تحت عنوان "عميد الأدب الأوزبكي
عليشير نوائي" نشرت الصفحة الإلكترونية المصرية "أقلام وكتب"
يوم 20/2/2016 مقالة كتبها: أحمد عبده طرابيك، وجاء فيها:
يعتبر علي شير نوائي من العلامات
البارزة في تاريخ الأدب التركي، وأفضل من كتب باللغة الجغتائية "اللغة
الأوزبكية القديمة" ، لذلك حاز عن جدارة عميد الأدب التركي، فهو الشاعر والمفكر
البارز، ورجل الدولة، ومن أبرز أدباء عصر الإزدهار في تاريخ الثقافة والأدب واللغة،
ورائد عصر الصحوة والنهضة الاجتماعية، ومن أكبر شخصيات الأدب الأوزبكي الذي يطلق
عليه في الغرب الأدب الجغتائي.
علي شير نوائي
ولد شير نوائى فى مدينة هرات التابعة
لخراسان فى التاسع من فبراير عام 1441 م، فى أسرة الخطاط غياث الدين كجيك باخشى،
الذي رحل إلى مدينة هرات الجديدة بعد الدمار الذى أحدثه جنكيزخان فى قلب
آسيا، حيث تعني كلمة "باخشى" الكتّاب الذين يحررون الوثائق بالحروف
الأويغورية "ناسخ".
عاش علي شير نوائى فى طفولته مع والده
فى مدينة هرات، وتعلم فيها اللغة العربية والفارسية، وحفظ القرآن الكريم، ودرس
علوم القرآن والحديث والأدب والتاريخ، ودرس كذلك فى المدرسة السلطانية مع ميرزا
حسين بايقره، وفى هذه الفترة نشأت بين التلميذين علاقة وطيدة حتى أنهما تعاهدا
على أن من يصير سلطانا منهما يهتم بحال أخيه.
بدأ نوائي بكتابة الشعر وهو في سن
العاشرة من عمره، وتجول خلال حياته في مختلف دول الشرق الإسلامي، والتقى بالشخصيات
الشهيرة في عصره، وطور مهاراته الشعرية، وخلال عامي 1464، 1465 م، واشتهر بلقب
"ذو اللسانين" لأنه برع في كتابة الشعر باللغة التركية بلقب "نوائي"
، وكتابة الشعر باللغة الفارسية بلقب "فاني"، وقد أعد المعجبون بأشعار
"نوائي" أول مجموعة شعرية له "ديوان"، وهو ما يدل علي أنه كان
شاعراً ذا موهبة فذة ومعروفاً منذ ذلك الوقت. وفي عام 1469 م، ونتيجة للحروب
الداخلية التي دارت بين التيموريين، اضطر "نوائي" للإبتعاد عن موطنه في
هرات.
كتب نوائي حوالي ثلاثين عملاً أدبياً
باللغة الجغتائية، بالإضافة لكتابات بالفارسية، والعربية والهندية. وقد جمع نوائي
أروع أعماله في أربع دواوين تحتوي علي حوالي خمسين ألف بيت من الشعر، وكل ديوان من
هذه الدواوين يحكي عن فترة من عمر الإنسان، وهذه الدواوين هي "غرائب الصغر"،
"نوادر الشباب"، "بدائع الوسط"، "وفوائد الكبر" .
لم يقتصر إنتاج شير نوائي على الشعر، ولكنه
كتب في موازين الشعر التركي، فألف كتابه "ميزان الأوزان"، كما كتب في
السير، حيث يعتبر كتابه "مجالس النفائس" مصدراً تاريخياً غنياً في سير
أربعمائة وخمسين من أدباء وشعراء العصر التيموري. كذلك كتب "نوائي"
أعمال ملحمية منها: "حيرت الأبرار"، "فرهاد وشيرين"، "ليلى
ومجنون"، "سبعه سيار"، "سد سكندري" عن الاسكندر المقدوني.
كتاب "حكمتلي سوزلار" أي "كلمات
حكيمة"، وهو عبارة عن حكم باللغة التركية الجغطائية كتبه علي شير نوائي
تتويجاً لأعماله الأدبية، حيث تمثل تلك الحكم خبرة الأمم وتجارب الشعوب في الحياة،
ومما جاء فيه :
أفد حياة أبيك بحياتك، ورأسك يجب أن يكون
ثمناً لخطئك على أمك، فهما شمس وقمر حياتك، ينيران دربك ليلاً و نهاراً.
الكرم والمرؤة والدا الوفاء والحياء.
رجل بلا وفاء رجل بلا حياء، والرجل بلا حياء
رجل بلا وفاء.
ينمو العلم شيئاً فشيئاً، كما يتكون النهر من
قطرة وراء قطرة.
اترك مصاحبة من كلامه بلا فائدة، وارع سمعك
لمن كان ذا فائدة.
إذا علمك أحد حرفاً واحداً، فكيف تكافئه حتى
لو أعطيته ألف صندوق من الجواهر لن توفيه حقه.
حجر يستخدم لتعبيد الطريق، أنفع للناس من
جوهرة مكنونة في مخزن.
كل الناس فانون، وأسعدهم هو من يخلد اسمه
بالعمل الصالح.
الخير والشر لا يجتمعان، كمن وضع أرجله في
مركبين فالغرق نصيبه.
من أذل نفسه لكسب المال، لن يعيد له هذا المال
عزة نفسه.
إذا أرت العزة فقلل كلامك، وإذا أردت الصحة
فقلل طعامك.
حرام أن تصف إنساناً بأنه بشر، إذا كان فعله
وقلبه كالحجر.
من تلوم إذا لم ير الخفاش جمال الشمس والعشب
والشجر ؟
أفعال الجاهل تزيد السيء سوءاً، وعالج الشر
بما هو عكسه.
رجل بلاهمة كروح بلا جسد.
هل يظل المرء صديقاً إذا رحل عنك بعد انتهاء
مصلحته معك ؟
عندما يكون العدل أساس الملك، يعم الخير أرجاء
البلاد.
أحسن لكلامك الإختيار، إذا أردت لنفسك
الإعتبار.
لا تعمل العقول بطريقة واحدة، فربما خرج معنى
واحد بصيغتين مختلفتين.
حتى إذا كنت ملك الملوك، تواضع للفقراء.
الطبيب الجاهل كالجلاد، فالسم يقتل كما السيف
الحاد.
يعتبر الأويغور أول شعوب الأتراك الذين عرفوا
الكتابة بين الشعوب التركية، واستخدموا الأويغورية القديمة، والأويغورية
القارخانية، والأويغورية الجغتائية، وجعلوها لغة موحدة بين الشعوب التركية، حيث
تعرف اللغة الجغتائية التركية بين أبناء التركستانيين في البلاد العربية باللغة
"البخارية"، وحيث أنه لا وجود للغة اسمها اللغة "البخارية"،
ولكن أُطلق عليها هذا الاسم لارتباطها بالتركستانيين، ولذلك تسمي اللغة المحكية
بينهم "البخارية". وقد انتقلت هذه اللغة معهم حيث هاجروا، فالأوزبك
يعرفون معناها، ويفهمونها، لكنهم يقرون بأنهم لا يتحدثون بهذه اللهجة القديمة نوعاً
ما، والتي تطورت وتفرعت إلى لغتين أوزبكية، وأويغورية. وقد كتب بالجغتائية عدد من
أبناء الجيل الأول من المهاجرين التركستانيين، فللشيخ "موسى تركستاني"
كتاب "أولوغ تركستان فاجعه سي" حيث يتكلم فيه عن ما حل بالتركستانيين
إبان احتلال الشيوعيين لبلادهم، وللشيخ "يعقوب يولداش خوجة" كتاب
بعنوان "تيل يوروغي" أو "قواعد اللغة التركستانية"، وكلاهما
مكتوب بالأبجدية العربية.
وكانت الكتب الأدبية مثل "قوتادغوبيليك،
وعتبة الحقائق" في عصر نوائي تنسخ بالأويغورية، وكانت اللغة
الأويغورية تستخدم كلغة حية بين العلماء والأدباء فى هرات وسمرقند. لذلك كانت
الكتب التى ألفها نوائى بالتركية مكتوبة بالأويغورية الجغتائية، وكان نوائى
قد استفاد من أساتذة الأويغور فى سمرقند وهرات مثل سديد الدين الكاشغرى،
والشاعر سهيل، والشاعر لطفى، ومولانا السكاكى، وعطائى،
لذلك لم ينس نوائى فى إبداعاته الأدبية أن يعبر عن ثقافة وحضارة شعبه
الأويغور خاصة فى كتابه "خمسة".
يصف نوائي وجهة نظره في الصوفية في
كتابه "لسان الطير" متبعاً بذلك خطى العطار في كتابه "منطق
الطير"، كما ترجم "نفحات الأنس" للشاعر الصوفي نور الدين
عبدالرحمن جامي من الفارسية إلى الجغتائية وأسماه نسائم المحبة، كما نظم
"نوائي" عن الصوفية أيضاً ديوان "بيش حيرت"، وله
بالفارسية حوالي ستة آلاف بيت من الشعر. ومن أعمال "نوائي"
اللغوية كتابه الهام "محاكمة اللغتين"، يقارن فيه بين اللغتين الجغتائية
والفارسية، حيث يفضل اللغة التركية على الفارسية لغناها ودقتها وسهولة تطويعها،
خلافاً عن الفارسية حسب رأيه.
امتد تأثر أسلوب نوائي من حدود الصين
شرقاً، حتى أقصى غرب الإمبراطورية العثمانية، ومن أبرز من تأثر به بابر شاه،
حفيد الأمير تيمور، ومؤسس الإمبراطورية المغولية في الهند، حيث يبدو تأثره
واضحاً في كتابه "بابر نامه"، والذي يعتبر أول سيرة ذاتية لحاكم مسلم، ويخوض
الكاتب في سيرته في شتى أنواع المجالات الحياتية، من الطبيعة، والمجتمع، والسياسة
والاقتصاد، ومن أبرز من كتب بها في القرن الثامن عشر "صوفي الله يار"،
ومن أبهم ما كتب "ثبات العاجزين"، والشاعر مشرب الذي ولد في
أندجان منتصف القرن السابع عشر، وفي القرن التاسع عشر ملا موسى سيرمي من
تركستان الشرقية، الذي وضع كتاب "تاريخ أمنية" حيث كتب فيه تاريخ
تركستان الشرقية من نوح عليه السلام إلى وقت آخر حكامها في عصره يعقوب
بيك، وفي بداية القرن العشرين تأثر به عبد الرؤوف فطرت، حاجي معين،
حمزة حاكم زادة نيازي، محمود خوجة.
تضم المقامات الأويغورية اثنا عشر مقاماً، وقد
قد اختارت فى 39 من نصوصها، نصوصا من شعر وغزل نوائى، ولذلك فإن الشعب
الأويغورى يلقب الشاعر نوائى بالأستاذ والشيخ ومولانا. وهذا يدل على أن
مؤلفات نوائى معروفة أكثر لدى الأويغور بالنسبة للشعوب التركية الأخرى، وقد
شعر بذلك الأمر الأدباء والشعراء من البلاد الأخرى، مثل الشاعر القازاقى "جوقان
وليخانوف"، والعالم الروسى س . مالوفمو اللذان زارا ديار الأويغور
فى أواسط القرن الماضى ووصلا إلى نتيجة أن الأويغور يعتبرون الشاعر نوائى
شاعراً موهوباً وله مكانة كبيرة في حياتهم.
وقد كتب زهر الدين بابور فى عصره عن شير
نوائى: علي شير نوائي لم يكن له مثيل، وقد كتب الأشعار باللغة التركية
بدرجة لم يستطيع أحد أن يكتب كثيرا أو جيدا مثله.
وكتب المؤرخ محمد مرزا حيدر الذى عاش
بعد نصف قرن من وفاة شير نوائى فى كتابه "تاريخ رشيدى": لم يكن
هناك أحد ألف شعرا أكثر ولا أحسن باللغة التركية منه، فقد كان "نوائى"
متخصصا فى هذا المجال، وأشعاره التركية لاتقل شهرة عن أشعار الشاعر الفارسى عبد
الرحمن جامى.
بدأت مرحلة جديدة في حياة علي شير نوائي
عندما أصبح حسين بايقره التيموري، حاكماً علي خراسان في عام 1469 م، حيث
شارك نوائي بنشاط كبير في الحياة السياسية لخراسان، وذلك عندما عينه صديقه
القديم، والحاكم الجديد حسين بايقره بمنصب حامل أختام الدولة "مهردار"،
وفي عام 1472م عينه وزيراً، ومن خلال منصبه قدم نوائي مساعدات كبيرة لرجال
الثقافة والأدب ومثقفي البلاد.
خلال ثمانينات القرن الخامس عشر شيد شير
نوائي على نفقته الخاصة العديد من المدارس في هرات وكثير من مناطق البلاد
الأخرى، بالإضافة إلي تشييد أربعين رباطاً "أماكن لتوقف المسافرين"،
وسبعة عشر مسجداً، وعشر ملاجئ لإقامة الصوفيين "خانقاه"، وتسع حمامات،
وتسع جسور، وبالإضافة لذلك قام بأعمال كثيرة من أعمال الخير والنفع العام، وكل هذه
الأنشطة الإيجابية التي قام بها "شير نوائي" لصالح شعبه لم ترضِ
المحيطين بالحاكم في القصر، وسعوا لإفساد العلاقة القائمة بينه وبين "حسين
بايقره".
نتيجة لتلك المؤامرات التي تمت ضد شير
نوائي، قام حسين بايقره بإعفائه من مناصبه وأرسله كحاكم إلى أستر آباد
في عام 1487م، وبقي فيها لمدة عامين، ولكن بعدها سمح حسين بايقره له
بالعودة إلى هرات، وعرض عليه منصب حكومي، إلا أن شير نوائي رفض ذلك، وبغض
النظر عن رفضه، فقد منحه حسين بايقره منصب المقرب من حضرة السلطان "مقربي
حظرتي سلطاني"، ومن خلال هذا المنصب تمتع "شير نوائي" بحق
المشاركة في جميع أعمال الدولة.
مع توليه منصبه الجديد، بدأت مرحلة جديدة في
حياة الشاعر شير نوائي، واهتم بالأعمال الإبداعية أكثر، وقام خلال تلك
المرحلة بكتابة أهم مؤلفاته، وعاش وأبدع خلال سنوات عمره الأخيرة في ظل حكم
التيموريين خلال الفترة ما بين عام 1370 إلي عام 1506 م، ولهذا امتازت مؤلفاته
بالروح الإجتماعية، وتشبعت بالمشاكل التي واجهها عصره.
توفى علي شير نوائي في الثالث من يناير
عام 1501، في مدينة هرات عن عمر ناهز الستين عاماً، ورغم مرور أكثر من خمسمائة عام
علي وفاته، مازال نوائى حيا فى قلوب الشعراء والأدباء، وكذلك شعب الأويغور،
حيث يقرأون أشعاره فى مراسم الزفاف والكوميديا وغيرها.
أولت أوزبكستان اهتماماً خاصاً بالأديب
العالمي نوائي، ففي العام الأول من الاستقلال عام 1991، خصص الرئيس اسلام
كريموف ذلك العام ليكون عام علي شير نوائي، حيث تم عمل دراسات مفصلة
عنه، ونشرت أعماله الشعرية الكاملة في عشرين مجلداً علي نطاق واسع، كما تم بناء
نصب تذكاري شامخ وسط حديقة واسعة تعرف باسمه، وفي هذا العام 2016، وبمناسبة مرور
575 عاماً علي مولد نوائي أقيم احتفال كبير بحضور رئيس الجمهورية في حديقة نوائي
وسط العاصمة طشقند، كما عُقد العديد من المؤتمرات الدولية، المكرسة لأعماله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق