تحت عنوان "آسيا الوسطى .. ساحة صراع وتنافس دولي" نشرت
جريدة الوطن العمانية يوم 21/9/2015 مقالة كتبها: محمد
نجيب السعد، وجاء فيها:
آسيا الوسطى، أو بلاد ما وراء النهر، كما
أسماها المسلمون الأوائل، منطقة جغرافية مغلقة تقع في قلب قارة آسيا تحولت إلى
منطقة تجاذب دولي أطرافه قوى كبرى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية
أو بعض القوى الإقليمية الصاعدة كتركيا وإيران
أدى انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات
القرن الماضي إلى جملة من التحولات الجيوسياسية أفضت إلى ظهور مجموعة من الدول
الجديدة تنوء بإرث ثقيل من الدولة السوفيتية، تحاول جاهدة التأقلم مع النظام
العالمي الموجود، من بينها جمهوريات آسيا الوسطى، في منطقة جيوسياسية شديدة
التعقيد، تنطوي على الكثير من الفرص والمزايا كما تحمل الكثير من المخاوف
والتهديدات. لا يوجد اتفاق في أدبيات الجغرافيا السياسية حول تعريف آسيا الوسطى،
باستثناء الاتفاق على أنها تقع في قلب القارة الآسيوية. يعرِّف جيفري هويلر
أحد أكبر المتخصصين في شؤون المنطقة آسيا الوسطى تعريفا جغرافيا ضيقا. إذ يَقصُرها
على بعض الجمهوريات المستقلة حديثا عن الاتحاد السوفيتي في قلب آسيا، وهي:
طاجيكستان، أوزبكستان، قيرغيزستان وتركمانستان، ويستثني جمهورية كازاخستان
(قازاقستان). في حين تعرِّف دائرة المعارف البريطانية آسيا الوسطى تعريفا جغرافيا
أكثر اتساعا لتشمل المنطقة التي تمتد شرق الخط الممتد جنوب شرق بحر الأورال وبحر
قزوين حتى شمال غرب الصين ومنغوليا، وتمتد طوليا من جنوب سيبيريا في الشمال إلى
شمال وشمال إيران وأفغانستان في الجنوب. هذه المنطقة الجغرافية تشمل منغوليا
والجزء الجنوبي من سيبيريا والأجزاء الشمالية من أفغانستان وإيران، بالإضافة إلى
طاجيكستان، أوزبكستان، قيرغيزستان وتركمانستان، وكازاخستان. من الواضح أن “هويلر”
تبنى معيارا جغرافيا ـ دينيا لتعريف المنطقة، وقد يعود استثناء كازاخستان إلى كثرة
الروس الذين يعيشون في كازاخستان بما لا يجعل من الكازاخ أغلبية فيها، بينما
اعتمدت دائرة المعارف البريطانية على المعيار الجغرافي. تستمد أية منطقة مكانتها
عادة من موقعها الجغرافي وحجم مواردها وأهمية هذه الموارد في الاقتصاد الدولي ومن
الامتيازات الكامنة فيها والتحديات والمخاطر التي تفرضها، فضلا عن بعض الاعتبارات
الثقافية والحضارية. وهي عناصر توفرت جميعها في دول آسيا الوسطى. ومكانة آسيا
الوسطى ليست حديثة طارئة فرضتها الظروف المستجدة في فترة ما بعد نهاية الحرب
الباردة. فمنذ القرن الثالث قبل الميلاد اكتسبت هذه المنطقة أهميتها الاستراتيجية
من خلال ما كان يعرف بطريق الحرير الممتد من الصين إلى البحر المتوسط، الذي تحول
اليوم إلى ممر مهم لخطوط نقل البترول وأنابيب الغاز. هناك أربعة اعتبارات على
الأقل تجعل من آسيا الوسطى ذات مكانة استراتيجية، فهي قلب آسيا والقريبة من مجموعة
من الكتل الجغرافية والتكتلات السياسية. فعلى المستوى الآسيوي تقع المنطقة على
تماس مباشر مع روسيا والصين وإيران وتركيا وتطل على شبه القارة الهندية، وفي الوقت
نفسه تشكل منطقة عازلة تحد من الاحتكاك المباشر بين هذه القوى الآسيوية الإقليمية.
ثاني الاعتبارات هو إطلال معظم منطقة آسيا الوسطى على بحر قزوين الغني بالنفط
والغاز، إذ تتعدى احتياطاته أكثر من 150 مليار برميل من النفط، وتقدر احتياطاته من
الغاز الطبيعي بأكثر من 75 ألف مليار متر مكعب. ثالث هذه الاعتبارات هي المساحة
الكبيرة التي تتربع عليها منطقة آسيا الوسطى، حوالي 4 ملايين كم2، أكثر من مساحة
دول أوروبا، تسكنها شعوب ولغات وأعراق متنوعة. وأخيرا لمنطقة آسيا الوسطى أهمية
جيواستراتيجية كبيرة حسب رأي ماكنيدر (صاحب نظرية المحور الجغرافي للتاريخ) الذي
قال إن من يسيطر على آسيا الوسطى يسيطر على العالم.
الأطماع الخارجية بآسيا الوسطى:
“إذا
رأيت حريقا في منطقة ما ففتش عن النفط”، مقولة بالغة الدلالة تختصر الصراع
الجيوسياسي الدائر في منطقة آسيا الوسطى حول النفط والغاز بين اللاعبين
الاستراتيجيين الكبار في عالم ما بعد الحرب الباردة. حسب وزارة الطاقة الأميركية،
فإن المنطقة وبحر قزوين تحتويان على ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد منطقة
الخليج العربي والشرق الأوسط، وتشير أغلب الدراسات إلى أن نسبة الاحتياطيات
النفطية للمنطقة تشكل حوالي 15% من إجمالي الاحتياطيات العالمية. وبالنسبة للغاز
الطبيعي، فإن المنطقة تحتوي احتياطي يعتبر الأول على مستوى العالم بنسبة تصل إلى
50% من إجمالي احتياطي الغاز العالمي.
الاستراتيجية الأميركية في آسيا الوسطى:
سيطر الفكر الليبرالي الجديد على السياسة
الخارجية الأميركية في آسيا الوسطى منذ استقلال دول المنطقة في أوائل تسعينيات
القرن الماضي. هذه السياسة تستند إلى مبادئ نشر الديمقراطية وتوسيع التجارة الحرة،
وتطبيق اقتصاد السوق الحر، واحترام حقوق الإنسان، وعزل الدول المناوئة
للديمقراطية، والسوق الحرة ومحاصرتها اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا وحتى عسكريا.
إلا أن أحداث 11 سبتمبر 2001 دفعت السياسة الخارجية الأميركية إلى تبني نظرية
الهجوم الوقائي. تعتبر الولايات المتحدة الأميركية آسيا الوسطى المفتاح للسيطرة
على أوراسيا، كما أشار إلى ذلك آلان جواس الذي يعتقد أن الولايات المتحدة
ستصر من خلال وجودها في آسيا الوسطى أن تنجح حيث فشل البريطانيون والأوربيون
والروس، ليس بغرض الاحتلال السياسي إنما بهدف التحكم الاستراتيجي وملء الفراغ
الاستراتيجي. أما مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق بريجينسكي فاعتبر
المنطقة معبرا حيويا للمناطق الآسيوية المهمة ومصدا للاعبين الاستراتيجيين في آسيا
والعالم لتحقيق المصالح الاستراتيجية الضخمة للولايات المتحدة الأميركية التي
تتمثل في احتواء الصعود الصيني المطرد والمتنامي اقتصاديا وعسكريا وثقافيا والذي
تحول إلى هاجس التفكير الاستراتيجي الأميركي، ومبعث القلق الشديد في الأوساط
الأكاديمية ودوائر التخطيط الأميركية لفترة ما بعد اختفاء الاتحاد السوفيتي عن
مسرح العلاقات الدولية والسياسية العالمية. إذ لم تعد الصين ذلك العملاق النائم
كما درجت الأدبيات السياسية وصفه، بل أضحى ذلك التنين ذو الرؤوس الاقتصادية
والمالية والعسكرية المخيفة، والعائق الاستراتيجي الأكبر أمام مشروع الهيمنة
الأميركية على النظام العالمي من وجهة نظر أغلب المفكرين والسياسيين الأميركيين.
وتأتي آسيا الوسطى على رأس المجالات الجيوسياسية المهمة وإحدى مناطق الضغط المهمة
في حالة الصراع مع الصين من خلال منع الصين من التمدد في آسيا الوسطى للاستفادة من
موارد الطاقة من النفط والغاز اللذين تحتاجهما الصين كثيرا. علاوة على ذلك تسعى
الولايات المتحدة إلى عزل روسيا التي تشكل المصدر الثاني للقلق الاستراتيجي
الأميركي على مستقبل مشروع الهيمنة الأميركية على العالم، خاصة وأن روسيا تحاول في
السنوات الأخيرة استعادة مجدها التليد في الحقبة السوفيتية. تقوم الاستراتيجية
الأميركية في عزل روسيا على منعها من العودة إلى مناطق نفوذها السابق في أوروبا
الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى كشرط أساسي لأية علاقات أميركية ـ روسية. وهو ما
دعا إليه “هنري كيسنجر” بضرورة احتضان روسيا كجزء من النظام العالمي الجديد
بشرط أن تفهم عملية مشاركتها المتعبة، فإذا أزمعت روسيا أن تكون شريكا جادا في
تشييد نظام عالمي جديد، فعليها أن تستعد للامتثال لضوابط الاستقرار. ومن ضوابط
الاستقرار تسليم مناطق نفوذها وعدم العودة إلى سياسة الأخ الأكبر والتخلي عن
حديقتها الخلفية. وتنطوي استراتيجية عزل روسيا من خلال التواجد الأميركي في آسيا
الوسطى على اعتبار هذه الأخيرة تشكل قاعدة مثالية لتهديد روسيا بالاقتراب من
حدودها الجنوبية وإحاطتها بكماشة تستكمل حلقة النفوذ الأميركي من جهة أوكرانيا،
فإذا عزمت روسيا تحدي الدور الأميركي السياسي والعسكري، فإن هذه المنطقة هي الأصلح
لإيذاء روسيا لتوفر مجموعة من الذرائع والتبريرات للتدخل في هذه المنطقة وشؤونها
فقد خلقت الإمبراطورية السوفيتية المنهارة عددا كبيرا من المشكلات الإقليمية التي
تصلح للاستغلال. فهناك النزاعات الحدودية والقومية وتصاعد دعاوى الاستقلال
والانفصال القومي والديني، وهي عوامل لها امتدادات واسعة داخل العمق الروسي نفسه.
وجيوسياسيا سعت الولايات المتحدة في عزلها لروسيا إلى إقامة تحالفات وعلاقات
سياسية مع دول الجوار الروسي خاصة في القوقاز وآسيا الوسطى وأوروبا الشرقية وتوسيع
المظلة الأمنية لحلف الناتو إلى حدود روسيا الجنوبية والغربية، بضم دول النفوذ
السوفيتي إلى عضوية المنطقة وأخيرا عسكرة المنطقة وتحييد ورقة الطاقة بمنع روسيا
من التحكم في خطوط نقل النفط وعبر الممرات السوفيتية السابقة. وتهدف الولايات
المتحدة الأميركية ـ من خلال حضورها العسكري المباشر في آسيا الوسطى إلى استكمال حلقات
الاحتواء المزدوج (السياسة التي كانت بدأتها إدارة بيل كلينتون لاحتواء
إيران والعراق) لمحاصرة إيران من الجهة الشرقية بعدما أنهت احتواءها للعراق
واحتلاله وإيجاد موطئ قدم للقوات الأميركية على حدود إيران الغربية، حيث القوات
الأميركية في العراق والخليج العربي. يقول بريجينسكي إن إيران هي دولة
مشاغبة جيوسياسيا ومصدر تشويش استراتيجي، وهي بمثابة القاسم المشترك لكل مشاكل
الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، بالرغم من كونها دولة محورية جيوسياسيا في
الرؤية الاستراتيجية الأميركية. تقوم سياسة عزل إيران على فرض عقوبات اقتصادية
ومالية على الأطراف المتعاملة مع إيران (مثلا قانون داماتو 1996) علاوة على إشغال
إيران بمشكلاتها الداخلية من جراء سياسة التطويق والحصار من الشرق والغرب، حتى لا
تكون مصدر أذى في الخارج.
توجهات السياسة الروسية نحو آسيا الوسطى:
أدى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق إلى تراجع
تأثير موسكو في معادلة التوازن الاستراتيجي العالمي، مما كان له انعكاسات سلبية
على علاقات موسكو الدولية والإقليمية، وأدت إلى تراجع النفوذ الروسي عن كثير من
مناطق الإرث السوفيتي. وتعتبر آسيا الوسطى إحدى أهم المناطق الاستراتيجية التي بدأ
فيها النفوذ الروسي في التراجع مباشرة بعد إعلان استقلالها عن الاتحاد السوفيتي
حيث كانت أول من أعلنت عن استقلالها بعد ثلاثة أيام فقط من سقوط الاتحاد السوفيتي.
الملاحظ أن السياسة الخارجية الروسية تجاه هذه المنطقة لا تزال رهينة الخلفيات
التاريخية ذات الارتباط بالموقع الجيوسياسي للمنطقة ومتطلبات الأمن القومي الروسي.
فتاريخيا تعتبر منطقة آسيا الوسطى منطقة نفوذ روسـي درجت الأدبيات السياسية على
وصفها بالحديقة الخلفية لروسيا وخاضعة لما تسميه هذه الأدبيات نفسها “بمبدأ مونرو
الروسي (في عام 1823، أعلن الرئيس جيمس مونرو سياسة مفادها أن أميركا
اللاتينية منطقة خاضعة لنفوذنا وليس لنفوذ أوروبا، لعرقلة القوى الأوروبية من
التدخل العسكري والسياسي في شؤون الدول الناشئة في القارة. وعملت الولايات المتحدة
بمبدأ مونرو، بالإضافة إلى ما أملته ضرورات الحرب الباردة لتبرير بعض
تدخلاتها هناك في كوبا وبنما ونيكاراجوا وشيلي وجرينادا وجمهورية الدومينكان
ومناطق أخرى) للتعامل مع الإفرازات الجيوسياسية. هذه السياسة تركزت على مجابهة تلك
التحديات القادمة من الجنوب (حيث الصين والحركات الإسلامية) بالعودة إلى إعادة بعث
الدور الروسي في المنطقة على جميع المستويات من خلال استراتيجية بمنظورين، أولهما
“أوروبي ـ أطلنطي” والثاني “أوراسي جديد”. فطبقا للمنظور الأول ركزت روسيا على
الاندماج مع الحضارة الغربية وتشجيع آسيا الوسطى على السير في ذات الاتجاه مع عدم
التدخل النشيط لحماية مصالحها في آسيا الوسطى. ولكن منذ 1999 بدأت روسيا تتحول نحو
رؤية أوراسية تركز على التدخل لحماية مصالحها في آسيا الوسطى والقوقاز. لقد شعرت
روسيا بعد أحداث سبتمبر أن أمنها القومي يتعرض لتهديدات جدّية بسبب عدم الاستقرار
السياسي وتنامي الحركات الانفصالية والإسلامية في وسط آسيا. هذه التحديات دفعت
بروسيا إلى الاحتفاظ بقواعد عسكرية في طاجاكستان وكازاخستان وقيرغيزستان
وتركمانستان في إطار التنافس الدولي على عسكرة آسيا الوسطى. وعلى صعيد المسائل
المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، تعمل روسيا على زيادة التعاون
الاقتصادي في مجالات الطاقة والنقل والمياه مع دول آسيا الوسطى خاصة في إطار
مبادرات التكامل والتعاون الإقليميين في منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي. السؤال
المطروح هو: هل تحاول روسيا الهيمنة على آسيا الوسطى من خلال هذه السياسة؟ يرى “ألفين
روبرشتاين أن روسيا تهتم أساسا بحماية مصالحها وعلى رأسها مصير الروس في تلك
الدول واستقرار الأمن في تلك المنطقة، وأن روسيا ضعيفة إلى حد أنها لا تهدد دول
آسيا الوسطى، وأن أقصى ما يمكن أن نشهده هو ظهور “مبدأ مونرو روسي” في آسيا
الوسطى، أساسه أن تحافظ روسيا على الأمن في آسيا الوسطى وتحميها من هيمنة الدول
المجاورة. بينما يرى آرثر ساجاديف أن روسيا تحاول إعادة صياغة سياسات
الهيمنة القيصرية والشيوعية بشكل روسي عصري جديد، وأن روسيا لم تتخل عن
“أيديولوجية القوة الكبرى وسياسات الأخ الأكبر”.
الاستراتيجية الصينية في آسيا الوسطى:
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور الدول المستقلة
وتشكل فراغ استراتيجي وسط آسيا، وقعت المنطقة في حلبة التجاذب الإقليمي والتنافس
الدولي بين لاعبين إقليميين وكانت الصين معنية بصورة مباشرة بالصراع الدائر على
حدودها الغربية، خاصة وأنها متاخمة لكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان ثم روسيا.
تعود ملامح الاستراتيجية الصينية الجديدة تجاه هذه المنطقة إلى عام 1996 عند صدور
إعلان عن منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي بالتعاون مع روسيا ولكازاخستان
وقيرغيزستان وطاجيكستان لتشكل بوابة واسعة للتدخل الصيني في المنطقة. كان واضحا أن
المخاوف الأمنية والاقتصادية المشتركة بين موسكو وبكين كانت الدافع الأساسي لإنشاء
هذه المنظمة، حيث إن بكين تستغل نفوذ روسيا للتحرك نحو آسيا الوسطى، في حين كانت
موسكو تبحث عن حليف قوي في آسيا الوسطى لوقف الزحف الأوروبي ـ الأميركي نحو مناطق
نفوذها التقليدية وكان وراء التحرك الصيني مجموعة من الدوافع ذات الصلة بالاقتصاد
والأمن والسياسة. تشهد الصين نموا اقتصاديا كبيرا جعلها في حاجة متزايدة للطاقة،
كان على بكين البحث عن البدائل الرخيصة والأكثر أمنا لتلبي تلك الاحتياجات. من هنا
ظهرت آسيا الوسطى كمصدر مهم وقريب للطاقة. يعتبر المدخل الاقتصادي الميزة الرئيسية
للاستراتيجية الصينية في آسيا الوسطى. فقد بنت الصين استراتيجيتها على افتراض
جوهري مفاده أن التنمية الاقتصادية هي المدخل الوحيد للتعامل مع مشكلات التطرف
القومي والديني. ومن ثم أكدت الصين على التعاون الاقتصادي الإقليمي التدريجي بين
دول آسيا الوسطى وإقليم سينكيانج. كما باشرت الصين العديد من المشاريع الثنائية مع
دول آسيا الوسطى، خاصة في مجالي النقل وبناء خطوط نقل النفط والغاز، مثل مشروع نقل
الغاز التركماني إلى الصين. أن الحرب على الإرهاب التي أطلقتها الولايات المتحدة
الأميركية بعد سبتمبر 2001 دفعت الصين إلى إعادة تعريف بيئتها الأمنية والتهديدات
التي يمكن أن تطول الأمن القومي الصيني. فتنامي الحركات الإسلامية في جمهوريات
آسيا الوسطى والتواجد الأميركي فيها، شكلت في مجملها أهم التهديدات الأمنية للصين.
على هذا الأساس، اعتمدت الصين سياسة أمنية تركزت على إقناع دول آسيا الوسطى
بممارسة ضغوط على انفصاليي إقليم سينكيانج وتجفيف منابع الدعم المالي واللوجستي
لهم في دول المنطقة، خاصة في ظل وجود حدود طويلة مع ثلاث جمهوريات في آسيا الوسطى
ووجود روابط عرقية وثقافية ودينية بين سكان إقليم سينكيانج وجمهوريات آسيا الوسطى.
كما عملت الصين مع دول جوارها الغربي على حل المشكلات الحدودية بترسيم الحدود
بينها وبين هذه الدول والعمل بشكل مشترك على محاربة النزاعات الانفصالية
والمتشددين. وفي قمة دوشانبي 2004 التي جمعت وزراء دفاع الصين وجمهوريات آسيا
الوسطى، أكد المجتمعون على أن الاستراتيجية الأمنية في المنطقة تقوم على ثلاثة
محاور هي محاربة الحركات الانفصالية، محاربة الإرهاب الدولي ومحاربة الحركات
الإسلامية المتطرفة. لا يمكن إغفال المخاوف الصينية من تنامي الوجود الأميركي في
المنطقة بشكل مباشر وعلى حدودها الغربية (قيرغيزستان وأوزبكستان)، من أجل ذلك عملت
الصين على تقوية الروابط مع دول آسيا الوسطى وروسيا للحد من التغلغل الأميركي في
المنطقة. كذلك فإن أمن الطاقة الاستراتيجي يشكل أحد الرهانات السياسية للصين
والتحديات الخطيرة للتواجد الأميركي في المنطقة، الشيء الذي دفع بالصين إلى اعتبار
أمن الطاقة من أكبر المصالح الصينية التي يجب الدفاع عنها بكل الطرق، فالتعاون
الصيني ـ الروسي والاعتراف المتبادل بالمصالح المتوازنة لكليهما في المنطقة هو
الطريق الوحيد الذي تراه الصين كفيلا بوقف التحدي الاستراتيجي الذي يفرضه التواجد
الأميركي في آسيا الوسطى.
استراتيجية حلف شمال الأطلسي في آسيا
الوسطى:
منذ نهاية عام 2001 وتحديدا بعد نهاية الحرب
على أفغانستان برز دور الحلف بوصفه أحد اللاعبين الاستراتيجيين الجدد في آسيا
الوسطى. ونتج عن هذا التطور تزايد مصالح الحلف وانخراطه النشط في مجالات الأمن في
آسيا الوسطى. بعد أحداث سبتمبر 2001، تم تكليف الحلف بمهمة قيادة قوات المساعدة
الأمنية الدولية (إيساف) في أفغانستان في 2003. ترجع البدايات الأولى لتواجد حلف
شمال الأطلسي في المنطقة إلى ما قبل هجمات سبتمبر حيث بدأت في منتصف التسعينيات
جهود الحلف لإشراك حكومات هذه المنطقة في المسائل الدفاعية ضمن استراتيجية الزحف
الهادئ لاحتواء روسيا. فقد شاركت جميع دول آسيا الوسطى في مجلس الشراكة الأوربية ـ
الأطلسية التابع لحلف شمال الأطلسي وبرنامج الشراكة من أجل السلام. وكان الاستثناء
الوحيد هو جمهورية طاجيكستان التي تأخر انضمامها إلى هذا البرنامج إلى غاية 2002.
وبعد انضمام معظم دول أوروبا الشرقية والوسطى أعضاء في حلف شمال الأطلسي، تحول
تركيز برنامج الشراكة من أجل السلام نحو تعزيز الإصلاحات والتعاون العسكري مع آسيا
الوسطى وجنوب القوقاز وغرب البلقان. كما أدى إطلاق عملية “الحرية الدائمة” ووجود
قوات “إيساف” في أفغانستان إلى زيادة كبيرة في حجم الوجود العسكري لحلف شمال
الأطلسي في آسيا الوسطى، فعندما قام الأمين العام لحلف شمال الأطلسي آنذاك “اللورد
روبن ستون” بزيارة إلى المنطقة، صرّح قائلا: “إن أحداث 11 سبتمبر قد جعلت
الحلف يدرك أن أمننا مرتبط بصورة وثيقة بالأمن في مناطق نائية، وسوف تصبح آسيا
الوسطى منذ الآن بندا مهما يشغل معظم أجندة حلف الناتو، من هنا فإنه منذ 2003 شرع
حلف الناتو في برنامج طويل المدى لتعزيز الأمن والاستقرار في آسيا الوسطى. وفي قمة
الحلف في إسطنبول 2004، أكد قادة الحلف على تزايد أهمية منطقة آسيا الوسطى حيث
منحوها إلى جانب منطقة القوقاز صفة “تركيز خاص” في بيانهم الختامي. كما قرروا
تعيين ضابط ارتباط في المقر الإقليمي للحلف في ألماتا عاصمة كازاخستان. وعلاوة على
ذلك، أنشأت القمة منصب الممثل الخاص للأمين العام لحلف الناتو لشؤون آسيا الوسطى
وعهد به إلى روبرت سايمونس الذي قام بزيارات منتظمة إلى المنطقة عشية توليه
المنصب. ومن الأجندة التي يسعى حلف الناتو إلى فرضها على حكومات ودول المنطقة في
علاقات التعاون والشراكة من أجل السلام، نجد العمل على إدخال الإصلاحات السياسية
والاجتماعية والاقتصادية ودعم حقوق الإنسان والديمقراطية وتؤكد الوثيقة الإطارية
لبرنامج الشراكة من أجل السلام التزام المشاركين “بالحفاظ على المجتمعات
الديمقراطية وحماية حريتها من القهر والقمع والتمسك بمبادئ القانون الدولي”. الأمر
الذي أنشأ مناخا من عدم الثقة بين الحلف والأنظمة الحاكمة في المنطقة. وهو ما عرّض
العلاقات الثنائية إلى توترات شديدة مثلما حدث للعلاقات الأطلسية ـ الأوزبكية على
خلفية أحداث أنديجان في مايو 2005.
الاستراتيجية التركية في آسيا الوسطى:
بالرغم من أن تركيا ليست لها صلات جغرافية
مباشرة مع آسيا الوسطى، إلا أنها بمثابة “الوطن الأم” لشعوب تلك الدول، بحكم
تراثها التركي لدرجة أن تركيا لا تطلق على تلك المنطقة مصطلح آسيا الوسطى، وإنما
تسميها تركستان تأكيدا لهويتها الثقافية. لقد منحت التطورات الجيوسياسية أنقرة
فرصة إعادة توجيه سياستها نحو المنطقة. هذه السياسة الجديدة حظيت بموافقة ودعم
الولايات المتحدة، التي تعتبر تركيا عنصرا مهما في مواجهة ما تسميه التهديد
الإيراني في المنطقة. فبعد الفراغ الناجم عن تفكك الاتحاد السوفيتي، بدأ التغلغل
التركي في آسيا الوسطى مستندا على صورة تركيا لدى جمهوريات آسيا الوسطى المسلمة
(أي النموذج التركي للدولة العلمانية والديمقراطية سياسيا والمتقدمة والمتطورة
اقتصاديا والمتفتحة ثقافيا)، وهو ما تسعى أنظمة الحكم في الجمهوريات الإسلامية إلى
محاكاته واستنساخه منذ استقلالها. لقد شكل العنصر الثقافي حجر الزاوية في
الاستراتيجية التركية في علاقاتها مع مجموعة الدول الصاعدة في آسيا الوسطى. إن
وجود عالم تركي (أي يستخدم اللغة التركية) يمتد من البلقان وحتى حدود الصين
الغربية بتعداد سكاني يفوق 120 مليون نسمة يمنح تركيا إمكانية إقامة روابط
اقتصادية وثقافية وسياسية بشكل سريع ويسهّل من عملية التغلغل التركي دون عقبات
كثيرة. لكن التطورات التي حدثت في المنطقة مع وجود عوامل عديدة شكّلت كوابح أمام
سياسة الأخ الأكبر التركية. ومن أبرز هذه العوامل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في
المنطقة، بالإضافة إلى ضعف الرابطة الثقافية من جراء سياسات العهد القيصري
والسوفيتي التي تعرضت لها الهوية الثقافية لشعوب المنطقة. وهو ما أجبر تركيا على
اعتماد سياسة جديدة أكثر واقعية تجاه المنطقة وتجاه إمكانيات الدولة التركية
نفسها. هذه الواقعية تجلت في التركيز على الاعتبارات الاقتصادية والطاقة وأصبحت
المحور الرئيسي للسياسة التركية تجاه منطقة ـ بحر قزوين وآسيا الوسطى ـ والتي لقيت
بدورها دعما أميركيا من أجل بناء خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز من آسيا الوسطى
إلى ميناء جيهان التركي عبر خط “باكو ـ جيهان” تفاديا لمروره عبر الأراضي الروسية
أو الإيرانية فيما يعرف بحرب الأنابيب. وعلى صعيد التعاون الاقتصادي، قامت تركيا
بتأسيس الوكالة التركية للتعاون التقني والاقتصادي عام 1992 والتي عهد إليها
بالمساهمة في النشاطات الاقتصادية والصناعية في آسيا الوسطى عن طريق تقديم المساعدات
المالية وتطوير قطاع الخدمات البنكية والمالية. كما لعب القطاع الخاص التركي دورا
بارزا في البناء الاقتصادي والصناعي والتجاري في الجمهوريات المستقلة. وعلى صعيد
التعاون الثقافي والعملي، قامت تركيا ببناء الهيئات العلمية من الجامعات والمدارس
الثانوية وتقديم آلاف المنح الدراسية الجامعية للطلبة القادمين من دول آسيا
الوسطى. ومع ذلك فإن الاستراتيجية التركية في آسيا الوسطى والمدعومة من الدول
الغربية والولايات المتحدة الأميركية تواجه عقبات عديدة من أهمها: المنافسة
الاقتصادية الشديدة من قبل القوى الاقتصادية الأكبر تطورا أو الأكثر تقدما، مثل
دول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية وضعف
الاقتصاد التركي وقلة الإمكانيات المالية التركية في مواجهة المصاعب الاقتصادية في
دول آسيا الوسطى، وتضارب المصالح التركية مع اللاعبين الإقليميين في المنطقة، خاصة
إيران وروسيا.
الاستراتيجية الإيرانية في آسيا الوسطى:
لم تتوانَ طهران عن استغلال الفرصة التاريخية
الناجمة عن الفراغ الاستراتيجي الذي تركه تفكك الاتحاد السوفيتي في المنطقة
وانكفاء روسيا على همومها الداخلية، حيث ترى إيران أنها القوة الطبيعية المرشحة
للعب دور قيادي وإقليمي في آسيا الوسطى. فمن بين دول الجوار الجنوبي، تحتل إيران
موقعا جغرافيا ممتازا بالنسبة لدول آسيا الوسطى، وهي تمثل ممرا آمنا لتلك الدول
إلى المياه والبحار المفتوحة (الخليج العربي وبحر عُمان)، كذلك لها شواطئ مشتركة
مع أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان على بحر قزوين الغني بمصادر الطاقة. كما تتعدد
المزايا الجيواقتصادية التي يوفرها الجوار الإيراني للجمهوريات الناشئة في آسيا
الوسطى. فإيران تمثل الطريق الأسرع والأكثر أمنا والأقل تكلفة نحو الأسواق الدولية
لاقتصاديات آسيا الوسطى التي تعتمد على صادرات الطاقة والمواد الأولية والخدمات
الصناعية، كما توفر لها مصدرا أساسيا للخبرة في مجال الصناعات النفطية. بعد انهيار
الاتحاد السوفيتي، عملت طهران على مد جسور العلاقات الاقتصادية والتجارية
والسياسية والثقافية مع دول الجوار الصاعدة في آسيا الوسطى. واستند النشاط
الإيراني تجاه هذه الدول إلى سعي طهران إلى استغلال الفرصة التاريخية المتاحة لها
في عام 1991 للفكاك من العزلة السياسية التي تعاني منها على صعيد علاقاتها الدولية
منذ قيام الثورة سنة 1979، بالإضافة إلى أن إيران وجدت في استقلال دول آسيا الوسطى
عاملا أساسيا في تغيير المحيط الجيوسياسي لإيران، حيث يمنحها موقعا ممتازا أو
إمكانيات جديدة لتصبح دولة عبور طريق الحرير الجديد. وفقا لذلك قامت طهران بصياغة
استراتيجية تستند إلى الدبلوماسية متعددة الأطراف، وعلى تقوية الروابط الثنائية مع
الجمهوريات الجديدة في آسيا الوسطى. تفضل إيران أداء دور دولة كبرى إقليمية أكثر
منها دولة (إسلامية ثورية). ويتجلى ذلك بخاصة في الدور الذي قامت به طهران في
الحرب الأهلية الطاجيكية عندما لم تقدم أي دعم للحركة الإسلامية في طاجيكستان. بل
على العكس من ذلك، عملت على التقريب بين مختلف أحزاب الصراع في هذا البلد. وتوجت
الجهود الإيرانية المتوازنة بوضع حد للحرب الأهلية عام 1999 وعلى مستوى العلاقات
متعددة الأطراف، قامت السلطات الإيرانية وبشكل موسع بالمساهمة في دعم التوجهات
التكاملية والإقليمية في المنطقة مثل منظمة التعاون الاقتصادي، وذلك بتشجيع دمج
الدول الجديدة في هذه المنظمة، كما يعود لها الفضل في إيجاد هيكلية التعاون
الإقليمي الجديدة للدول المشاطئة لبحر قزوين. وعلى صعيد العلاقات الثنائية تعتبر
إيران أول الدول التي سارعت إلى إقامة علاقات دبلوماسية وفتح السفارات في جميع
عواصم الجمهوريات الإسلامية، وكذلك توقيع اتفاقيات اقتصادية وثقافية وتبادل
للزيارات الرسمية بشكل ثابت منذ 1992 وتعتبر تركمانستان وطاجيكستان من الدول التي
تحظى بشراكة متميزة مع إيران بالنظر إلى الجوار الجغرافي بالنسبة للأولى والروابط
الثقافية بالنسبة للثانية. وبصورة عامة، وبالرغم من المساعي والاستراتيجيات
الإيرانية المتواصلة في إطار تطوير العلاقات مع جمهوريات آسيا الوسطى، فإن
الاستراتيجية الإيرانية تواجهها جملة من العقبات التي تحول دون قيامها بلعب دور
اللاعب الاستراتيجي المحوري في المنطقة، خاصة الطبيعة الأيديولوجية للنظام السياسي
الإيراني القائم على تصدير النموذج الإيراني في الحكم، الأمر الذي أدى إلى شعور
جمهوريات آسيا الوسطى بالقلق من الدور الأيديولوجي لإيران، كذلك ضعف الوسائل
والإمكانيات المالية والاقتصادية الإيرانية. والمنافسة الإقليمية الشديدة التي
تتعرض لها إيران من قبل روسيا، وتركيا والصين. والعزلة النسبية التي تعاني منها
إيران في البيئة الدولية ومعارضة الولايات المتحدة الأميركية لامتداد دورها في
آسيا الوسطى.
الاستراتيجية الإسرائيلية في آسيا الوسطى:
تعمل إسرائيل جاهدة من أجل توطيد علاقاتها
بدول آسيا الوسطى، وذلك تحت ذرائع متعددة، بعضُها اقتصادي والآخر سياسي، والكثير
منها أمني، بحجة مواجهة الإرهاب المتصاعد، الذي من شأنه ـ حسب الزعم الإسرائيلي ـ
أن يضر بأمن واستقرار حكومات وشعوب المنطقة. كانت جامعة إنديانا الأميركية قد نشرت
دراسة لها عام 1998، تضمنت بنود الاستراتيجية الإسرائيلية، التي ما زالت مستمرة
حتى الآن، ومن بينها وصول إسرائيل إلى مركز نفوذ في وسط آسيا يتيح لها التأثير في
تشكيل الاستراتيجيات في مناطق العالم، بالتوازي مع الاتجاه الأميركي إلى تلك
المنطقة، لإيجاد وجود إسرائيلي قوى في هذه البلاد، وإقامة حواجز أمام وصول النفوذ
العربي والإسلامي إليها. تقوم سياسة إسرائيل في النفاذ لدول آسيا الوسطى على تقديم
مساعدات اقتصادية وعسكرية وتكثيف الزيارات الرسمية، علاوة على استغلال المهاجرين
اليهود من بعض تلك الجمهوريات في بناء جسور من العلاقات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية. أنشأت الحكومة الإسرائيلية غرفة للتجارة والصناعة خاصة بالعلاقات مع
دول آسيا الوسطى، وأنشأت بنك المعلومات الاقتصادية ودليلا للمجالات التي يستطيع
الإسرائيليون الاستثمار فيها، وسنّت قوانين حماية تلك الاستثمارات والإعفاءات
الجمركية والازدواج الضريبي وغيرها، بعد ذلك بدأ سيل الشركات الإسرائيلية والأفراد
اليهود من دول كثيرة بالتدفق على تلك الجمهوريات، واستطاع رجال الأعمال هؤلاء فتح
مؤسسات ومكاتب تجارية تشتري وتبيع وتستثمر في كل مجال تطوله أياديها، وتركز هذه
الشركات أعمالها في مجال الطاقة، المعادن والزراعة والثروة الحيوانية، والصناعة،
والاتصالات، والبنوك والأنظمة المالية والمصرفية، والإدارة والتنمية البشرية،
والطب والرعاية الصحية، والفضاء والأبحاث العلمية وغيرها، ووضعت إسرائيل يدها على
مناجم ومصانع في كازاخستان تنتج آلاف الأطنان من اليورانيوم سنويا لتستخدمه في صنع
السلاح النووي، وأصبحت إسرائيل مالكا رسميا لمجمع ضخم لمعالجة اليورانيوم يكفي
لصنع ترسانة كاملة من الأسلحة النووية كل عام، كما استفادت من قاعدة بايكونور
الفضائية الكازاخية في إطلاق أكثر من قمر صناعي. وفي المقابل نقلت الشركات
الإسرائيلية تكنولوجيا الري والزراعة والصناعات الغذائية إلى كازاخستان، فضلا عن
التعاون في مجال تكرير النفط والصناعات الكيماوية. كما شكلت الحرب الأميركية ضد
الإرهاب مظلة جديدة لإطلاق يد إسرائيل في نشاط عسكري استخباري محموم في آسيا
الوسطى. اهتمت إسرائيل منذ وقت مبكر باختراق دول آسيا الوسطى بأكملها، وكانت لديها
استراتيجية متكاملة لذلك تعتمد على التركيز في المرحلة الأولى على التغلغل
الاقتصادي من خلال رجال الأعمال اليهود من شتى الجنسيات من جهة وتقديم إسرائيل
نفسها كوسيط نشيط لجذب رؤوس الأموال الغربية من جهة أخرى. كما تم افتتاح فرع
للوكالة اليهودية (سحتوت) في العاصمة الأوزبكية طشقند لتنظيم هجرة اليهود الأوزبك
إلى إسرائيل، وافتتاح مركز ثقافي صهيوني في طشقند يعمل بنشاط على الترويج للثقافة
والأفكار الصهيونية بين اليهود وغيرهم من مواطني أوزبكستان، فضلا عن تعليم اللغة
العبرية. وهكذا كانت إسرائيل تحقق تغلغلا سياسيا واقتصاديا وثقافيا متزايدا
الاتساع والعمق في أوزبكستان طوال التسعينيات، وضع أساسا قويا لقيام تعاون أمني
واسع النطاق.
محمد نجيب السعد m.najeeb@bayancollege.net
المصادر
- هشام منور، تمدد النفوذ الإسرائيلي
في آسيا الوسطى: أذربيجان نموذجا
- إبراهيم عرفات، آسيا الوسطى التنافس
الدولي في منطقة مغلقة
- مدحت أيوب، بؤر التوتر الإقليمي في
آسيا الأسباب والحلول، السياسة الدولية
- عبد اللـه فلاح عودة، التنافس الدولي
في آسيا الوسطى
- طه عبد الواحد، خطوات روسية استباقية
للحفاظ على النفوذ في آسيا الوسطى
- عبد اللـه صالح، أنابيب النفط تشعل
الصراع في آسيا الوسطى
- جعفر حسن، منظمة شنغهاي للتعاون
وصراع القوى الكبرى في آسيا الوسطى
- هبة محسن أبو الوفا، إيران في آسيا
الوسطي.. نموذج للقوة المرنة
- ناسي الأزهر، الاستراتيجية الأميركية
في آسيا الوسطى
- مطيع الله تائب، “الصين وإيران
وتركيا. اللاعبون الجدد في آسيا الوسطى”
• صالح
ياسين، “بعض ملامح التحولات في التفكير الاستراتيجي
للولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر”
- عاطف عبد الحميد، “أبعاد الصراع على
نفط آسيا وبحر قزوين”
- محمد دياب، “الصراع على الثروات في
آسيا الوسطى والقوقاز”
- دول آسيا الوسطى: المجال الحيوي والاستراتيجي
لخارطة الصراع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق