإلمام بالفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة في أوزبكستان. وهي نفس الأسباب التي نعتقد أنها وراء إحجام الدول العربية الخليجية عن الدخول بقوة إلى السوق الاستثمارية الأوزبكستانية مكتفية بالأنشطة قصيرة الأجل في التجارة والمقاولات. أما بالنسبة لباقي الدول العربية فالمعضلة الرئيسية هي نقص الموارد بالعملات الأجنبية، ولو أننا لا نعتبره سبباً لأن المشكلة يمكن حلها عن طريق التقاص في
التبادل التجاري الذي تحميه الدولة من قبل الجانبين دون الحاجة للقطع الأجنبي. ومن صيغ الصفقات المتكافئة بين الدول العربية وأوزبكستان نذكر الاتفاقية الموقعة بين مصر وأوزبكستان عام 1992 بقيمة 30 مليون دولار أمريكي.
وفي
المجالات
الثقافية
والدينية
تنشط الكويت والعربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، من خلال الدور الذي يؤديه كلاً من المركز الثقافي المصري في طشقند، وجامعة الأزهر الشريف في مصر، ورابطة العالم الإسلامي في المملكة
العربية السعودية، وهيئة
الإغاثة
الكويتية
الإسلامية
التي افتتحت فرعاً لها في طشقند، والهيئات الخيرية الإماراتية التي تقدم الدعم الدائم لجامعة طشقند الإسلامية، وجمعية جمعة الماجد التي تقيم علاقات وطيدة مع معهد أبو ريحان البيروني للاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية. إضافة لقيام أوزبكستان بإنشاء صندوق الإمام البخاري الدولي الذي خطط لإنشاء فروع له في مختلف الدول العربية والإسلامية.
وجاء
إعلان منظمة الثقافة والتربية والعلوم الإسلامية (ISESCO) التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007 فرصة جيدة لتمتين عرى الأخوة والصداقة القائمة بين الدول العربية والإسلامية وأوزبكستان وهو ما ظهر من خلال مشاركة وفود عربية بالإضافة
لمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمر
موسى، وكمال الدين إحسان أوغلو الأمين العام
لمنظمة المؤتمر الإسلامي
في الاحتفالات التي أقامتها أوزبكستان بهذه المناسبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق