عشرون عاماً من
تطور العلاقات الإماراتية الأوزبكستانية
كما
هو معروف في المصادر
التاريخية أن جذور
العلاقات
العربية
الأوزبكستانية
تمتد لبدايات الفتح الإسلامي لما وراء النهر أي منتصف القرن السابع الميلادي، بعد أن ضمت المنطقة للخلافة العربية الإسلامية في العهد الأموي. وهذا لا ينفي أبداً أن العلاقات التجارية والسياسية والثقافية بين العرب وشعوب ما وراء النهر كانت قائمة قبل الفتوحات الإسلامية بوقت طويل وخاصة مع بلاد الشام، وبلاد الرافدين. ولكن الذي حدث مع مطلع القرن الثامن الميلادي أن تلك
المناطق دخلت
ضمن دولة واحدة امتدت في يوم من الأيام من أسوار الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.
وتقدم
المراجع التاريخية حقائق
كثيرة عن توجه جيوش الفتح الإسلامي العربية شرقاً عام 633م، وتمكنها من
السيطرة على الدولة الساسانية المجوسية في فارس، وانطلاقها منها لنشر الدعوة الإسلامية فيما وراء النهر. ومن عام 674م انتشرت جيوش الفتح الإسلامي بقيادة عبيد الله بن زياد داخل المنطقة. وبعد تعيين قتيبة بن مسلم الباهلي والياً على خراسان عام 705م دخل بخارى فاتحاً عام 709م، وخوارزم، وسمرقند، عام 712م، وما أن حل عام 715م حتى خضعت المنطقة الممتدة حتى وادي فرغانة (شرق أوزبكستان اليوم) للخلافة العربية الإسلامية.
ويفسر
الباحثان
الأوزبكيان
المعاصران
بوري
باي أحميدوف، وزاهد الله منواروف أسباب سرعة انتشار الفتح الإسلامي في المنطقة، بالخلافات التي كانت قائمة آنذاك بين الحكام المحليين، والاهتمام الكبير الذي أبداه القادة العرب المسلمون بالمنطقة بعد أن استقرت الأمور لصالحهم في خراسان. ويشيران إلى أن العرب لعبوا دوراً تقدمياً في المنطقة وغالباً ما كانوا يلجأون في تعاملهم مع
أبناء المنطقة إلى
السبل السلمية معفين معتنقي الدين الإسلامي من الخراج والجزية. ويضيفان حقيقة هامة أخرى وهي أنه لا مجال لمقارنة الفتح العربي الإسلامي بالغزو المغولي أو الروسي أو البلشفي، لأن الإسلام لعب دوراً إيجابياً وأدى إلى توحيد المدن والدول والقبائل والشعوب المختلفة وإلى تطوير العلاقات بين تلك الشعوب. إضافة للأثر الإيجابي الكبير الذي أدخل تقاليد جديدة
على عادات وأخلاق الناس والذي بفضله تم القضاء على العيوب الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك. وأشارا إلى الدور الهام الذي لعبته اللغة العربية قي تعريف شعوب آسيا المركزية وإطلاعهم على مؤلفات علماء اليونان القدامى والإختراعات الصينية.
ولا
أحد ينكر اليوم الدور الكبير الذي لعبته شعوب آسيا المركزية
المسلمة، وخاصة الشعب الأوزبكي في الثقافة العربية الإسلامية وفي تطوير الحضارة الإنسانية, الذي ظهر جلياً أثناء الاحتفالات التي أقيمت في أوزبكستان بمناسبة إعلان المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ISESCO) طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2007، وأعادت للأذهان أسماء أعلام إسلامية معروفة من أبناء شعوب وسط آسيا أمثال عالم الفلك أحمد الفرغاني (توفي عام 850م)، وعالم الرياضيات محمد بن موسى الفرغاني (783م-850م)، والفيلسوف الكبير أبو نصر الفارابي (873م-950م)، والطبيب الموسوعي أبو علي حسين بن سينا (980م-1037م)، والعالم الموسوعي أبو ريحان البيروني (973م-1048م)، والموسوعي فخر الدين الرازي، والنحوي والمحدث الكبير الزمخشري (1075م-1144م)، وشيخ المحدثين الإمام البخاري، والكثيرين غيرهم.
وأشارت
تلك الاحتفالات إلى استمرار إسهام العلماء الأوزبك في الحضارة العربية الإسلامية والعالمية لعدة قرون، الإسهام الذي لم تزل أثاره ماثلة للعيون حتى اليوم. وأنهم ارتحلوا من أجل طلب العلم إلى مكة المكرمة،
والمدينة المنورة، ودمشق،
وبغداد،
والبصرة،
والقاهرة.
وخير مثال على ذلك التراث الذي خلفه إمام المحدثين أبو عبد الله إسماعيل البخاري (809م-869م)، والذي يضم أكثر من عشرين مؤلفاً في علوم الحديث أشهرها الجامع الصحيح الذي يضم 7250 حديثاً نبوياً شريفاً. وغيره من علماء الحديث الشريف أمثال السمرقندي (785م-868م)، والهمذاني 1048م-1140م).
وعبر
مئات السنين استقرت بعض الهجرات العربية في ما وراء النهر وأدى التفاعل والاندماج الكامل بينهم وبين شعوب ما وراء النهر إلى قيام تجمعات سكانية محلية من أصول عربية وخاصة في ولايات بخارى، وسمرقند، وقشقاداريا، وسورخان داريا، وغيرها من المناطق
الأوزبكستانية.
تجمعات لم
تزل تحتفظ بطابع حياتها المتميز حتى اليوم. ومعروف
أن العلاقات
العربية
بشعوب المنطقة أخذت تضعف تدريجياً منذ الاجتياح المغولي للمنطقة خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وما نتج عن قيام الدولة المغولية من تأثير على اللغة والثقافة العربية فيما وراء النهر. دون أن يتمكن المغول من المساس بالثقافة الإسلامية بسبب اعتناقهم أنفسهم للدين الإسلامي الحنيف.
وعند قيام الدولة
التيمورية
التي أسسها الأمير تيمور "تيمور لانك" (1336م-1405م) امتدت من ما وراء النهر إلى إيران، وأفغانستان، والقوقاز، وبلاد الرافدين، وأجزاء من بلاد الشام، وشمال الهند. تلك الدولة التي اتخذت أيام ازدهارها من سمرقند عاصمة لها. وقامت جمهورية أوزبكستان على القسم المركزي منها في تركستان. وأدى تفكك الدولة التيمورية في تركستان إلى قيام دويلات مستقلة في المنطقة منها إمارة بخارى، وخانية خيوة، وخانية قوقند، وهو ما سهل الطريق أمام الأطماع الروسية للتوسع في المنطقة منذ بدايات القرن السابع عشر.
وبعد
احتلال القوات الروسية
للمنطقة
قامت سلطات
الاحتلال
الروسي
بقطع كل الصلات التي كانت قائمة بين تركستان الروسية كما كانت تعرف في ذلك الوقت والعالمين العربي والإسلامي، سواء أثناء الحكم القيصري الروسي، أو خلال الحكم الشيوعي الروسي. واقتصرت العلاقات العربية مع دول المنطقة على العلاقات الرسمية التي كانت تمر عبر موسكو فقط. وكان من النادر جداً كما أشار الباحث الأوزبكي زاهد الله منواروف أن تتصل طشقند مباشرة بالعواصم العربية، وأن الاحتلال الروسي والبلشفي قضى على أية إمكانية تسمح بإقامة علاقات مباشرة بين أوزبكستان والدول العربية. وأضاف أنه رغم ذلك فإن الروابط الثقافية والحضارية التي جمعت العرب والأوزبك استمرت وعلى أساسها قامت العلاقات العربية الأوزبكستانية منذ حصولها
على استقلالها.
ولذلك
لم يكن غريباً أن قيل بأن العرب قد فوجئوا باستقلال جمهورية أوزبكستان وغيرها من جمهوريات آسيا المركزية الإسلامية عام 1991. لأنهم لم يكونوا يتوقعون أبداً استقلالها أمام الهيمنة السوفييتية على دول المنطقة وضعف علاقاتهم معها. ولهذا كان تقارب الدول العربية مع تلك الدول بطيئاً جداً في البداية، لأن الدول العربية كانت حريصة على استكشاف الطريق إلى آسيا المركزية دون أن تؤثر علاقاتها المحتملة معها على العلاقات مع الاتحاد السوفييتي قبل الاستقلال، ومن ثم العلاقات مع الفيدرالية الروسية بعد الاستقلال. خاصة وأنها رافقت فترة صعبة من التاريخ كان العرب فيها منشغلين بتداعيات حرب الخليج الثانية، والحلول الدولية المنتظرة لقضية الشرق الأوسط والتمهيد لانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط.
ومع
ذلك شهدت كماً هائلاً من المؤتمرات والندوات انعقدت في العديد من الدول العربية لبحث أفضل السبل لإقامة علاقات مع جمهوريات آسيا المركزية
الإسلامية. ورغم سرعة الدول العربية بالاعتراف الدبلوماسي باستقلال جمهورية أوزبكستان، تلبية لقرار مجلس جامعة الدول العربية الذي
صدر في آذار/مارس 1992 وحث الدول العربية على تنشيط إتصالاتها بدول آسيا المركزية الإسلامية وفتح سفارات فيها وإقامة تعاون معها في كل الميادين، وإقامة مراكز ثقافية عربية فيها. فإننا نرى أن مصر، والأردن، وفلسطين، والجزائر، والعربية
السعودية، والكويت، فقط افتتحت سفارات لها مقيمة في
طشقند، وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، بفتح قنصليات لها تحولت مؤخراً إلى سفارات
مقيمة في
العاصمة
طشقند،
وكانت مصر الدولة العربية الوحيدة التي أقامت مكتباُ
إعلامياً أغلقته فيما بعد، وافتتحت مركزاً ثقافياً عربياً لم يزل قائماً في العاصمة الأوزبكستانية. ورغم التقدم الملحوظ في العلاقات الثنائية إلا أن العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية لم تزل بطيئة ولا تتجاوب مع المقدرات التي يملكها الجانبين ولا تلبي مصالح العلاقات التاريخية بين الجانبين حتى الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق