تحت عنوان "ذكري النصر والسلام في
أوزبكستان" نشر موقع "أقلام وكتب" المصري في شبكة
الإنترنيت يوم 17/5/2016 مقالة كتبها: أحمد عبده طرابيك، وجاء فيها:
تحتفل أوزبكستان في التاسع من شهر مايو كل عام
بذكري النصر والكرامة، حيث يتم الاحتفال به علي نطاق واسع، ويعتبر عيداً وطنياً في
كافة أنحاء البلاد، وفيه يتم تكريم الأجداد، وتقديم الاحترام لهم باعتبارهم من
أسهم بشكل كبير في بناء الوطن والدفاع عنه ضد الأعداء، الأمر الذي أهدي للأجيال
الشابة هذا الجو من السلام والتنمية التي تشهدها البلاد.
تحدث الرئيس إسلام كريموف في هذه
المناسبة، فقال إن هذا اليوم الوطني هو تكريم للاجداد الذين قدموا التضحيات من أجل
ما ننعم به الآن من استقرار ورخاء، ونحن نعيش هذه الأجواء نتذكر الشهداء الذين
الذين ضحوا بارواحهم في حرب النصر علي الفاشية، ولذلك فإنه من دواعي العرفان
لهؤولاء هو تأمين حياة مزدهرة لكبار السن، وتهيئة كافة السبل والظروف التي تكفل
لهم حياة كريمة وصحية.
لعل من أهم مظاهر التكريم لمن ضحوا بجهودهم
وأرواحهم في سبيل وطنهم، هو صدور مرسوم رئاسي في 18 ابريل 2016 بشأن تكريم قدامي
المحاربين مادياً ومعنوياً، حيث ازدحمت ساحة الاحتفال في العاصمة طشقند قدامي
المحاربين وأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وأعضاء الحكومة، وكبار قادة القوات
المسلحة، والآلاف من المواطنين، في جو يعكس مدي الاعتراف والتقدير من كافة
المستويات في الدولة لجهود وتضحيات الأجداد.
لقد أصبحت ساحة النصر في قلب العاصمة طشقند
مكاناً مقدساً لشعب أوزبكستان، لكون يعد شاهداً علي أكثر الحروب دموية في التاريخ
الإنساني، فقد خلفت أعداداً لا تحصي من الضحايا ما بين قتيل ومصاب، وتركت تلك الحرب
أحزانً ومعاناتاً لازمت كل بيت، ولذلك فرغم مرور السنين فإنه لا يوجد شخص واحد قد
نسي هذه الحرب ووحشيتها، فسوف يظل هذا التاريخ محفوراً في ذاكرة الأمة لكي يعرفوا
ويقدروا قيمة الأمن والسلام.
رغم أن الحرب حصدت أرواح الآلاف من جنسيات
عديدة شاركت في الحرب إلي جانب شعب أوزبكستان، الذين أظهروا شجاعة ومثابرة في
الانتصار على الفاشية، حيث لم يرجع الكثير من الآباء والأجداد من تلك الحرب، ورغم
أنه تم منح 338 من أبناء أوزبكستان وسام "بطل"، وحصول الآلاف منهم أيضا
علي الميداليات والأوسمة العسكرية، فإن القلوب مليئة بكل الفخر والاعتزاز، ولكن مع
ذلك تظل تلك الحرب جرحاً عميقاً ومفتوحاً في قلوب الأمة.
لقد كان عدد سكان أوزبكستان في بداية تلك
الحرب يبلغ نحو 6.5 مليون نسمة، وقد شارك في الحرب 1.5 مليون مواطن، قتل منهم أكثر
من 500 ألف في ساحات المعارك، وعاد الكثيرون معوقين، وفقد أعداد كبيرة أخري، وهذا
ما يعكس مدي التكلفة الباهظة التي تكبدتها أوزبكستان حتي تحقق النصر، وقد ظهرت
خلال الحرب قيم وتقاليد شعب أوزبكستان الأصيلة من الشهامة والكرم والإنسانية، فلقد
كان الشعب كله يداً واحدة في مواجهة الأحزان والمعاناة، وعملوا علي توفير المساعدة
والرعاية للمحتاجين والمرضي، حيث تم إجلاء أكثر من مليون مواطن أغلبهم من الأطفال
والنساء وكبار السن من جبهات الحرب الأمامية، وعاشوا في ملاجئ ومخيمات يتقاسمون
قطعة الخبز والمأوى، وهذا ما يجسد أفضل صفات شعب أوزبكستان النبيلة من الإنسانية
والكرم والشجاعة.
يدين شعب أوزبكستان بما يعيشه الآن من استقرار
ورخاء إلي أرواح الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل وطنهم، من أجل أن تأتي أيام
مشرقة للأجيال المقبلة، ولذلك فشعب أوزبكستان ينظرون إلي المحاربين القدماء بكل
الاحترام والتبجيل، وقد خصصت الدولة قبل 17 عاماً يوم التاسع من مايو كيوم للنصر
تقديراً للمناضلين من أجل وطنهم، وهو يمثل انعكاس للقيم النبيلة للشعب وللأجيال
الشابة التي تنعم الآن بفضل ما قدمه الأجداد.
شهدت أوزبكستان أصعب فترات تاريخها أثناء
الحروب التي تعرضت لها البلاد، فقد عاش شعب أوزبكستان كل المصاعب والمعاناة للحرب
العالمية الثانية، التي شكلت أفظع وحشية ودموية في تاريخ البشرية، وقد ضرب جموع
الشعب اروع المثل في الوحدة لمواجهة تلك الجرائم الفاشية، ولذلك فهم يعملون الآن
بكل جهد من أجل السلام لعدم تكرار تلك المآسي والآلام.
ورغم الأوضاع غير المستقرة التي تشهدها دول
الجوار، وخاصة أفغانستان، التي تشهد أوضاعاً صعبة، وتعيش ظروفاً غير مستقرة منذ
أكثر من 35 عاماً، حيث يزيد ذلك من التهديدات التي تتعرض لها البلاد، وخاصة مع
تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب، فإن أوزبكستان تسعي مع دول الجوار والمجتمع الدولي
لإحلال السلام في أفغانستان، وإعادة بناء مؤسساته لإحلال أعمال البناء والتعمير
والتنمية بدلا من أصوات المدافع واعمال القتل والتدمير.
لقد أصبح لأوزبكستان دوراً فاعلاً في أحداث
المنطقة، إيماناً برؤيتها القائمة علي أن الأمن والاستقرار في البلاد لابد أن يبدأ
من المحيط الخارجي لدول الجيران، وهو ما جعل أوزبكستان تهتم ببناء قواتها المسلحة،
وتعزيز سياسة عدم الانحياز لي من الأحلاف والتكتلات العسكرية ورفض إقامة اي قواعد
عسكرية لأي من القوي الكبري علي أراضيها، وهذا ما عزز دور أوزبكستان في المسألة
الأفغانية، وجعل دورها فاعلاً في إحلال السلام وإعادة النباء والتنمية في ذلك البلد
الذي أنهكته الحروب والصراعات.
تحتفل أوزبكستان هذا العام بمرور ربع قرن علي
استقلالها، ورغم أن هذه الفترة الزمنية تعتبر فترة قصيرة نسبياً في عمر الدول والشعوب،
وعلى الرغم من التحديات والصعوبات، التي واجهتها أوزبكستان منذ استقلالها، إلا
أنها استطاعت أن تحقق انجازات غير مسبوقة من خلال معدلات النمو المرتفعة التي
حققتها وأشادت بها المؤسسات والمنظمات الدولية، ونالت تقدير واعجاب دول العالم.
شهدت أوزبكستان نهضة كبيرة في مختلف المجالات،
وذلك بفضل السياسات التي اتخذتها منذ الاستقلال القائمة علي تحديث كافة القطاعات،
وتنشئة جيل يهتم بالمعرفة والتقنية ومسايرة الحياة العصرية، وأصبحوا مؤهلين لتحمل
المسئولية، وتقديم الأفكار والإمكانيات والفرص المتاحة لهم، وهو ما جعل البلاد تضع
خطة طموحة لمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، من أجل تعزيز ثقة الأمة
في مستقبل مشرق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق