طشقند: 2/11/2016 أعدها للنشر أ.د. محمد
البخاري. تحت عنوان "دور الديمقراطية والمجتمع المدني في بناء الوطن"
نشر الموقع الإلكتروني "أقلام وكتب" يوم 1/11/2016 مقالة كتبها: د.
أحمد عبده طرابيك، وجاء فيها:
تتطلب
عملية الإصلاح الشامل في مختلف مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية
وقتاً طويلا نسبياً حتي تكتمل عملية التحول وتؤتي ثمارها المرجوة، دون إحداث خلل في
منظومة العدالة الاجتماعية، أو التخلي عن العادات والتقاليد والقيم والأعراف
الاجتماعية التي سادت في تلك البلاد علي مر العصور، تميزت تلك الإصلاحات خلالها
بالحفاظ علي النسيج الاجتماعي الذي يضم مئات القوميات المختلفة.
أصبح المجتمع المدني من أهم المؤسسات في بناء
الحياة الجديدة في أوزبكستان، تلك الدولة الشابة التي تحتفل هذا العام بمرور 25
عاماً علي استقلالها، فقد تم تأكيد ذلك في دستور البلاد، عندما نص على "أن
شعب أوزبكستان يهدف إلى بناء الدولة الديمقراطية الإنسانية التي تعتمد على
القوانين ويؤكد تمسكه بأهداف الديمقراطية والعدالة الاجتماعية".
لقد أعطت قيادة الدولة اهتماماً خاصاً لبناء
المجتمع المدني الذي يأخذ بعين الاعتبار الخبرات الوطنية التاريخية والعالمية في
إجراء الإصلاحات الديمقراطية، وفي ظروف العولمة يكتسب الطراز القومي للديمقراطية
دوراً متزايداً، ليأخذ بعين الاعتبار تاريخ الشعب وتقاليده وعاداته ودينه
وسلوكياته.
رغم الصعوبات التي واجهتها البلاد، فقد تم وضع
الأسس القانونية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية للمجتمع المدني، وتم تشكيل الخبرة
الذاتية للتغيرات الديمقراطية، وقد أصبح الطريق الذي سار فيه بناء المجتمع المدني
أساسا لجميع الإصلاحات التي تجري في البلاد، فقد تم إقامة القاعدة الاقتصادية
الآمنة لبناء أسس المجتمع المدني نتيجة الإصلاحات الديمقراطية، وتم تأسيس القاعدة
القانونية لحمايتها، وتوفير الظروف لتكوين الطبقة الوسطى والمنتج الوطني المستقل،
وقواعد المنافسة الحرة، وتشكيل الاقتصاد المتعدد القواعد والأشكال للملكية.
يعتمد النظام السياسي في أوزبكستان نظام
التعددية، حيث يعمل في البلاد أربعة أحزاب سياسية، هي "حزب الشعب الديمقراطي
منذ عام 1991، حزب "العدالة" الاجتماعي الديمقراطي منذ عام 1995"،
الحزب الديمقراطي "ميلّي تيكلانيش" منذ عام 1995، والحزب الديمقراطي
"فيدآكارلار" منذ عام 2000، والحزب الليبرالي الديمقراطي منذ عام 2003،
ويتم إجراء الانتخابات الرئاسية علي أساس تعدد المرشحين لأول مرة في آسيا الوسطى.
أصبح إصلاح النظام القضائي نموذجا للإنسانية
العالية وتطبيق القيم الرئيسية للديمقراطية، حيث يضمن نظام القضاء توسيع إمكانيات
الحماية القضائية لحقوق وحريات المواطنين، واستكمال نظام الإجراءات في التحقيق
القضائي، وتطبيق معايير ومبادئ الحقوق الدولية في القوانين الوطنية، ففي عام 1994 تم
إلغاء حكم الإعدام في 20 مادة من القانون الجنائي، وفي عام 1998 في 5 مواد، وفي
القانون الجنائي الذي قُبل في 29 أغسطس 2001 تم إلغاء حكم الإعدام لأربعة أنواع من
الجرائم، ومنذ عام 2003، يتم تطبيق حكم الإعدام على الجرائم المرتكبة في الظروف
المشددة للعقوبة والإرهاب، ومنذ الأول من يناير 2008، تم إلغاء حكم الإعدام في
أوزبكستان نهائياً، وذلك طبقاً للمعايير المحددة في الوثائق الدولية.
أنشأت أوزبكستان نظام "المحلّة"
كنظام إدارة للحكم الذاتي في الأحياء، حيث تساعد أجهزة إدارة الحكم الذاتي ذات
التاريخ الطويل لتطبيق حقوق المواطنين في المشاركة لإدارة شؤون المجتمع، وتساعد
المواطنين في حل المهام الاجتماعية والاقتصادية في نطاق الحي، وإقامة الأنشطة
الاجتماعية والسياسية والثقافية العامة، ومساعدة الدوائر الحكومية في تنفيذ
القوانين.
وفي عام 2013 تمت الموافقة على الوثائق
المتعلقة بقوانين "هيئات الحكم الذاتي" وتوسيع وظائف المحلة، بما في ذلك
تحولها إلى مركزاً للدعم الاجتماعي للسكان، وتنمية العمليات التجارية الصغيرة في
المناطق، وتعزيز دور الحكم الذاتي في نظام الرقابة العامة على نشاط أجهزة الدولة،
وزيادة التدابير المتعلقة بتحسين النظام الانتخابي، والتي تضمن انتخاب الرؤساء
ومستشاريهم الأكثر استحقاقاً من قبل المواطنين.
منذ منتصف التسعينيات قدمت أوزبكستان العديد
من المبادرات لتطوير مجالي التطور الاجتماعي وحقوق الإنسان إلي المنظمات الدولية
مثل منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وغيرهما من المنظمات
الدولية، كما انضمت إلى العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تدافع عن
حرية المواطنين وتنظمها، وكان البيان العام لحقوق الإنسان أول وثيقة قانونية دولية
أبرمت من قبل برلمان أوزبكستان، كما تم إنشاء مفوضية المجلس الأعلى لحقوق الإنسان
والمركز الجمهوري الوطني لحقوق الإنسان وغيرهما، كدليل علي اهتمام الدولة بحقوق
الإنسان، واتجاها ذا أولوية خاصة في البلاد.
أصبح التسامح الديني نقطة الانطلاق نحو
التفاهم المدني، وبموجب المادة 31 من دستور البلاد، فإن لكل مواطن الحق في اعتناق
أو عدم اعتناق أي دين، ولا يجوز الإجبار في أي دين، ولذلك تعمل في البلاد 16 منظمة
دينية، يدخل منها المعهد العالي الإسلامي بطشقند، 10 مدارس إسلامية، ومدرسة مسيحية
ومدرسة أورثوذوكسية في نظام التعليم العام، وهو ما جعل شعب أوزبكستان يعيش الآن في
أجواء يسودها التسامح الديني، ففي عام 1995 تم إنشاء المركز العالمي للبحوث
والدراسات الإسلامية بطشقند، وفي السابع من أبريل عام 1999، تم تأسيس جامعة طشقند
الإسلامية، التي تقوم بإعداد الخبراء في المجالات الدينية بمستوي البكالوريوس
والماجستير.
خلال سنوات الاستقلال تم تشكيل سلطات الدولة
الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، فالسلطة التشريعية الأعلى لجهاز الدولة
هو المجلس الأعلى الذي يتم انتخابه لمدة خمس سنوات، ومنذ عام 2005، يتكون المجلس
الأعلى من جناحين "سينات" مجلس الشيوخ، المجلس التشريعي، ويمكن لكل
مواطن في أوزبكستان بلغ السابعة عشرة من عمره أن يشارك في انتخابات نواب المجلس
الأعلى بغض النظر من قوميته، ولغته الأم، وجنسه، وديانته، ومن بلغ الخامسة
والعشرين من عمره يستطيع أن بكون مرشحا للمجلس الأعلى ويستطيع أن ينتخب نائبا في
المجلس الأعلى.
تقديراً لدور المرأة في المجتمع، فقد تم إنشاء
"لجنة النساء"، وهي منظمة وحيدة لها مقام اجتماعي حكومي؛ تتبع لها 14
لجنة في المناطق، و170 لجنة في المحافظات، وأصبحت رئيسات لجان النساء وكيلة لرؤساء
السلطة في المناطق والمحافظات، وخلال 25 عاما، هي عمر البلاد بعد الاستقلال، شكلت
قاعدة حقوقية معينة تنظم أنشطة المنظمات الاجتماعية التي تساعد علي تطوير البلاد،
وفي الوقت الحاضر تم تنظيم أكثر من 8 آلاف منظمة اجتماعية غير حكومية.
إن غاية بناء الدولة المستقلة هو ضمان جميع
حقوق الإنسان وحرياته، ووتوفير السلم والرفاهية ووسائل التطور والتقدم، فالهدف
الرئيسي للدولة هذا هو الإنسان واحتياجاته ومصالحه وحياته وعاداته وعالمه الروحي،
حيث يحدد النظام السياسي في أوزبكستان نشاط المواطنين، ليس المواطن للنظام السياسي
بل النظام السياسي ينطلق من الإنسان ويعيش لأجل الإنسان ويعود إليه، فالنظام
السياسي المستقر هو الذي يحدد طبيعة علاقات السلطة من خلال النشاط المتبادل للقوى
الفعالة في البلاد لأجل تعزيز استقلال أوزبكستان وتوفير السلم والتوافق المدني.
إن مهمة أوزبكستان الإستراتيجية الطويلة المدى
تتلخص في قيادة البلاد خلال مرحلة البناء الديمقراطي وتشكيل المجتمع المدني وتعميق
العلاقات الاقتصادية الحرة وتعزيز القيم الديمقراطية في وعي الناس، حتي تستمر
مسيرة التقدم والاستقرار والازدهار التي بدأت منذ الأيام الأولي للاستقلال قبل 25
عاماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق